السيد نصر الله: على الجميع تحمل المسؤولية للوصول لقانون جديد للانتخابات

 

حذر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم الجريح المقاوم من أن لبنان على حافة الهاوية. ودعا “جميع القوى السياسية لتحمل مسؤوليتها الكاملة للوصول الى قانون جديد للانتخابات”.

وفيما يلي نص الكلمة:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

الإخوة والأخوات، السادة العلماء، الإخوة الجرحى، الأخوات الجريحات، الحفل الكريم، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

في البداية نبارك لكم وللجميع هذه الأيام وهذه الذكريات العظيمة والعزيزة على قلوبنا وفي تاريخنا وفي ثقافتنا وفي وجداننا، في الأيام الشعبانية، ومن الملفت في تقدير الله سبحانه وتعالى أن أولئك العظماء الكربلائيين الذين قاتلوا واستشهدوا وأُسروا في محرم، هم مولودو شعبان، ذكرى ولادة الحسين عليه السلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، في مثل هذه الأيام ذكرى ولادة الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، ذكرى ولادة أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ذكرى ولادة علي بن الحسين الأكبر شهيد كربلاء عليهما السلام، هذه الذكريات العظيمة والعزيزة بالنسبة إلينا، في قابل الأيام أيضاً ذكرى ولادة مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وأيضاً بحضور هذا الشهر المبارك شهر شعبان بما له من كرامة وما له من قيمة معنوية ومن قيمة إلهية، وهو شهر الدعاء والعبادة والتهجد والصيام والتحضر والتمهيد لضيافة الله في شهر الله، في شهر بركة الله في شهر رمضان المبارك.

كل هذه المناسبات وهذه الأيام إن شاء الله هي أيام ومناسبات مباركة لكم وللجميع.

من بين هذه المناسبات تم اختيار، منذ سنوات طويلة، يوم ولادة العباس عليه السلام يوماً للجريح المقاوم. نلتقي في كل عام، نتخاطب، نتكلم، نحتفي، نتشرف بلقاء الجرحى والجريحات وعائلاتهم في المناطق المختلفة كما هو حاصل الآن، أبارك للإخوة الجرحى وللأخوات الجريحات يومهم، يومهم الذي ينتسبون إليه باستحقاق، باستحقاق الجهاد والحضور في الميادين والجراح والصبر على الجراح. والعباس عليه السلام هو الجريح الذي واصل الطريق حتى الشهادة وختم له بالشهادة.

أسأل الله تعالى أن يتقبل منكم جميعاً، من الإخوة الجرحة والجريحات ومن عائلاتهم أيضاً، جهادكم وجراحكم وصبركم وأن يعينكم على تحمل التبعات وعلى الثبات وعلى مواصلة الطريق وأن يختم لكم بخير في الدنيا والآخرة إن شاء الله. نحن نفتخر بجرحانا من الرجال والنساء، من الكبار والصغار، نفتخر بثباتهم، بصبرهم، ونعرف أن عدداً من هؤلاء الجرحى وفقهم الله سبحانه وتعالى فيما بعد للشهادة، يعني على سبيل المثال الأخ الشهيد القائد السيد مصطفى بدرالدين، الكل يعرف أنه جريح وأصيب في مواجهات خلدة عام 1982، ثم وفقه الله للشهادة، الكل يعرف مثلاً الشهيد القائد الحاج علاء البوسنة، هو أصيب وجرح وبعد مدة عاد إلى الميدان ثم أصيب وجرح وكانت إصاباته خطرة جداً ثم تعافى وعاد إلى الميدان ثم ختم له بالشهادة، الكثير من جرحانا اليوم عادوا إلى ميادين العمل، بمعزل (إن كان) ميدان قتال أو ميدان عمل آخر، بما تطيقه أجسادهم، وإن كانت أرواحهم تطيق بما هو أكثر. في كل الأحوال نحن نفخر بجرحانا، نشكرهم على ثباتهم وعلى صبرهم، أيضاً بهذه المناسبة أشكر الأخوة والأخوات في مؤسسة الجرحى على جهودهم، على تعبهم، على رعايتهم وعلى تحملهم لكامل المسؤولية.

أيها الإخوة والأخوات: جراحكم التي هي بين أيدينا وأمام مشهد العالم الآن على الشاشة، خصوصاً في الصفوف الأولى، هي شاهد حي على تحملكم وتحمل مسيرتكم للمسؤوليات الجسام في لبنان وفي المنطقة خلال عشرات السنين الماضية، ومواجهة التحديات الخطيرة والتحديات الكبرى، وهذا يرتب أيضاً وجوب أن نواصل تحمل هذه المسؤوليات الجسام التي قدم فيها هذا الكم الهائل من التضحيات، من شهداء وجرحى وأسرى ومشقة وتعب ودماء ودموع وآلام وصبر وتحمل. أيضاً أمام جراحكم هناك الإنجازات الكبيرة والعظيمة، الإنجاز الأهم هو الإنجاز الأخروي، الشاخص الآن والذي نجده حاضراً يوم القيامة، الجرحى والجريحات اليوم بجراحهم كسبوا عند الله سبحانه وتعالى الأجر العظيم والثواب الجزيل، هذا كتب لكم، ما لم يتم محوه بأسباب أخرى والعياذ بالله. هذا المقام الرفيع، هذه الدرجات العالية، هذه لا تنال بالتمني وبالترجي وإنما بالعمل الصالح وبالتضحيات الكبيرة كما فعلتم. وهذا هو الأهم، وهو أهم ما يجب أن نمسك به وأن نحرص عليه وأن نحفظه وأن تحفظوه لآخرتكم.

وفي الدنيا أيضاً، هذه الجراح لم تذهب سدى، هذه التضحيات لم تَضِع في وسط الصحراء، هذه التضحيات قدمت للبنان وللمنطقة وللأمة إنجازات وانتصارات عظيمة جداً وما زالت ماثلة أمام الأعين.

