لماذا لم تنسحب أمريكا وأوروبا من المفاوضات النووية؟

صحيفة الوفاق الإيرانية-

علي عيدي بور:

بعد استمرار واتساع الاحتجاجات الشعبية في إيران، اتخذت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية مواقفاً أكثر جدية تجاه هذه الاحتجاجات لدرجة أنها دعمتها علناً وفرضت على إيران عقوبات خاصة “بنقض”حقوق الإنسان.
وهنا يُطرح هذا السؤال: ما هو هدف الدول الغربية من دعم الاحتجاجات الشعبية الإيرانية؟ وهل غيرت الدول الغربية بالفعل استراتيجيتها تجاه الجمهورية الإسلامية، أي أنها تريد تغيير النظام في إيران، أم أن دعم الاحتجاجات الشعبية في إيران مجرد تغيير مؤقت في التكتيك بغية تحقيق هدف آخر؟

تعتبر الدول الغربية نفسها أنها ملزمة بمراعاة ودعم المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، لكن في الواقع تُعد مسائل حقوق الإنسان جزءًا من الأيديولوجية السياسية للدول الغربية، لكنها لا تطبق دائمًا هذه الأيديولوجية إلاّ اذا كانت تتماشى مع مصالح خاصة. والنموذج البارز على هذا عدم حماية حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات الشعبية في البحرين التي واجهت قمعًا شديدًا من قبل حكومة آل خليفة. ففي هذا المورد أظهرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، ذروة التأييد لحقوق الإنسان للشعب البحريني حيث انتقدت في 16 مارس 2011 وبشدة عنف الحكومة البحرينية ضد المتظاهرين، وقالت إن الدول التي أرسلت قوات قمع للبحرين تسير في الاتجاه خاطئ.

بشكل أساسي يميل السياسيون إلى الإعراب عن مواقفهم السياسية على أساس المبادئ الأخلاقية والقانونية وليس وفقًا للسلطة. بعبارة أخرى، في حين أن السياسة بكل أبعادها بالضرورة تبحث عن السلطة، فإن الأيديولوجيات تُدخل عنصرًا في صراع السلطة يكون مقبولاُ من الناحية النفسية والأخلاقية للّاعبين والمشاهدين.

في ظل هذه الظروف من الضروري النظر إلى سياسات الحكومات ومواقف السياسيين نظرة واقعية، أي التمييز بين الحقيقة وبين الإعتقاد. وعلى حد تعبير هانز جي مرجنتا، المنظّر للواقعية الكلاسيكية: يمكن التميز بين الحقائق الموضوعية والعقلانية المدعومة بالأدلة والتي يتم طرحها بالأدلة، وبين ما هو مجرد حكم عقلي منفصل عن الحقائق العينية، ويصوغ التحيز أو الأفكار الواهية.

والحقيقة هي أن أولويات مواقف الحكومات الغربية تتمثل في منع الجمهورية الإسلامية الإيران من الحصول على سلاح نووي، وتوجد أدلة كثيرة على ذلك، وليس عدم احترام حقوق الإنسان من قبل الحكومة الإيرانية الذي هو أمر لا يملكون ادلة حقيقية وجدية تثبته.

تزامناُ في الأيام الأخيرة مع دعم الاحتجاجات الشعبية في إيران والعقوبات الخاصة بحقوق الإنسان ضد الجمهورية الإسلامية، يتحدث السياسيون الغربيون باستمرار عن فرض عقوبات تتعلق بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. في الواقع انهم قد وضعوا نوع من دعم الاحتجاجات الشعبية والرجوع إلى المفاوضات المشتركة في نفس السلة ويحاولون الضغط على الجمهورية الإسلامية من خلال دعم الاحتجاجات الشعبية في إيران لتتعاون بشأن برنامجها النووي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأطراف في المفاوضات. علما انه الى ما قبل (سبتمبر 2022) وبداية الاحتجاجات، كان الغرب قد انتهج أسلوب تقديم التنازلات واستمالة الجمهورية الإسلامية، لكن بعد تصاعد الاحتجاجات، تم استخدام تكتيك عقوبات حقوق الإنسان كوسيلة ضغط على طهران.

يمكن مشاهدة مصاديق عدم تغيير الإستراتيجية الغربية بل تغيير التكتيك في تصريحات المسؤولين الحكوميين الغربيين، حيث أشار رئيس الوزراء الألماني “أولاف شولتز”، في خطاب مصور بخصوص احتجاجات إيران، منتقدًا تعامل الجمهورية الإسلامية مع المتظاهرين، أشار إلى قضية الطائرات الإيرانية المسيّرة التي استخدمتها روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، وذكر أنه يجب وقف أعمال العنف هذه. وقال وزير الخارجية البريطاني “جيمس كليفرلي” في كلمة ألقاها في العاصمة البحرينية: “في الوقت الذي يحتج فيه الشعب الإيراني على عقود من القمع و الظلم، ينشر حكام إيران أبعاد إراقة الدماء والدمار في المنطقة وينقلونه إلى كييف”. جمع شولتز بين موضوعين مختلفين تمامًا احدهما يتعلق بالاحتجاجات الشعبية في إيران وبين حرب روسيا ضد أوكرانيا، فيما جمع كليفرلي بين ثلاث قضايا منفصلة وهي الاحتجاجات الشعبية، وأنشطة إيران الإقليمية، وحرب روسيا ضد أوكرانيا.

