أفتاب أحمد لـ “الصين بعيون عربية”:المشروع الاقتصادي للصين وباكستان “يغيّر اللعبة” في المنطقة

 

مقابلة خاصة بـ ”نشرة الصين بعيون عربية“ ـ

أجراها محمود ريا وهادي حسين:

 

 

تتسّم الجلسة مع سفير جمهورية باكستان الإسلامية السيد أفتاب أحمد بالدفء، فسعادة السفير يتحدث بمحبة، يعبّر بتواضع، ويجيب على الأسئلة بكل وضوح.

واضح أن سعادة السفير مهتم جداً بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وما سيقدّمه من فرص لبلاده على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك هو يتحدث بحماس واندفاع عن الممر، عن النتائج التي سيحققها، كما لا يتردد في التعبير عن المشاكل التي تعترضه، وسبل معالجتها بما يضمن تذليل كل هذه المشاكل على الصعيدين المحلي والإقليمي.

الممر الاقتصادي سيغيّر اللعبة في المنطقة، هكذا قال السفير أفتاب أحمد، في المقابلة التي خصّ بها مشكوراً ”نشرة الصين بعيون عربية“.

وقد استضاف سعادة السفير وفد النشرة المؤلف من رئيس التحرير محمود ريا والصحافي الباكستاني الضليع باللغة العربية، والذي لعب مشكوراً دور الوسيط اللغوي، الأستاذ هادي حسين. وهذا نص المقابلة:

 

ـ هناك قول بات شائعاً في باكستان مفاده أن “الصداقة بين باكستان والصين أعلى من جبال الهملايا وأحلى من العسل وأعمق من المحيطات وأقوى من الفولاذ‎”. هل توافق على هذا القول؟ ومن أين ينطلق هذا التقييم؟ ما هي المعطيات التي تسمح بوصف هذه العلاقة بهذا الوصف الشاعري؟

= بسم الله الرحمن الرحيم.

أنا أعتقد أن العلاقات بين الصين وباكستان فريدة ولا مثيل لها. ولا يوجد دولتان في العالم لديهما مثل هذه العلاقات. وهذا الوضع هو نفسه منذ نشوء دولة باكستان. الصين كانت دائماً قريبة جداً من باكستان.

وإذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن باكستان هي الدولة التي ساعدت الصين على الانفتاح على العالم الجديد. وبفضل باكستان أعادت الولايات المتحدة علاقاتها مع الصين في عام 1971، عندما زار هنري كيسنجر باكستان في زيارة سرية لم يعلم بها أحد. قدم كيسنجر إلى إسلام أباد ومن ثم انطلق من هناك إلى الصين. ومن هناك كانت انطلاقة العلاقات الأميركية الصينية، وعلاقات الصين مع العالم. وبسبب ذلك باتت الولايات المتحدة مستعدة لحل الأزمة الفيتنامية بمساعدة الصين، وهذا الأمر كان نتيجة لجهود باكستان.

ولذلك فإن هذا القول الشهير صحيح: إن العلاقات بين الصين وباكستان هي أعمق من المحيط، أحلى من العسل، وأعلى من جبال الهملايا. هذا الكلام صحيح تماماً.

ـ أطلق الزعيم الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق. ما هو موقع باكستان من هذه المبادرة، وما هي الفوائد التي يمكن أن تجنيها منها؟

= هذه المبادرة تعكس رؤية القيادة الصينية، وهي مهمة لكثير من البلدان وبينها لبنان.

ولكن بالنسبة لباكستان فإن المشروع ـ الرؤية هو مشروع “الكوريدور الاقتصادي الصيني الباكستاني”.

هذا المشروع يمكن اعتباره كـ “مغيّر للّعبة” (مبدّل للواقع) في كل المنطقة والعالم، لأنه يشكل صلة وصل بين الصين وميناء غوادار الباكستاني.

هذا الميناء هو الميناء الطبيعي الأعمق في العالم، وعمقه 18 متراً. في منطقتنا التي تضم دولاً مثل الإمارات وسلطنة عُمان وإيران، فإن الحد الأقصى لعمق الموانئ هو عشرة أمتار أو أحد عشر متراً. وهذا يعني أن سفناً أكبر بكثير يمكنها الدخول إلى ميناء غوادار لنقل الركاب والبضائع.

ثانياً إن عدد السفن التي يمكنها الدخول إلى الميناء هو 126 سفينة، بينما العدد الأقصى للسفن التي يمكنها الدخول إلى أي ميناء في المنطقة هو 71 أو 72 سفينة.

ومن هذه الأرقام يمكن إجراء مقارنة بين مستوى الموانئ في المنطقة مع مستوى ميناء غوادار.