أكتفي بعنوانين، العنوان الأول هو العنوان الإسرائيلي، في مواجهة الإحتلال، هذه التضحيات أدت إلى تحرير لبنان، إلى تحرير الجنوب، إلى تحرير الأرض، إلى تحرير الأسرى، وأيضاً أدت إلى تحقيق الأمن والأمان والإستقرار لأهلنا في لبنان خصوصاً في الجنوب وفي البقاع الغربي، بالأخص لأهالي المدن والبلدات الذين عانوا من العدوان الإسرائيلي والإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، هم الآن يعيشون بهذا الأمن والأمان والاستقرار بفعل هذه التضحيات، هذه التضحيات التي أوصلت إلى نقطة توازن الردع والتي عززت معادلة الجيش والشعب والمقاومة، كل ما نتحدث وتحدثنا عنه من إنجازات في مواجهة الإحتلال وفي مواجهة التهديد، في إسقاط مشروع إسرائيل الكبرى عام 2000، في إسقاط مشروع إسرائيل العظمى عام 2006، وفي مواجهة الأطماع الأسرائيلية، ما كان ليكون لولا جراحكم وتضحياتكم وشهدائكم.

العنوان الثاني هو العنوان الإرهابي، التكفيري، لو تكلمنا فقط من الزاوية اللبنانية، الكل يعرف قبل سنوات عندما سقطت العديد من المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا من القصير إلى القلمون إلى الزبداني إلى سرغايا، إلى إلى … بيد الجماعات المسلحة، وسمعنا في ذلك تهديدات، حتى هناك أناس في عرسال “لم يحملهم رأسهم” وقتها، وأًصبح الكلام أنهم يريدون أن يجتاحوا المنطقة ويأخذوا البلدات والقرى ويحتلوا ويصلوا حمص بالبقاع، بالشمال، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. اليوم أيضاً ببركة تضحياتكم وجهادكم وجراحكم وشهدائكم وآلامكم هذه الحدود تشهد تحولاً مهماً جداً وجذرياً جداً بعد الاتفاقات الأخيرة وإخلاء المسلحين من مضايا والزبداني وبلودان وسرغايا وبقين واليوم من بلدة سدنة ضمن التسوية القائمة، نستطيع أن نقول إن الحدود اللبنانية وبعد كل ما حصل خلال سنوات، نستطيع أن نقول إن الحدود اللبنانية خصوصاً الحدود الشرقية، ولكن الحدود اللبنانية عموماً من الجنوب إلى البقاع إلى الشمال إلى البحر أصبحت باستثناء منطقة جرود عرسال التي يجاورها جزء من القلمون الغريب، بقية الحدود خرجت من دائرة التهديد العسكري، أتكلم عن التهديد العسكري وليس عن التهديد الأمني، بعد قليل نعود لها، التهديد العسكري بمعنى لم يعد هناك بلدات ولا قواعد وجبال ولا تلال ولا مواقع في يد الجماعات المسلحة يمكن أن تنطلق منها لتهدد عسكرياً أي بلدة أو منطقة حدودية على امتداد الحدود باحتلال قرية أو باحتلال بلدة أو بالدخول إلى المدينة أو ما شاكل. حتى التهديد الأمني أستطيع أن أقول إنه تراجع بدرجة عالية جداً وكبيرة جداً، لأنه لم يعد لديهم قواعد انطلاق لم يعد لديهم أماكن ليفخخوا فيها السيارات لإرسالها عبر الحدود، لكن هذا لا يعني انتهاء التهديد الأمني بالمطلق. تبقى بؤرة جرود عرسال وبعض القلمون الغربي، هذا الذي يجب أن يعمل على معالجته بطريقة أو بأخرى خلال الفترة المقبلة إن شاء الله.

هذا أيضاً من الانجازات، الكثير من الجرحى الذين نلتقي بهم اليوم في هذه القاعات، هم جرحوا في هذا النوع من المعارك التي كان يُراد لها أن تدفع هذه الأخطار الجسيمة عن قرانا وعن أهلنا وعن شعبنا وعن وطننا وعن حدودنا وعن كل طوائف هذا البلد، طبعاً هذا الإنجاز أيضاً يسجل كنجاح كما في مسألة التحرير، كنجاح للمعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة، لأنه عندما نتحدث عن حدود، عندما نتحدث عن الأمن والاستقرار الأمني في البلد. عندما نتحدث عن مواجهة التهديد العسكري والتهديد الأمني، هنا نتحدث عن تضافر جهود الجيش والأجهزة الأمنية والمقاومة والمساندة الشعبية بمعزل عن كل الآراء التي تعترض أو تخالف أو تعبّر عن موقف مختلف في هذه المسألة.

المهم العمل والجدوى، النتائج المحققة التي يلمسها الناس الآن: في العنوان الأول على امتداد الجنوب وراشيا وحاصبيا والبقاع الغربي وفي العنوان الثاني على امتداد الحدود من الجنوب إلى البقاع إلى كل لبنان، لذلك وهذا المدخل لكي أدخل إلى عناوين حديثة، أنا أريد أن أتكلم في ثلاثة مقاطع، مقطع محلي لبناني، مقطع أتوقف فيه عند بعض الأحداث في المنطقة والمقطع الأخير أعود فيه إلى المناسبة، مثل العادة لأجل وسائل الاعلام التي تواكبنا في المقطع الأول والثاني والذي يحب أن يكمل معنا في المقطع الثالث يكمل، على كل حال المنار ستكمل معنا إلى حين انتهاء المقطع الثالث.

في المقطع الأول، انطلاقا من المقدمة التي ذكرت والتي هي انجازات هذه التضحيات التي يجب أن نحافظ عليها أقول إن الأمن في لبنان والاستقرار في لبنان والهدوء في لبنان، نحن يجب أن نكون أحرص الناس عليه، ونحن أحرص الناس عليه، لأنه صنع ليس بالكلام بل بالتضحيات، هناك شهداء، هناك عوائل شهداء، هناك شباب كثيرون بترت أيديهم وأرجلهم، فقدوا عيونهم أو آذانهم، أو أصيبوا بالشلل أو ما شاكل، من أجل أن يحققوا هذا الإنجاز، هذه النتيجة، إذاً هذه النتيجة لم تأتِ بالمجان، ولذلك يجب أن نكون أحرص الناس على الأمن والاستقرار والثبات في لبنان، وأن لا نسمح بأي عملية إخلال بهذا الأمن لأن فيه تضييع لكل هذه الجهود.

في الموضوع المحلي لدي نقطتان، النقطة الاولى عيد العمال، والنقطة الثانية، قانون الانتخاب والاستحقاق الانتخابي المقبل.

في النقطة الأولى: أتوجه بالتهنئة والتبريك لجميع العمال، وخصوصاً عمال لبنان من الرجال والنساء، أبارك لهم عيدهم السنوي، يومهم السنوي.

