الامبراطورية التي لا تقهر .. تتقهقر

keri - usa 1

بدا جون كيري وكأنه يمشي في الهواء… هل كان يمثل امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس ام امام لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست؟ الرجل بذل ما في وسعه، وهو المقاتل القديم في فيتنام، على الاقل من اجل التوصل الى اتفاق اطار بين الفلسطينيين والاسرائيليين. اختار وسيطاً اميركياً هو مارتن انديك، السفير السابق في تل ابيب والذي سبق لروبرت ودورد وقال عنه» لدى الحديث مع انديك تشعر وكأنه أعتق يهودياً من حزقيال».

تسيبي ليفني التي يقول البعض انها اكثر قابلية للمضاجعة منها للتفاوض لم تتزحزح قيد انملة. انها ابنة رجل وامرأة من قادة الايرغون. وعلى شاهدة قبر ابيها رسمت خارطة لاسرائيل الكبرى، فهل تفاوض صائب عريقات على دمشق ام على بيروت ام على عمان ام على بغداد؟

الضفة الغربية هي يهودا والسامرة. التسميتان كنعانيتان لكن الادبيات اليهودية حولتهما الى كلمتين عبريتين. هنا لسنا امام اغتصاب الاراضي فقط. اغتصاب اللغات ايضاً. اثنتا عشر مرة جاء كيري الى المنطقة، احياناً بملابس الكاوبوي. كان نظيره الاسرائيلي موشيه يعالون يسخر منه «هل اتانا يهددنا بالاساطيل؟». على وزير الخارجية الاميركي ان يتلقف الاهانات بشيء من التعالي مع ان زبغنيو بريجنسكي كاد يقول له «لو كنت مكانك للطمت هذا الرجل على وجهه».

وحتى امام حاخامات الكونغرس، وعلى رأسهم جون ماكين، دعاه بريجنسكي الى المواجهة. اي مواجهة؟ بدا كيري في تلة الكابيتول عارياً. قال ماكس بلومنتال «في نهاية المطاف، هاكم الحقيقة: اميركا في قبضة بنيامين نتنياهو».

في آواخر هذا الشهر تنقضي مدة التسعة اشهر التي حددها الرئيس باراك اوباما لتحقيق اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين لم يحدث هذا. الآن كل المساعي تتمحور حول تمديد المهلة، مجرد تمديد، حتى نهاية العام الجاري مقابل اطلاق جونثان بولارد .

ثمة ضابط سابق واعترض «انهم يضعون شرف اميركا في صندوق القمامة».

ولكن الا تقوم الفلسفة الاميركية على البراغماتية. علق بلومنتال ساخراً «البراغماتية مثلاً ان يكون كيري عامل تنظيفات على سطح القمر»!

العرب هم الذين بدوا عراة. التأمت جامعة الدول العربية ببغائياً وحمّلت الاسرائيليين مسوؤلية فشل المفاوضات. يتردد انه امام هول القرار نام الاسرائيليون تلك الليلة في الملاجئ. لا، لا، لدى العرب قضاياهم الكبرى، تحرير سوريا من بشار الاسد، وتحرير لبنان من السيد حسن نصر الله، وتحرير العراق من نوري المالك، وتحرير ايران من حسن روحاني، وتحرير روسيا من فلاديمير بوتين.

فلسطين تحصيل حاصل. الجنرال زمن هو الذي سيتولى تحريرها. لا شك انكم قرأتم الكثير من تلك المقالات والابحاث التي تقول ذلك كما لو انه ستبقى هناك دول عربية حتى منتصف القرن الحالي. صحارى خالية، ومدن ميتة، وبطبيعة الحال عودة احتفالية الى ثقافة الابل.

باحثون اميركيون واوروبيون يرون الامور من زاوية اخرى. الامبراطورية التي لا تقهر تتقهقر. البعض قال انها هشاشة باراك اوباما. حسناً فعل جون كيري حين سأل جون ماكين «وماذا عساك ان تفعل لو كنت مكاني او مكان باراك اوباما؟».

الى حد بعيد سقط منطق الحرب.هل تعرفون كيف جعل بوتين الرعب يدب في صدورهم. قال لهم «تريدون الحرب العالمية الثالثة؟ فلتكن…». في قمة بروكسل، وحيث كان البحث في المسألة الاوكرانية، لم يصفق الاوروبيون لاوباما. هل كانوا نياماً ام يائسين ام خائفين؟، كانوا خائفين فعلاً. انه القيصر ايها الرفاق فمن تراه يستطيع منعه من اجتياح باريس وبرلين وروما؟

لم يعد الاميركيون اميركيي ايام زمان، ولم يعد الاوروبيون اوروبيي ايام زمان. الاستاذ في جامعة هارفارد جوزف ناي لم ير في وجود رئيس اسود في البيت الابيض مجرد حدث اخلاقي او مجرد تغير في القيم. لاحظ ان ثمة تبدلاً في الرؤية الفلسفية والاستراتيجية للعالم. الاميركيون اختاروا زنجياً هادئاً وعميقاً لانهم يدركون ان الكرة الارضية تدور في اتجاه آخر. كان وليم كريستول شديد الغباء حين قال لدى فوز اوباما « انها ضحكة الادغال».

باحثون من هارفارد وغيرها يدعون الادارة الى الاضطلاع بدور خلاق في تشكيل النظام العالمي البديل . عقب زوال الاتحاد السوفياتي تحدث الرئيس جورج بوش الاب عن قيام نظام عالمي جديد.كيف؟ نظام وحيد القرن. الآن يقول جوزف ناي انه «اللانظام» اذ لا بد من اعادة هيكلة الامم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من اجل شراكة حقيقية وديناميكية، في ادارة عالم يزداد تعقيداً وصخباً وربما غوغائية ايضاً.

في واشنطن نفسها يقولون ان تجربة جورج دبليو بوش لن تتكرر ولن تكون هناك حروب غبية، لا بل ان كل الحروب غبية. استطراداً، عندما يتم احداث تغيير بنيوي في الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة، ودائماً عبر الشراكة مع آخرين، هل يمكن لاسرائيل ان تحتفظ بصلفها وبدورها وبسياساتها؟.

هذا لا يعني العرب. بالرغم من كل ما يحصل ما زالوا يراهنون على ضرب سوريا (وماذا تبقى من سوريا؟) وايران وحتى روسيا. غاضبون من اوباما لانه لا يفعل كل هذا. اما هم، حاولوا ان تبحثوا عن عناوينهم الشخصية في… الف ليلة وليلة.

نبيه البرجي – صحيفة الديار اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.