من العوامل الأخرى المهمة أن مدة النقل إلى الصين ستُختصر من أربعة أشهر إلى 28 يوماً، وهذا ما يسمح بتخفيض النفقات ورفع حجم الفوائد التجارية. وهذا الأمر يساعد الصين كثيراً في الصادرات والواردات.

ومع هذا الميناء سيتم تطوير شبكة طرق من غوادار في باكستان إلى كاشغر في الصين، مروراً بمنطقة “جنجر عباس” في جبال كوروكوروم على طريق الحرير القديم.

وفي كل باكستان سيكون هناك مناطق صناعية على مسافات تبعد تقريباً خمسمئة كيلومتر عن بعضها.

إذاً، باكستان مقبلة على تنمية اقتصادية كبيرة ومن خلال استثمارات ضخمة. وسيكون هذا الطريق وسيلة لنقل الكثير من الإمدادات إلى أسواق الصين، وإمدادات الطاقة وغيرها إلى أفغانستان وإلى آسيا الوسطى وإيران، ومن الصين إلى الخليج ومن ثم إلى كل العالم.

لذا هناك مبادرة الحزام والطريق، وكفرع من هذه المبادرة هناك الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني.

هذه هي حقيقة عالم اليوم.

ـ الممر الصيني الباكستاني، الذي يبدأ من ميناء غوادار وينتهي في كاشغار، هو نموذج عملي للتعاون بين الصين وباكستان. ما هي الآمال المنتظرة من إنشاء هذا الممر، وهل  سيكون هذا المشروع بقدر الآمال المعقودة عليه؟

= هذا المشروع يمكن وصفه بأنه “مغيّر للعبة” (مبدّل للأوضاع) في كل المنطقة، وهذا الأمر مهم جداً بالنسبة لباكستان، لأن باكستان ستستفيد منه لتطوير اقتصادها، ولتأمين فرص عمل لشعبها المكوّن من عدد كبير من السكان، والذي تمثل التحويلات المالية من العاملين في الخارج جزءاً بارزاً من الدخل لديهم.

لذا فإن هذا المشروع سيؤمن فرص العمل للباكستانيين داخل باكستان، بدل من هجرتهم إلى بلدان أخرى، وهذه فرصة كبيرة للتنمية الاقتصادية وللتطور الاجتماعي، كما يشكل تعزيزاً كبيراً للعلاقات بين باكستان والصين.

ـ هناك بعض المخاطر على مشروع الممر، كما أن هناك بعض القلق الإقليمي منه. ما هي العقبات التي تعترض مشروعاً بهذا الحجم؟

= إن مشروعاً بهذا الحجم الضخم ستترتب عليه آثار كبيرة على المدى الطويل، ولذلك سيكون هناك الكثير من المخاطر التي ستعترضه. ولا يمكن تنفيذ مشروع بهذا المستوى بدون أخطار تواجهه.

والمعروف أن المنطقة كلها ـ وليست باكستان وحدها ـ تعاني من تهديد الإرهاب.

لذلك فإن هناك من لا يريد لباكستان أن تتطور، ولا يريدون أن تكون لها علاقات قوية مع العالم.

كما من المعروف أن المنطقة تشهد منافسة قوية على عدة صعد، والقسم الأكبر من عدم الارتياح إزاء المشروع قادم من الهند.

بالنسبة لإيران فإن باكستان أعلنت مراراً أنها على استعداد لدعوة طهران لتكون شريكاً في المشروع. ولا ينبغي أن يكون هناك أي تنافس بين ميناء غوادار وميناء جابهار في إيران، لأن هناك تكاملاً في التبادل التجاري والنقل بينهما، وكلا المينائين يمكنهما العمل بشكل مشترك بدل التنافس فيما بينهما.

وبالتالي لا يجب أن يكون هناك أي برود بين البلدين حيال هذا المشروع، ونحن نتلقى رد فعل إيجابياً من إيران أيضاً.

وإذا نظرنا إلى مسار السياسة الدولية نجد أن الصين هي تهديد كبير للهيمنة الأميركية في المنطقة وفي العالم ككل، ولذلك يجب على الجميع عدم السعي إلى تقويض هذا المشروع.

وبالرغم من أن هناك بعض التهديدات التي تعترض المشروع وتعمل على تقويضه ووضع بعض العراقيل في طريقه، استناداً إلى بعض الأعذار، سواء الإرهاب أو غيره، ولكننا نحن مصممون على استكمال المشروع، ونحن أجرينا الشهر الماضي تجربة لوصول أول قافلة من الصين إلى ميناء غوادار، وكانت هذه التجربة ناجحة جداً، بدون أي أخطار، وفي المستقبل سنتخذ المزيد من الإجراءات لحماية المسار الطويل لهذا المشروع.

إن أمن هذا المشروع لا يقوم على عامل واحد فقط، وإنما يرتبط بالأمن في كل باكستان، وإذا استطعنا تحقيق الأمن في باكستان فإن هذا المشروع سيكون مؤمّناً أيضاً.