جرت العادة أن يحتفل العمال، أن يتظاهروا، أن يجتمعوا ليطالبوا بحقوقهم ليذكّروا الدولة والمجتمع بوجودهم، بمعاناتهم ومطالبهم. لكن للأسف الشديد نحن دخلنا في وضع أصعب، قبل أن نتحدث عن العمال وحقوق العمال ومطالبات العمال يجب أن نتحدث عن فرص العمل وعن المشكلة الكبرى التي يعاني منها لبنان، بل يعاني منها الكثير من دول المنطقة، بل الكثير من دول العالم، وهي مشكلة البطالة، لا أحتاج إلى شرح وإلى استدلال على خطر هذه المشكلة، لكن أريد أن ألفت إلى أن هذه المشكلة هي مشكلة من أخطر المشاكل، لكن عندما نضع مشاكل أمامنا، يوجد مشاكل من صنف أول، وكما في البضائع هناك الصنف الأول والثاني والثالث، البطالة من مشاكل الصنف الأول التي لا تتحمل التأجيل والتي تحتاج إلى النظر إليها بأولوية، لأن البطالة عندما يوجد رجال خصوصاً، رجال ونساء بلا عمل، بلا شغل، لا يوجد فرصة عمل، يعني الفقر والفاقة، يعني المشاكل العائلية والأسرية، يعني الطلاق، يعني لا يضع أولاده بالمدارس، ما يؤدي إلى الجهل والأمية، يعني الفراغ القاتل، يعني الاندفاع نحو المخدرات والسرقة والجريمة، وأحيانا إلى العمالة. لذلك البطالة هي باب للكثير من المصائب، البطالة تؤدي إلى أمراض جسدية وإلى أمراض نفسية وإلى اكتئاب نفسي بالنسبة الى كثير من الأشخاص، لذلك هذا الأمر يجب أن يكون موضع اهتمام الدولة والمجتمع.

بالتأكيد المسؤولية هي مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، الأحزاب والقوى والسياسة وما يسمى بجمعيات المجتمع المدني تستطيع أن تقدم معالجات جزئية، مؤسسة هنا، تاجر هناك، جمعية تجارية هنا، تعاونية هناك، تحاول أن تقدم أو تهيء بعض فرص العمل لبعض الأشخاص، لكن هذا الملف بحجمه في كل العالم تتحمل مسؤوليته الحكومات والدول.

في لبنان، في يوم العمال، أنا أدعو الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية، مجلس النواب اللبناني، المؤسسات الرسمية اللبنانية، إلى إعطاء مشكلة البطالة أولوية، في بعض دول العالم شكلوا مجلساً أعلى لمعالجة البطالة، الآن نحن لا ندعو إلى أمر محدد، بل ندعو إلى إيجاد إطار متخصص متفرغ على المستوى الرسمي وظيفته أن يدرس حالة البطالة الموجودة في لبنان، أسبابها المباشرة، كيفية المعالجة، أن يضع خططاً، يقدم أفكاراً واقتراحات في الحكومة لمجلس النواب، يواكب الإجراءات والتفصيل.

أما ما هو قائم حالياً، هذا من الملفات التي من غير المفهوم مَن المسؤول عنها ومَن المطالب فيها، الحكومة مجتمعةً يوجد الكثير من الملفات لا تستطيع أن تتابعها الحكومة، نحن ندعو في هذا اليوم الحكومة اللبنانية إلى تشكيل إطار رسمي، نسميه الآن ملفاً، نسميه لجنة دائمة، نسمّيه مجلساً أعلى، ليس مهمّاً الإسم، ولا مهماً المستوى الإداري والتنظيمي، مجموعة من الأشخاص يجلسون ويخططون ويدرسون ويفكرون بتجارب العالم، يوجد الكثير من التجارب في العالم حول معالجة مشكلة البطالة، لكن التوجه نحو نوع من المشاكل أقل أهمية ـ وإن كان حتى هذا ليس موجوداً إلا بشكل ضعيف ومتدن ـ لا يكفي، يجب أن تعطى هذه المسألة أولوية كبرى وأولوية مطلقة لأنها تعني كل اللبنانيين، كل الشباب اللبناني، وتعني الشباب اللبناني، المستقبل الاجتماعي والمعيشي والأمني والسياسي وعلى كل صعيد.

العنوان الثاني، هو موضوع قانون الانتخاب: في قانون الانتخاب، هذا موضوع طبعاً هو حساس جداً في البلد، كثيرون في لبنان من قوى سياسية، أو طوائف يتعاطون مع هذا القانون ومع نقاش هذا القانون على أنه قضية حياة أو موت، وهذا يجب أن يُتفهم، وليس بسهولة يمكن أن نرى بأن المسألة ليست كذلك، كلا، المسألة بدرجة كبيرة هي قضية حياة أو موت بالنسبة إلى كثيرين، وبالتالي على هذا الأساس يجب أن تتم مقاربة هذا القانون بالتحديد. هذا القانون بالتحديد هو يختلف عن أي قوانين أخرى تدرس في مجلس الوزراء وترسل مشاريعها إلى مجلس النواب أو اقتراحات تقدم في مجلس النواب. البعض يطلق عليه قانون تأسيسي، البعض يطلق عليه قانون مصيري، لكن لا شك أنه من القوانين التي هي على درجة عالية من الأهمية،.الآن هذه النقطة أعود إليها يعد قليل.

كالعادة في لبنان عندما نكون أمام ملف حساس ومصيري ومهم، بدل أن نعكف نحن، جميع الكتل النيابية والسياسية، على مناقشته بالجدية المطلوبة، يتم استخدام النقاشات أو الخلافات أو تنوع وجهات النظر ـ للأسف الشديد ـ من قبل البعض أحياناً لتصفية حسابات سياسية أو لتسجيل نقاط أو لتخريب تحالفات أو لنسف علاقات أو ما شاكل، وهذا أمر مؤسف وموجود في البلد خصوصاً في مرحلة صعبة وحساسة كالمرحلة الحالية.

أنا ما سأعرضه من بعض النقاط حول موضوع الانتخاب، أريد أن أعقب على شيء قيل خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن أتكلم عن اللحظة الفعلية وإلى أين نحن ذاهبون، نحن رؤيتنا وموقعنا في هذه المسألة.

