رومية مقبرة الاحياء وعدالة مشلولة

بقلم ليليان مكية:

في زاوية منسية على الخريطة اللبنانية مكان لم تطاله ذرة عدالة,سجن رومية المثال الانسب لبرهنة عجز الدولة وذل الانسان,زنازين تضيق باجساد ارهقها الانتظار,اجساد تبخرت قواها وزاد عجزها داخل اسوار عالية بنِيَت بالاهمال والتعسف واللارحمة.

السجين هنا هو انسان توقف فيه الزمن لسنوات لا يحصيها بين اربعة جدران , يمكن ان يكون قد ارتكب جريمة او انه بريء لكن الاكيد ان مهما كانت تهمته او مدى براءته فلن يخرج مثلما كان ابداً.

رومية صورة مصغرة عن انهيار المنظومة الانسانية في لبنان,الاف السجناء موقوفين بلا محاكمة,فمن يحاسب الدولة حينما تتحول الى سجّان خارج القانون؟

وقد نصت المادة 108 اصول محاكمات جزائية على ان لا يجوز ان تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد اقصى في حالة الضرورة القصوى,ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على امن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة جنائية ,لا يجوز ان تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة اشهر, يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل.

لكن خلف قضبان السجن المركزي هذا عدد لا يستهان به بين مواطن لبناني و اجنبي بريء تحت عنوان متهم, او مرتكب لجرم بسيط ولكن امضى سنوات الاعتقال بين مجرمين خطيرين بتهم مختلفة تتوزع بين الاغتصاب او المخدرات او الارهاب وغيرها.

وقد جاء في مقدمة الدستور الفقرة (ب) لبنان عربي الهوية والانتماء ,وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها ,كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.

ولبنان موقع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقد انضم اليه في العام 1972 وهذا يعني الزامية التزامه بكل بنوده,حيث ان جاء في المادة 9 من هذا العهد

1-لكل فرد حق في الحرية وفي الامان على شخصه .ولا يجوز توقيف احد او اعتقاله تعسفاً.ولا يجوز حرمان احد من حريته الا لاسباب ينص عليها القانون وطبقا للاجراء المقرر فيه.

2-يتوجب ابلاغ اي شخص يتم توقيفه باسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب ابلاغه سريعاً باي تهمة توجه اليه.

3-يقدم الموقوف او المعتقل بتهمة جزائية,سريعا,الى احد القضاة او احد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية,ويكون من حقه ان يحاكم خلال مهلة معقولة او ان يفرج عنه.ولا يجوز ان يكون احتجاز الاشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة. ولكن من الجائز تعليق الافراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في اي مرحلة اخرى من مراحل الاجراءات القضائية ,ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.

4-لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف او الاعتقال حق الرجوع الى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون ابطاء في قانونية اعتقاله,وتأمر بالافراج عنه اذا كان الاعتقال غير قانوني.

5-لكل شخص كان ضحية توقيف او اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.

قبل حوالي شهرين تم الاعلان عن اعادة تفعيل محكمة السجن بهدف تسريع المحاكمات والبت بالملفات القضائية وذلك لتخفيف الاكتظاظ وتحقيق العدالة,لا يمكن انكار ايجابية هذه الخطوة نحو معالجة المشكلة حيث تساهم في تخفيف الضغط على المحاكم وتسريع وتيرة البت في قضايا الموقوفين كما تساهم في توفير بيئة قانونية افضل لهم,لكن اعادة الجلسات الى قاعة محكمة رومية ثلاثة ايام في الاسبوع ليست حلا جذريا فهي وسلة لتخفيف النزيف وليس لقطعه,الجرح كامن بالخلل في القوانين التي تسمح بالسجن لسنوات بلا محاكمة وتحت التعذيب والظروف اللاانسانية وهنا تبرز ضرورة التاكيد على ان وحدها القوانين العادلة هي من تفتح نوافذ الحرية على اسس المساواة والنزاهة والانصاف.

واخيرا لا اصلاح في رومية بلا تعديل في القانون فالزنازين والاسوار مهما عليَت لا تتسع للفراغ التشريعي. أما حان الوقت للاعتراف بان الحق المؤجل هو ظلم مضاعف؟

طالبة سنة رابعة في كلية الحقوق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.