في حين لم يقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لقاء مع نساء إيرانيات ناشطات سياسيًا أثناء دعم الاحتجاجات الشعبية، أي ضمانات ردًا على أسئلة المراسلين حول إدراج اسم الحرس الثوري الإسلامي في قائمة الإتحاد الأوروبي للجماعات الإرهابية، لكن المواقف الأكثر إثارة للاهتمام تخص السياسيين الأمريكيين. فمن ناحية أعلن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي أن أنظار المجتمع الدولي تتوجه الى إيران، وأن الجمهورية الإسلامية لا يمكنها قمع المحتجين وعدم محاسبتها، ومن ناحية أخرى رحب روبرت مالي المندوب الخاص للولايات المتحدة الأمريكية لشؤون إيران بنجاح الولايات المتحدة وحلفائها في تمرير قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد برنامج الجمهورية الإسلامية النووي، قائلاً “إن تنفيذ التزامات وضمانات من قبل إيران ضروري وعاجل وقد تأخر هذا التنفيذ”. هذا الموقف المزدوج للسياسيين الغربيين فيما يتعلق بالجمهورية الإسلامية يؤكد الافتراض بأن الدول الغربية على الأقل لحد الآن لم تضع في جدول أعمالها تغييرًا في إستراتيجيتها تجاه إيران لكنها اختارت تغيير التكتيك.

النقطة المهمة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية هم المؤسسون والداعمون للنظام الدولي القائم ويريدون بطبيعة الحال الحفاظ عليه، بينما تريد الجمهورية الإسلامية اعادة النظر في النظام الدولي الحالي. هذا الصراع بين الحفاظ على الأوضاع القائمة وتغيير الأوضاع القائمة هو القضية الرئيسية والأساسية للدول الغربية وليس ما يحدث داخل إيران، ولكن نظرًا لعدم رغبة الحكومات والسياسيون بالإعلان عن أهداف سياستهم الخارجية، فهم مجبرون على إخفاء أهدافهم وراء قناع الأيديولوجيات السياسية. في الواقع تلعب الأيديولوجيا دور الموجّه لصانعي القرار، بمعنى أن الطبيعة الحقيقية للسياسة تخفيها التبريرات والمعقول الظاهري الأيديولوجي.

كان آخر عمل للدول الغربية في دعم الاحتجاجات الشعبية في إيران هو عقد اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 3 ديسمبر 2022، والذي من المحتمل أن يؤدي إلى الموافقة على قرار ضد الجمهورية الإسلامية. ففي هذه الحالة تجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي يمكن أن يلعب أيضًا دورًا أيديولوجيًا لسياسة الحفاظ على الوضع الراهن.

بسبب الافتقار إلى الديناميكية اللازمة فإن القانون الدولي هو في الأساس قوة ساكنة لذلك فإن اللجوء إلى القانون الدولي دفاعًا عن سياسة خارجية محددة هو دائمًا غطاء أيديولوجي لسياسة الحفاظ على الوضع الراهن خاصة في الحالات التي يتم فيها إنشاء منظمة دولية مثل الأمم المتحدة للحفاظ على وضع قائم معين، فإن دعم تلك المنظمة بمثابة دعم الوضع الراهن.

بما أن الحكومات تتبع سياسات متناقضة أحيانًا فإن الرجوع إلى الأمم المتحدة وميثاقها يصبح أداة أيديولوجية تبرر سياسة كل من هذه الحكومات في ضوء المبادئ المشتركة والمقبولة، وفي الوقت نفسه تخفي طبيعتها الحقيقية. إن غموض هذه الأيديولوجية يجعلها سلاحًا لإرباك الأعداء وتقوية الأصدقاء.

إذا كان نهج الغرب تجاه الجمهورية الإسلامية هو تغيير استراتيجيتها، وهو ما يعني دعم تغيير النظام في إيران، كان يقتضي أن يستدعون سفراءهم في إيران ويخرجون سفراء الجمهورية الإسلامية من بلادهم ويخفضون مستوى العلاقات الى القائم بالأعمال، أو على مستوى أعلى الى مستوى وضع قطع العلاقات السياسية مع الجمهورية الإسلامية على جدول أعمالهم. لكنهم لم يتخذوا أي من هذه الإجراءات، وهذا دليل على الادعاء بأن نهج الغرب على الأقل حتى الآن ليس تغييرًا في الإستراتيجية، ولكنه تغييراً في التكتيك من أجل جر الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات لغرض إحياء المفاوضات النووية.

كدليل أخير على أن النهج الغربي هو مجرد تغيير في التكتيك، يكفي أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لم تقترح بعد الانسحاب من مفاوضات إحياء المفاوضات النووية. إن طبيعة السياسة هذه هي التي تجبر اللاعب السياسي على استخدام الأيديولوجيا لإخفاء الهدف الأساسي والفعلي لسياسته وسلوكه.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.