أولاً خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية، هناك “أناس شغّالين” على هذا الموضوع، الآن أريد أن أتكلم عن حزب الله بالدرجة الأولى. محاولة القول في بعض المقالات وفي بعض المقابلات الصحفية وفي بعض الخطابات، وتوجيه التهمة لحزب الله بالتحديد أنه لا يريد للمسيحيين مثلاً ان ينتخبوا نوابهم، هذه التهمة الاولى، يعني التهمة الأولى أن حزب الله لا يريد قانون انتخابات يمكّن المسيحيين من انتخاب نوابهم باصواتهم، التهمة الثانية، الآن أجمعهم لأنني أريد أن أرد عليهم بجملة واحدة، التحهمة الثانية أن حزب الله لا يريد قانون انتخاب يمكّن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية من أن يكون لهم ثلث معطل في مجلس النواب.

يكفي أن أقول لكل الذين عملوا خلال الفترة الماضية على توجيه هذه الاتهامات، أن أقول لهم ما يلي:

أنتم توجهون اتهامات بلا دليل، وأنا أواجهكم بالحجة على ما هو معاكس. عندما طرح قبل مدة، قبل التمديد السابق، القانون الارثوذوكسي، والذي يمكّن كل طائفة من انتخاب نوابها، وبالمناسبة فإن الصيغة المثلى لتنتخب كل طائفة نوابها هي القانون الأرثوذوكسي، إذا كنا نريد أن نذهب في هذا المنحى الطائفي، نحن حزب الله وافقنا على القانون الأرثوذوكسي وهو يمكّن المسيحيين من أن ينتخبوا كامل نوابهم، وهو يمكّن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر من أن يكون لهم أكثر من الثلث المعطل في مجلس النواب، الآن يمكن أن يأتي من يقول لنا بأننا أخطأنا ووافقنا يومذاك، هذا بحث آخر، لكن نحن وافقنا على القانون الارثوذوكسي ولم نسحب هذه الموافقة.

وبالتالي أنا بالدليل أقول لهؤلاء المتهمين، وفي المقابل أقول لكل المسيحيين في لبنان: ليس نحن من يوجّه إلينا اتهام من هذا النوع. في كل الأحوال عندما طرح القانون الأرثوذوكسي هناك من رفضه، ومن المعروف، حتى من المسيحيين أنفسهم، حتى من داخل المسيحيين من قبله وتبناه ثم تراجع عنه. بالمناسة هؤلاء أكثر الأشخاص ممّن يتهمنا. إذا نحن لسنا في هذا الوارد أننا نريد أن نحول دون أن ينتخب أحد ما في لبنان من هذه الطائفة أو تلك الطائفة نوابهم أو أن يكون لهم تمثيلهم العادل والمنصف والطبيعي في مجلس النواب.

ثانياً: قيل أيضا خلال كل الفترة الماضية إن حزب الله يتبنى النسبية أو قانون انتخبات على أساس النسبية الكاملة وهو يريد أن يفرض قانون النسبية على اللبنانيين، عند المسيحيين قالوا لهم على المسيحيين، وأيضا عملوا على هذا الموضوع، وأن حزب الله لديه سلاح، وحزب الله لديه قوة عسكرية. أيضاً هذه النقطة أريد أن أناقشها ليس فقط لأدفع تهمة الماضي، وإنما لنقول أيضاً من هنا وإلى الأمام، نحن بهذا الموضوع كيف نفكر؟ نحن أولاً بالنسبة لطرح النسبية وقانون النسبية من أول ما دخلنا إلى المجلس النيابي سنة 1992 وبدأ الحديث عن قانون انتخابات، في ذلك الوقت مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي عام 1996 حزب الله تحدث عن النسبية، يومها لم تكن التحالفات هذه التحالفات الآن، ولا الأوضاع هي هذه الأوضاع ولا الظروف هي هذه الظروف.

ولكن هذه كانت قناعة راسخة منذ البداية، انطلقنا فيها من رؤية وطنية ومن مصلحة وطنية ومن أننا نبحث عن قانون يؤمن أفضل تمثيل وأوسع تمثيل وأعدل وأنصف تمثيل ممكن، يبنى على أساسه دولة، ولم ننطلق من حسابات حزبية أو طائفية.

هنا أود أن أضيف وأسمح لنفسي بالتحدث عن حزب الله وعن حركة أمل وعما يسمى بين هلالين بالثنائي الشيعي، ما دام النقاش ليلاً نهاراً والآن قائم في موضوع قانون الانتخابات اسمحوا لي بقول ما يلي:

بالنسبة لنا نحن إذا أردنا الانطلاق من مصلحة حزبية أو من مصلحة طائفية، أنا أقول لبقية القوى السياسية اللبنانية، خذوا راحتكم، اتركونا نحن وأمل جانبا واجلسوا اتفقوا على أي قانون انتخابات، نحن نخرج “واقفين” كثنائي شيعي “بدّكم 60، 70، 80، 120، بدكم أكثري، دوائر، عشرين دائرة، مئة دائرة، بدكم نسبي، قسّموا كما تريدون، بدّكم مختلط، بدّكم تأهيلي، بدّكم طائفي، بدّكم مذهبي، نحن مهما كان قانون الانتخاب، بالنسبة للثنائي الشيعي، نحن ليس لدينا مشكلة، ليس لدينا مشكلة على الإطلاق إذا أردنا أن ننطلق من مصلحة حزبية، أي أن حزب الله وأمل ما الذي يحصلون عليه أو من مصلحة طائفية الشيعة على ماذا سيحصلون. لكن نحن نقارب موضوع قانون الانتخاب من زاوية وطنية، قانون الانتخاب سيأتي بمجلس نواب للبنان، وسوف يبني دولة لبنان، وسوف ينتخب رئيس جمهورية للبنان، ويمنح الثقة لحكومة لبنان، ويضع قوانين للشعب اللبناني، ولذلك نقارب المسألة من هذه الزاوية.

هذا الذي أدخلنا حقيقةً على موضوع النسبية، وعندما نتحدث عن النسبية، وإخواننا يتحدثون كثيراً عن موضوع النسبية، فليس من أجل الضغط ولا من أجل الفرض على الإطلاق.

نحن نقول: عندما نتحدث عن النسبية لنقنع بعضنا بعضاً، لنشرحها، لنبيّنها ولنوضح أوجه الانصاف والعدالة وسلامة التمثيل فيها، لنوضح صوابية هذا المسار القانوني ونجلس مع القوى السياسية، وإن كان هناك نقاط التباس نسعى لإزالتها، وإن كان هناك نقاط خوف نسعى لمعالجتها، وإن كان مطلوباً ضمانات نقدم ضمانات.

