المبادرة الروسية وأبعادها

usa-russia-flags

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

المخاض الذي دخلته المبادرة الروسية في مجابهة قرار العدوان الأميركي على سوريا يؤسس لمعادلات وتوازنات جديدة تعكس الوقائع التي فرضتها منظومة المقاومة في الميدان وحقيقة معادلات الردع التي أظهرت كلفة العدوان على الولايات المتحدة وحلفائها وعملائها في المنطقة وكذلك وبصورة أساسية ما سيرتبه العدوان من نتائج في الكيان الصهيوني الذي أظهرت سوريا وإيران والمقاومة انه سيتلقى القسط الرئيسي من الردع الدفاعي ردا على العدوان الأميركي.

أولا: نجحت روسيا في مبادرتها بان تسترد زمام المبادرة الهجومي على الصعيد الدولي وان تقيم معادلات جديدة تعيد فيها باراك أوباما والإمبراطورية الأميركية إلى بيت الطاعة في مجلس الأمن الدولي ومن الواضح أن المعادلة التي رسمها بوتين الليلة الماضية وقف العدوان الأميركي مقابل إنشاء التفاهمات مع سوريا بخصوص السلاح الكيماوي هي رأس الجسر إلى صفقة شاملة تكرس ردع التدخلات في سوريا بجميع أشكالها السياسية والمالية والعسكرية ولإطلاق آلية جنيف 2 التي عطلها الأميركيون طيلة الأشهر الماضية وثمة الكثير من التفاصيل التي تستوجب التوقف والمتابعة وأبرزها أن روسيا نجحت في تظهير الأزمة بوصفها صراعا بين سوريا وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وعملائها من جهة أخرى بينما ظهرت روسيا بوصفها مرجعية حاسمة لإنتاج التسويات في واقع دولي جديد وهي صفعت المثلث الاستعماري الأميركي البريطاني الفرنسي عندما رفض وزير خارجيتها سيرغي لافروف وضع أي مشروع حول السلاح الكيماوي السوري في إطار الفصل السابع.

ثانيا: يتضح من جميع المعطيات المتوافرة أن مشروع التسوية الروسية هو مشروع لردع العدوان على سوريا وليس لإجازة استكماله أو تنشيطه وهذا أمر واضح تماما سوف تتبلور صورته في المرحلة المقبلة فلن يكون على الولايات المتحدة فحسب سحب بوارجها ومدمراتها والتراجع المعلن عن قرار العدوان بل كذلك وقف كل أشكال تمويل وتسليح ودعم العصابات الإرهابية وهذا هو البند الأول في إطار جنيف 2 المتفق عليه سابقا بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي.

إن دعم جهود الدولة السورية في مكافحة الإرهاب سيكون في الأسابيع المقبلة إطارا للتحرك الروسي على الصعيد الدولي وسوف تطلق المبادرة الروسية مناخا جديدا في التطورات والأحداث الميدانية السورية تدل عليه هيستيريا العويل والصراخ التي أطلقتها الدول المتورطة في العدوان على سوريا والتي أفلست جميع محاولاتها لتدمير الدولة السورية وكان العدوان الأميركي آخر رجائها في ترجيح الكفة لصالح العصابات الإرهابية القاعدية التي يديرها بندر بن سلطان .

ثالثا: إن تخلي سوريا عن السلاح الكيماوي يقابله تحول نوعي في القدرات الدفاعية والردعية السورية بنتيجة الانخراط الروسي المباشر في مشاريع التسليح السورية وفي تأمين منظومات دفاعية قوية وفاعلة ومتطورة في سلاحي الصواريخ والطائرات وجميع المنظومات التي تتصل بأوتوستراد المعلومات المفتوح مع محطات الرادار الروسية كما بينت تجربة الصاروخين الإسرائيليين وفي حين أعلنت سوريا استعدادها للانضمام إلى معاهدة الحد من الانتشار للسلاح الكيماوي والتخلي عن ترسانتها في نهاية مسار يعقب وضعها تحت الرقابة فان ما تمتلكه سوريا وما سوف يوضع بتصرفها من قبل الحليف الروسي وما أقامته من شراكة ميدانية غير قابلة للارتداد مع إيران والمقاومة اللبنانية يمثل منظومة عالية القدرة في ردع العدوان الصهيوني وقد صار من ثوابت المعادلات الدولية والإقليمية أن أي تحرش بسوريا من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة والحلف الأطلسي مجتمعا سيكون الرد عليه موجعا وستشارك في ذلك الرد إيران والمقاومة اللبنانية وروسيا ستكون حاضرة في إسناد الدفاع السوري بكل الأدوات والسائل المتاحة بما في ذلك ما قامت به بالفعل في وجه خطر العدوان الأميركي من حشد لأسطولها ومن دفق الأسلحة المتطورة والمتفوقة التي تسلمها الجيش العربي السوري ومعها الخبراء والمدربون الروس الذين يعملون مع نظرائهم السوريين على خط التطوير التقني والتكييف الضروري لتلك الأسلحة بما يناسب خطة الدفاع عن سوريا.

رابعا: إن إسقاط عهد الهيمنة الأحادية الأميركية وتعزيز منظومة الردع الدفاعي الإقليمي ضد أميركا وإسرائيل وردع العدوان الأميركي الذي اتخذت الولايات المتحدة جميع الخطوات العملية للشروع به جميعها انجازات أطلقها وحققها صمود الدولة السورية قائدا وشعبا وجيشا وصمود حلفاء سوريا إيران وحزب الله وشجاعة الشريك الروسي العملاق وعلى الجميع أن ينتظروا مزيدا من التفاصيل واللمسات السياسية والدبلوماسية للتعرف على مضمون ما أعده الثلاثي سيرغي لافروف ووليد المعلم وحسين عبد اللهيان الذي لم يكن وجوده في موسكو خلال الأيام القليلة الماضية مجرد مصادفة.

لقد تعززت الشراكة بين روسيا ومنظومة المقاومة في الشرق وهناك كتلة جديدة ولدت يدها هي العليا في وجه العربدة الأميركية الإسرائيلية وان كان من حق أي كان في سوريا والمنطقة أن يعتبر موضوع التخلي عن السلاح الكيماوي لصالح منظومة دفاعية أكثر تقدما وضمانا لنتائج الردع تنازلا فان تلك الكلفة هي أقل بكثير من الكلفة التي كان الشعب السوري سيدفعها ثمنا لانتصار حصد جميع نتائجه السياسية الآن من غير أن يقدم السوريون شهيدا واحدا في مجابهة العدوان الأميركي.

إن ما جرى في الأيام القليلة الماضية هو سابقة في التاريخ المعاصر حيث تحقق قوى التحرر والاستقلال انجازات كبرى من غير أن تخوض حربا حشدت كل عدتها بعد قرار أوباما بالعدوان على سوريا وهذا بذاته انجازا عظيم يعود فضله الأول لإرادة المقاومة السورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.