ومن أجل ذلك نحن دعونا الهند إلى الحوار، وإلى حل قضية كشمير، لأنه بدون إيجاد حل لقضية كشمير لن نستطيع إيجاد استقرار في المنطقة. ونحن نعتقد أن السلام في أفغانستان مهم جداً لباكستان، ونحن جاهزون للعمل بقوة لتحقيق السلام والاستقرار في باكستان. ونحن ندعو إلى الحوار مع الهند حول كل القضايا، بما فيها قضية كشمير، لأن الحوار هو الطريق الوحيد لحل المشاكل.

لقد خلقت الهند توتراً كبيراً على الحدود، ولكن نحن عملنا على كبح جماح المواجهة، كي لا يتصاعد التوتر. ولكننا لسنا راضين عن الوضع في منطقة كشمير المحتلة من قبل الهند، ونحن نؤيد الكفاح من أجل تقرير المصير الذي يقوم به الكشميريون، وندين بشدة الممارسات التعسفية من قبل قوات الاحتلال الهندية، ونحن نؤكد استمرار تأييدنا الأخلاقي ومساعداتنا الدبلوماسية والعملية لشعب كشمير.

ـ هل يمكن وصف المواقف الصينية والباكستانية من قضايا المنطقة بأنها مواقف متناغمة أو متوافقة، أم أن هناك بعض الافتراق في قضايا محددة، كقضية سوريا وقضية فلسطين وغيرها من القضايا؟

= مواقفنا الدبلوماسية متقاربة جداً مع المواقف الصينية لأنها مرتكزة إلى المبادئ، ونحن لا ندعم أي تدخلات في شؤون الدول الأخرى، وندعم بالمقابل امتلاك شعب أي دولة حق تقرير مساره السياسي، وأي تدخل خارجي لا يلقى أي دعم من باكستان والصين.

إذا نظرنا إلى قضية فلسطين، نجد أنها قضية حق تقرير المصير، الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، كما هو الحال في قضية كشمير.

وكذلك في سوريا لدينا المبادئ نفسها في التعاطي مع المسألة السورية، فنحن نؤيد الشعب في ذلك البلد، والذي يجب أن يُتاح له أن يحدد مستقبله.

ومن أجل ذلك فإن علاقاتنا الدبلوماسية مع سوريا ـ كما هو حال الصين ايضاً ـ ما تزال مستمرة، وسفارتنا في دمشق ما تزال تعمل حتى اليوم، ونأمل أن يكون المستقبل واضحاً، وأن تعود سوريا طبيعية مرة أخرى، وأن تعود دولة عادية كجزء من المجتمع الدولي، وتعمل مؤسسات الدولة كما ينبغي.

إن وجود سفارتنا في دمشق وعملها بشكل طبيعي يعني أننا نعترف بالحكومة السورية ونحترمها ونقيم علاقات طبيعية معها، لأنها تمثّل الشعب السوري.

ـ محاربة الإرهاب مسألة حيوية في عالمنا الحاضر. وكل من الصين وباكستان تتعرضان لخطر الإرهاب بشكل كبير. هل يوجد تعاون ثنائي بين البلدين حول هذا الموضوع؟ وكيف تقيّمون مستوى هذا التعاون؟

= في قضية محاربة الإرهاب لدينا تعاون ثنائي وثيق جداً مع الصين، كما نعمل معاً في إطار المجتمع الدولي لمعالجة هذه القضية، لأننا نعتقد أنه لا يمكن أن يكون العلاج إلا عبر جهد تعاوني من كل دول العالم، لأن الإرهاب لا يقف عند حدود، فإذا عملنا معاً نحن قادرون على معالجة هذه الأزمة.

ولتحقيق السلام الإقليمي في جنوب آسيا، باكستان والصين تعملان معاً بشكل دائم، وفي أفغانستان لدينا منتدى يحمل اسم المنتدى الرباعي، وهو يضم الصين والولايات المتحدة وأفغانستان وباكستان لإيجاد حل نهائي للأزمة في أفغانستان.

وبالنسبة للعلاقات مع الهند فإن الصين تدعم دائماً باكستان في خلق حوار وإجراء محادثات بين إسلام أباد ونيودلهي، وموقفا باكستان والصين من هذا الموضوع هو نفسه. وقد طرح رئيس حكومة بلادي نواز شريف فكرة عقد محادثات بدون أي شروط مسبقة مع الهند، لأننا نؤمن بأهمية الحوار، ونؤمن بضرورة العمل على تحقيق التنمية في باكستان، وبوجوب تركيز الجهود على تأمين الازدهار للشعب الباكستاني. وهذا لا يتحقق إلا إذا كان هناك سلام في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.