نحن نعمل بهذه الطريقة، كنا وما زلنا في موضوع النسبية، نحن لم نرفع سلاحاً في وجه أحد لنقول له تفضلوا في الحكومة أو تفضلوا في المجلس النواب لأننا نريد النسبية، ليس فقط لم نحمل السلاح حتى لم ننظم مظاهرات، ونستطيع نحن نأتي نحن وكل من يؤيد النسبية في لبنان ندعو إلى مظاهرات يوم واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة لنفرض النسبية على من يرفض النسبية، لكن نحن لم نفعل ذلك.

إذاً أنهي هذه النقطة، لأنها لديها متابعة في جانب آخر، لأقول نحن لا نريد أن نفرض النسبية على أحد بل لا نريد أن نفرض أي قانون انتخابي على أي أحد في لبنان.

من هنا أدخل للنقطة التي تليها. عندما بدأنا الحديث أن القصة قصة حياة وموت وإلغاء وبقاء وأحجام وما شاكل، قلت يجب أن نتفهم ذلك. انظروا، كل الطوائف في لبنان لديها هواجس نتيجة الأوضاع الموجودة في المنطقة، نتيجة التحولات الموجودة في المنطقة أو في البلد، المستقبل بالنسبة لكثيرين لا يوجد فيه وضوح بل هناك غموض، لذلك يبحثون عن ضمانات، ضمانات دستورية، ضمانات بالنصوص، ضمانات بالتحالفات، يبحثون عن ضمانات.

كل الطوائف لديها هواجس، لكن يجب أن نعترف أن المسيحيين لديهم هواجس أكثر، والدروز لديهم هواجس أكثر من السنة والشيعة، الآن الأمر له علاقة بالعدد وله علاقة بالهجرة وله علاقة بظروف مختلفة، بتراجع الأعداد بالبلد لمصلحة السنة والشيعة، هذا صحيح، بالتالي هذه الهواجس السنة والشيعة والمسيحيين والدروز كلهم جميعا معنيون بأخذها بعين الاعتبار.

إذا كان هناك هواجس نحن لا نستطيع أن نأتي ونقول هذا النوع من القوانين تعالوا لنسير به حتى لو خالفت به طائفة بكاملها، اليوم إذا مثلاً كان إذا كان هناك قانون انتخاب يرفضه المسيحيون أو ترفضه أغلبية المسيحيين، هذا لا يمكننا أن نأتي ونقول نريد فرضه على الباقين الذين يمكن أن يجعلنا نشكل غالبية ما في مجلس الوزراء أو أغلبية ما في مجلس الوزراء أو أغلبية ما في مجلس النواب، بالتالي نأتي ونقول: نريد أن نفرض هذا القانون خلاف رغبة وإرادة المسيحيين، وكذلك عندما نأتي مثلا للطائفة الدرزية، هنا لا نتحدث عن أعداد، عندما نأتي للطائفة الدرزية ونجدها أنها مجمعة مثلاً على رفض هذا القانون أو هذا القانون أو هذا القانون، نأتي نحن ونفرض قانوناً على طائفة بكاملها تعتبر أن هذا القانون يلغيها أو يشطبها أو يظلمها وما شاكل وهكذا.

إذاً نحن هنا نتحدث عن قانون مختلف، عن أمر مصيري، عن أمر تأسيسي، عن أمر له علاقة بالحياة والموت، هذه الأدبيات التي يستخدمها الناس في لبنان وليس أنا، لذلك نحن في هذا المجال ندعو للتفاهم، ندعو للتوافق، ندعو إلى مواصلة الحوار للوصول إلى نتيجة، وهذا الأمر ممكن كما سأنهي هذه النقطة بعد قليل.

هذا الأمر ممكن، لكن عندما يحتاج نفس أطول ويحتاج لموضوعية أكثر ويحتاج لبعض التنازلات يمكن أن نصل إلى قانون جديد.

إذاً نحن الذين نادينا لسنوات مع حلفائنا نادينا بالديمقراطية التوافقية إذا كان على موضوع مثل قانون الانتخاب، قانون حياة وموت، قانون مصير، قانون بقاء وإلغاء، كما يعتبره البعض، لم نأتِ ونحكّم الديمقراطية التوافقية فأين نحكّم الديمقراطية التوافقية، لذلك في هذه النقطة أختصر بالقول: نحن لا نريد أن نفرض قانوناً على أحد ولا على أي طائفة ولا على أي قوة سياسية، نحن نريد أن نقنع بعضنا البعض، نحن نريد أن نعمل في الليل وفي النهار لنصل إلى تسوية معينة في القانون الانتخابي.

بالنهاية، ما سنصل إليه هو تسوية. البعض لديه طموحات عادلة ومنصفة وحقيقية، لكن هذا البلد لا يمكنك أنت أن تفرض فيه خيارات من هذا النوع برأيي، لا بقوة السلاح ولا بقوة الشارع طالما نتحدث عن أمر يرتبط بدولة وإدارة وقانون وانتخابات وما شاكل.

لذلك في نهاية المطاف يجب ان نصل إلى تسوية.

النقطة الأخيرة بالبحث الانتخابي وأكتفي بهذا المقدار لنرى الخميس ومن هنا ل15 أيار ما الذي سيحدث، وبعد 15 أيار ما الذي سيحدث لأقول أيها الإخوة والأخوات أيها اللبنانيون، كل القوى السياسية في لبنان: بالحقيقة الوقت ضاق، اللعب على حافة الهاوية الآن البلد كله على حافة الهاوية، إذا لم نصل لقانون انتخاب جديد فكل الخيارات سيئة، لا يستهيننّ أحد بذلك: خيار التمديد سيء، خيار الفراغ سيء، وخيار الستين سيء. الآن لن أدخل بمقايسة أيها أسوأ، لكن هذه نتائج سيئة. نحن الآن على حافة الهاوية.

ما أريد أن أدعو إليه: لا تدفعوا لبنان إلى الهاوية، لا يستهيننّ أحد بالخلاف القائم الآن بالبلد، لا يستهيننّ أحد لا من هنا ولا من هناك، لا تدفعوا البلد إلى الهاوية، لأنه في الوضع الحالي، في وضع المنطقة، في وضع العالم، إذا سقط بلدنا في الهاوية لا أحد لديه الوقت لنا في العالم “ما أحد فاضي لأحد”.

