اغتيال البوطي: هل نزع النظام «غطاءه السني» بنفسه!

syria-victim

صحيفة السفير اللبنانية ـ
زياد حيدر:
لم تفلح المعارضة السورية بأشكالها المختلفة والمبعثرة حتى اللحظة بمواجهة الذات. ربما سبقتها السلطة إلى ذلك حين بدأت بشن حربها منذ عامين، معتبرة إياها حرب وجود لا محرمات فيها. كما لم يكن غريبا اتهام هذه السلطة باغتيال الشيخ العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، على اعتبار أن «السياسة» تنطوي على إسفاف أخلاقي وتتطلبه. لكن كان يمكن فعل ذلك بمستوى أعلى من الحرفية، التي شابتها كثيرا العبارة الصبيانية «لست أنا . لست أنا».
في بيانه الذي يترحم فيه على البوطي، الذي يشيع اليوم، يشيد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية المعارضة» بعلم البوطي وسعة علمه. «إننا نختلف مع الدكتور البوطي رحمه الله في أمور كثيرة سابقا ولاحقا، ولكننا نعرف مكانته في العلم وسابقته في الدعوة إلى الله» يضيف بيان «الائتلاف» الذي صدر متأخرا ليل أمس الأول بعد مشورة «العلماء الأفاضل» وبينهم المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين» الشيخ يوسف القرضاوي.
«لا نكاد نتفق معه في رأي سياسي، ونرى وقوفه مع الحكام اجتهادا غير صحيح، لكننا ننظر إلى قتله على أنه جريمة تفتح أبوابا من الشر لا يعلمها إلا الله». ثم يستنتج البيان «وحده النظام الذي اعتقل وأعدم المئات من علمائنا هو الذي يمكن أن يقوم بذلك الفعل الخسيس، وما اليوم جريمة اغتيال العلامة البوطي إلا حلقة واحدة من مسلسل ترويع جديد للشعب السوري ولعلماء المسلمين». لينتهي إلى معلومة استثنائية «لدينا معلومات وشواهد تؤكد بداية انقلاب في تفكير الدكتور البوطي، رحمه الله، ونعتقد أن النظام قام بتصفيته خشية موقف شجاع منه قد يقلب الموازين كلها».
الشواهد لا يذكرها البيان. وإن كان صب شتائمه منذ أسبوع على الفتوى التي أيدها البوطي بصرامة وتدعو السوريين لمؤازرة الجيش السوري وتحرم القتال ضده، وصولا إلى الحماسة لـ«النفير العام» وهو أقصى حالات الاستنفار العسكري عند الجيش السوري. يتهم البيان النظام بقتل شيخ آخر هو الشيخ عدنان صعب، وذلك ضمن سلسلة من المشايخ التي تمت تصفيتها وكانت على علاقة وثيقة بالسلطة، بل أمّت بالرئيس السوري بشار الأسد عدة مرات، في صلاة جماعة. من بينهم دون الحصر الشيوخ حسن برتاوي، عبد اللطيف الشامي، ومحمد أحمد صادق.
بدوره يشكك «المنظر الديني» لـ«الثورة» السورية يوسف القرضاوي الذي سبق وسحب صفة عالم الدين عن البوطي، في نظرية اغتياله. ويطالب من على منبر قناة «الجزيرة» أمس بجثته، لكي يكشف عليها ضمن تحقيق دولي. يؤيده الإعلامي في «الجزيرة» فيصل القاسم، مشككا في أن تفجيرا حصل، ساخرا بأن ثمة «سلاحا صديقا للبيئة» تم استخدامه.
يذهب البعض إلى اعتبار بث شريط تلفزيوني بعد ساعات على مقتل الرجل على الشاشة الحكومية دليلا على تورط النظام. هل يصدر مدير التلفزيون قرارات الإعدام الشخصي، أم على الأقل يعلم بها، أو يوحى له بها؟
مقتل الرجل صدمة ولا سيما بهذه الطريقة. وهو دليل جديد على مستوى التطرف الذي يواكب معركة المعارضة للاستيلاء على السلطة، وتحاول بشتى السبل إنكار وجوده. هو صدمة شبيهة بتلك التي سببها مقتل نجل مفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون منذ أكثر من عام، حين قيل ان النظام فعلها كي «يستقطب مشاعر السنة». والآن بعد أن نال البوطي نصيبا كبيرا من التخوين وتحليل الدم، من قبل شيوخ المعارضة وثائريها، باعتباره «خارجا عن الدين» يصب المعارضون الاتهامات باتجاه السلطة التي يعتبر البوطي «غطاءها السني»، وذلك وفق لغتهم الدارجة ذاتها، والتي تنكر تماما أيضا «أي صبغة طائفية للصراع!».
إلى ذلك، (ا ف ب، رويترز، ا ش ا) قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، في بيان، ان «هذه التفجيرات الإجرامية، وخاصة الموجهة ضد بيوت الله ورواد هذه البيوت مدانة بأشد العبارات»، مطالبا «بضرورة الإسراع في متابعة مقترف هذه الجريمة النكراء والتي تستهدف الأبرياء».
ونعى الأزهر البوطي، مؤكدا، في بيان، «ادانته بشدة قتل العلماء والاعتداء على حرمات المساجد وبيوت الله». واكد «يقينه أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تصدر من الذين ينشدون الحرية ويحافظون على قيمة الإنسان، كما جاء في القرآن الكريم وعقيدة أهل السنة والجماعة».
ودانت وزارة الخارجية الإيرانية اغتيال البوطي. ووصفت الوزارة، في بيان، العملية بأنها «عمل وحشي للمجموعات المتطرفة». وأضافت ان «استشهاد الشيخ محمد سعيد البوطي المعروف بمواقفه المؤيدة للمقاومة الإسلامية ضد النظام الصهيوني، ستلقي الضوء كاملا على تآمر الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ووكلائهما الإقليميين الذين يساعدون ويسلحون المجموعات الإرهابية السورية، لإيجاد انقسامات بين الأديان».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش ان «متطرفين أقدموا على اغتياله لأنه كان يدعو إلى السلام ويدين الإرهاب والعنف». وأضاف ان «القوى المناوئة للحكومة السورية أكثرت من استخدام أساليب في غاية القسوة والخطورة».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.