سأتحدث بعد قليل عن الأسرى الفلسطينيين، 1500 أسير فلسطيني، إضراب عن الطعام في اليوم السادس عشر، أين العالم العربي وأين العالم الإسلامي وأين المجتمع الدولي من يسأل؟

هذا بلدنا أمانة في أيدينا جميعاً، في أيدي القوى السياسية كلها، في أيدي الكتل النيابية كلها، في أيدي الشعب اللبناني. لا يجوز أن تدفعوا هذا البلد إلى الهاوية، لا يجوز.

إذا هناك مناورات انتهت، إذا كان أحد يخفي ورقة سيكشفها لاحقاً فقد انتهىالوقت، كل الأوراق ظهرت، كل المشاريع ظهرت، لا أحد لديه شيء يريد أن يخترعه أو هناك بعض الناس يقول لك إخراج أرانب، خلصت الأرانب، لم يعد أحد لديه أرنب ليخرجه ويلعب به.

انتهى الوقت، الوقت انتهى، المناورات انتهت، نحن في لبنان على حافة الهاوية، وعلى الجميع أن يتحمل المسؤولية كاملة. أنا من الآن أقول لكم: رمي المسؤوليات على بعضنا البعض لا يفيد. إذا مات الميت لا يفيد، إذا احترق البيت ما الذي يفيد؟ ماذا يفيد؟

كل واحد منا يستطيع أن يقول أنا قدمت قانونا وفلان لم يقبله، وفلان يقول أنا قدمت قانوناً وفلان لم يقبله، والقوى السياسية تقول أنا قدمت قوانين وفلان لم يقبلها، وهذا لم يقبل وهذا لم يقبل. هذا ماذا يعني؟ نستطيع تحميل بعضنا المسؤوليات، نستطيع التهرب من المسؤوليات، يستطيع كل واحد أن يرمي المسؤولية على الآخر، لكن ما هي النتيجة؟

البلد إلى أين؟ البلد إلى أين؟

لا يمزحنّ أحد بهذا الموضوع، لا يمزح أحد بهذا الموضوع، لذلك أنا أريد أن أقول:

يجب أن تؤخذ الأمور بكامل الجدية في الوقت المتبقي، ضيق الوقت سلبية صحيح، ولكنه في الوقت نفسه إيجابية، لنتواضع جميعاً، لنشعر بالخطر جميعاً، لنقدم التنزلات جميعاً، لنصل إلى نقطة تسوية جميعاً وننقذ بلدنا في نهاية المطاف.

أنقل بكلمتين عن الوضع العام

أول ما يستوقفنا في الوضع العام في المنطقة هو معركة الحرية والكرامة التي يخوضها 1500 أسير فلسطيني ولليوم السادس عشر من خلال الامعاء الخاوية وفي ظل تفاعل الشارع الفلسطيني سواء في الداخل أو في الخارج مع هذه الخطوة.

مثل العادة طبعاً نحن نؤيد ونتضامن ونعبر عن مساندتنا القوية والكاملة لهذه الخطوة الجهادية المقاومة الجبارة التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون من أجل مطالب محقة ومطالب طبيعية، لكن نحن نريد أن نأخذ العبرة من هذا الذي يحصل. يعني النقطة الأولى كلها في الوضع العام وأنا لدي نقطتان.

النقطة الأولى أريد أن أصل إلى عبرة نبني عليها مسلكاً ومنهجاً وطريقاً سياسياً دائماً، في المقابل اسرائيل تصم الاذان، غير جاهزة لتفاوض، غير جاهزة لأن تستجيب للمطالب، يعني مطالب الأسرى، ليس تحرير فلسطين، ليس تحرير القدس، مطالب الأسرى لها علاقة بحقوق طبيعية بالأسرى، حقوق إنسانية.

إسرائيل تصم الآذان، تراهن على الوقت مثل العادة، تراهن على التعب مثل العادة، وتراهن على تراجع الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي هذه الحركة تكون عبارة عن “فشة خلق” ولا نتيجة لها على الإطلاق.

لا يُتوقع من الإسرائيلي غير هذا، العدو الغاصب الإرهابي المحتل، لكن انظروا إلى العالم، أين الأنظمة العربية؟ أين الشعوب العربية؟ أين جامعة الدول العربية؟ أين منظمة الدول الإسلامية، منظمة التعاون الاسلامي؟ أين العالم؟ أين اوروبا؟ أين الغرب؟ أين الأمم المتحدة؟ أين مجلس الامن الدولي الذين يغضبون أحياناً لمواضيع صغيرة تحصل في مكان ما في العالم، أين هم؟

هذا اليوم السادس عشر لا يوجد شيء في العالم، لا يوجد شيء.

أنا في ذكرى الشهداء القادة “تقلت الطحشة” قليلاً عندما قلت إنهم هم من أوصلنا وأوصل العالم العربي وأوصلوا المنطقة إلى مكان أن تصبح فلسطين القضية المنسية. هذا شاهد، اليوم قولوا لي: أين ملوك العرب ورؤساء العرب؟ غداً سيقولون السيد يهاجم الملوك والرؤساء العرب، أين الانظمة العربية؟ أين جامعة الدول العربية؟ أين التحرك الجدي؟ أين الضغط الفعلي؟ الضغط على أصدقائكم الاميركان والضغط على أصدقائكم الأوروبيين. أين مؤسسات حقوق الإنسان؟ أين الصوت العربي؟ أين الإعلام العربي؟ أين الفضائيات العربية؟ أين الأقلام العربية؟

لو كان هذا الذي يجري أيها الإخوة والأخوات في بلد غير حليف لأميركا وتابع لها، غير حليف للغرب وتابع له، كنتم رأيتم الدنيا قامت ولم تقعد، لن أقول أن لو كان هذا الذي يحصل يحصل في إيران أو في سوريا أو غيرها، كلا في أي بلد غير تابع لأميركا وللغرب، غير خاضع لإملاءاتهما، وإرادتهما “مش ماشي” في مشروعهما، كنتم سترون مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة والبيت الأبيض ووزارة الخارجية ومنظمات حقوق الإنسان والدنيا كلها قامت، ليس في اليوم السادس عشر، بل من أول ساعة، واتهمت الدولة أو الحكومة التي لا تفاوض هؤلاء الأسرى ولا تستجيب لمطالبهم بالعدوانية وبالوحشية وباللاإنسانية وبالظلم والقهر وبالطغيان وغيره.

ولكن هذه إسرائيل، الابن المدلل لأميركا، الثكنة العسكرية المتقدمة للغرب في منطقتنا. كلا، ليفعل نتنياهو الذي يريده، ليأخذ راحته، ومعه كامل الوقت ولا يوجد أي مشكلة، مثلما كان معه الوقت الكامل في الحروب على غزة،

الآن معه كامل الوقت في ملف الأسرى وفي غير ملف الأسرى وبالمستوطنات وبغير المستوطنات.

عندما نذهب ونجمع شواهد مشابهة، قبل أقل من سنة أو قبل منها منذ عام 2003 في العراق، منذ عام 2003 جماعات إرهابية تكفيرية نفذت الآلاف من العمليات الإرهابية، هذه غير العمليات غير الانتحارية، وقتلت من الشيعة والسنّة والعرب والكرد والتركمان، ولم توفر أحداً من الشعب العراقي، مجازر يومية، حتى أصبحت السيارات المفخخة في العراق خبراً يومياً عادياً طبيعياً، والعالم ساكت، والعالم يعلم من الذي يدعم هؤلاء ومن الذي يموّل هؤلاء ومن الذي يغطّي هؤلاء ومن يساعدهم إعلاميا. حتى الآن، هناك فضائيات عربية في معركة الموصل هي من داعش، وهي ليست مع الحكومة العراقية والقوات العراقية، والعالم ساكت عن كل هؤلاء الداعمين والمساندين والمؤيدين والمغطين إعلاميا والممولين والمسهلين، لماذا؟ لانه المطلوب إخضاع الشعب العراقي وإذلال الشعب العربي وإسكات الشعب العراقي وإلحاق العراق والشعب العراقي بذلك المشهد.

هذا في اليمن، الأمين العام للأمم المتحدة منذ عدة أيام يخرج ويقرأ تعزية ويقول: نحن ونتكلم الآن هناك خمسون طفلاً يمنياً يموتون الآن، كل العالم تتكلم عن ملايين تتهددهم المجاعة في اليمن، وكل العالم يعلم من الذي يحاصر اليمن ومن الذي يقصف اليمن ومن الذي يجوّع اليمن، هل يتجرأ أحد أن يفتح فمه؟ هل يتجرأ أحد أن يتكلم؟

الآن عندما أخرج وأقول وأسمي الأمور بأسمائها أُصبح أنا أقوم بتخريب السياحة في لبنان، إذا خرجت وقلت إن العالم كله يعلم أن السعودية وحلفاء السعودية هم الذين يجوّعون ويحاصرون ويقتلون الشعب اليمني في كل يوم وفي كل ليلة، وأصبح أنا مداناً لأنني أخرّب السياحة في لبنان، مجرد كلمة حق فقط، لكن عالم ساكت على موت الملايين جوعاً، بغض النظر عن موت مئات الآلاف قتلاً وقصفاً وجرح مئات الآلاف، بغض النظر عن كل الباقي بل بهذا الذي يعترف العالم بأنه موجود وتعترف الأمم المتحدة بأنه موجود، بكل بساطة لان هذه السعودية هذه حليف أميركا، هذه حليفة الغرب، هذه تدفع الفلوس، مئات مليارات الدولارات تدفع للأميركان، والآن يأتي ترامب يريد أن يأخذ منهم البقايا أيضاً.

أما الشعب اليمني المسكين ليس لديه الفلوس ليدفع للأميركان، ليس لديه الفلوس ليدفع إلى ترامب، ليس لديه الفلوس ليدفع إلى رئيسة وزراء بريطانيا ولا لرئيس جمهورية فرنسا حتى يتزحزحوا ويقولوا كلا، نريد أن نوقف الحصار ونريد أن نوقف الجرب ونريد أن نوقف العدوان على اليمن.

هذه سوريا، قبل أيام قليلة حصلت مجزرة بحق أهل الفوعة وكفريا الخارجين من بلدتهم المحاصرة، في حي الراشدين على تخوم بلدة حلب، يأتي انتحاري متوحش بشاحنة ويهاجم تجمع الحافلات، ماذا يوجد في الحافلات؟ خمسة آلاف مدني أغلبيتهم الساحقة مدنيون وأغلبيتهم الساحقة نساء وأطفال، في المحصلة يوجد مئات ما بين شهيد وجريح ومفقود، ماذا فعل العالم؟ والعياذ بالله، لأنه بالاتفاق الذي حصل، الدولة بسوريا ونحن ضمنا أمن الخارجين من مضايا والزبداني وبقين وسرغايا وبلودان وبرج بلودان لإيصالهم إلى نقطة أمانهم في بعد حلب بعد المدينة، لو افترضنا أن شخصاً واحداً ـ لأن في هذه الجهة لا يوجد انتحاريون ـ شخص واحد أخطأ وحمل الرشاش وأطلق النار أو ضرب قذيفة آر بي جي على باص وقتل مجموعة من الاشخاص، من كان سيخلّصنا في العالم؟ من كان سيخلّص الجيش السوري وحزب الله والأطراف التي ضمنت هذا الاتفاق؟ كان مجلس الأمن وأميركا وترامب والعالم كله سيغضب وربما يقوم بقصف جوي أيضاً.

انظروا، هذا هو الوضع الموجود، هذا الوضع الحالي، هذا الوضع الحقيقي، طبعاً لا أقول أي شيء جديد، أنا أريد أن أقوم بتثبيت فكرة قديمة، لكن كل يوم يأتي ما يؤكدها في مقابل وجهات النظر الأخرى التي نتمنى أن يقنعونا وأن يأتوا بدليل أو يأتوا بمعطى، بينما بالمقابل عندما حصلت حادثة خان شيخون واتُهم النظام بأنه ضرب كيماوي، يا عالم افتحوا تحقيق، لا يريدون أن يفتحوا تحقيق، يا اخي من قال إنه فعلا النظام ضرب كيماوي أو لا؟ نعم ضرب كيماوي، طيب ما الدليل؟ لا أحد يقدم أي دليل.

هذه الصور التي تقدمت هي فيلم مفبرك او حقيقية؟ لا أحد يعلم، طيب تفضلوا أرسلوا لجنة تحقيق مثلا روسيا، إيران، عدد من دول العالم يطالبون يا جماعة بلجنة تحقيق، الأميركان لا يقبلون بلجنة تحقيق فقط لنعرف الحقيقة حتى ندين القاتل الكيماوي أيّاً من يكن، لا يقبلون بأن يشكّلوا لجنة تحقيق.

بل من اللحظة الأولى ترامب والادارة الاميركية مثل العادة نصبت نفسها مدعياً عاماً ومحققاً وقاضياً وجلاداً، وجاء وقصف مطار الشعيرات واعتبر انه فعل انجازاً عظيماً وبدأت برقيات التهاني من السعودية ومن تركيا ومن بعض دول الخليج ومن قوى سياسية (مضمونها) أحسنت، الله يبارك فيك ويآجرك، لك العاقبة، ويكثّر من خيرك، أليس هكذا قالوا له؟

طيب على أي اساس؟ لأن المستهدَف هنا ليس عميلاً ولا تابعاً ولا خاضعاً يجب ويراد إخضاعه ويراد إذلاله ويراد كسره، هذه هي المعادلة.

اليوم لو جئنا في أي مكان في دولة غير تابعة لأميركا، جئنا وقلنا لهم إنه يوجد بلدة محاصرة بكاملها، يوجد مئات من الناس، رجال ونساء جالسون تحت الشمس وفي الليل وفي النهار من أجل ان يصونوا رجلاً طاهراً عالماً كبيراً، في البحرين، سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، وقطعنا مدة سبعة أو ثمانية أشهر وسيصبح لنا العام، منطقة محاصرة بشدة، أمر منسي، لا يعني أحداً في العالم، لأن هؤلاء في بلد خاضع تابع جزء من المشروع، إذاً لماذا سيتم الضغط عليه؟ لماذا سيُطلب منه، لماذا سيقال له “يا ما أحلى الكحل بعينيك” بل يقال له أحسنت أكمل.

لا يوجد من داع أن أكمل في الأمثلة أكثر، لأن الوقت ضاق ولكن المحصلة التي نريد أن نأخذها يا إخواننا ويا اخواتنا ويا ناسنا أننا نتكلم من موقع التجربة، وهذه الشواهد من باب تأكيد الفكرة، وإلا منذ البدايات إذا أرضنا تحررت، إذا أسرانا بالسجون الإسرائيلية عادوا ـ وهناك بعض الملفات العالقة ـ وإذا بلدنا آمن في مواجهة التهديدات الاسرائيلية فلا أحد له علاقة، لا مجلس الأمن ولا أميركا ولا الغرب ولا جامعة الدول العربية ولا القرارات الدولية. أنتم الناس الشرفاء، الجيش الشعب والمقاومة، الشهداء، الجرحى، اليوم إذا كان لبنان ينعم بالحرية والكرامة والأمان فبفضل نفوسكم الأبية وأجسادكم الدامية ودماء شهدائكم الذكية ودماء أجسادكم التي نزفت على تراب هذا البلد وفي هذه المنطقة فقط وفقط.

لا تتوقعوا من هذا العالم، من هذا المجتمع الدولي، من أمريكا ومن الغرب، لا تتوقعوا عدلاً ولا إنصافاً ولا إحقاقاً للحق. هذا لا يعني أن لا نطالبهم، ولكن لا نتوقف وأيضاً لا نأسف أنهم يتجاهلوننا وأنهم لا يتخذون الموقف المطلوب ولا يمارسون أي ضغوط. أصلاً هم العدو فاحذرهم، هم أصل المصيبة. هم ـ من نطالبهم بالموقف، من نطالبهم بالبيان، من نطالبهم بالإجراء ـ هم المشكلة، أما الآخرون فهم أدوات، هم تابعون، هم أحجار شطرانج يخدمون مشاريع الهيمنة على بلادنا.

ماذا يريدون؟ يريدون أن ينهبوا خيراتنا وأموالنا ونفطنا وغازنا، والآن النهب يزيد أكثر وأكثر وحيث أنه لا يوجد وقت سوف نتحدث عن السياسة الأمريكية الجديدة، النهب الأوضح، النهب المكشوف. إذاً يجب أن يكون رهاننا على حضورنا في الساحات وفي الميادين، على قوتنا.

لطالما قلت لكم ـ واليوم مع كل الأحداث والتطورات التي تحصل ـ أقول لكم: نحن نعيش في عالم الذئاب، لا يوجد قانون دولي، يوجد شريعة غاب، القوي يأكل الضعيف، فإذا كنا ضعافاً سنؤكل، إذا كنا أقوياء يحترمنا العالم، عندما نكون مؤثرين في المعادلات وفي المصالح هذا العالم يبحث عن مصالح، لا يبحث عن قيم، لذلك قوتنا هنا ومصالحنا هنا ومصيرنا ومستقبلنا هنا يتوقف على قوتنا، على وحدتنا، على ثبات شعبنا، على وعي أمتنا, هذا الذي يجب ان نأخذه مما يجري الآن.

النقطة الثانية في الوضع العام أتوقف عند حادثة – طبعاً أنا لم أقدم والوقت غير متاح أن اقدم ـ لأنني منذ شهر لم أتحدث – رؤية حول المنطقة إلى أين وكيف. هناك مناسبات يمكن أن أتحدث إن شاء الله.

أقف عند حدث الاقتتال في الغوطة الشرقية في دمشق. منذ أيام حتى الآن يوجد اقتتال بين ما يسمى من جهة جيش الإسلام ومن جهة اخرى بما يسمى بجبهة النصرة وفيلق الرحمن، منطقة الغوطة فيها مجموعة قرى وبلدات تحت سيطرة الجماعات المسلحة تحولت إلى خطوط تماس، إلى منطقة قتال دامٍ منذ عدة أيام، حتى الآن يوجد مئات القتلى والجرحى، توقفوا عند هذا المشهد “ممكن أن يقول أحد لي أننا نحنا في لبنان ما علاقتنا بهذا المشهد؟ الجرحى هم أكثر ناس معنيين بهذا المشهد وسوف أقول كيف” انظروا إلى هذا المشهد: قتال شديد عنيف تستخدم فيه كل أنواع الأسلحة، الدبابات والمدافع والصواريخ، اقتحامات، إعدامات ميدانية ـ بعض التنسيقيات تتحدث عن حرق جثث ـ تهجير عائلات ومداهمات ومصادرات واسعة.

لكن الأخطر الخطاب الإعلامي والديني بين الجماعات. هؤلاء يقولون عن هؤلاء “بغي”، جماعة باغية، يستخدمون مرة يقولون البغي ومرة أخرى ساعة يقول الصيال، جماعة صائلة، ومرة يقول خوارج، تكفيريون، وأخرى الفكر الدخيل، ويفتحون كتب التاريخ وييستحضرون مذاهب قديمة مثل المرجئة وغيرها من المذاهب. هناك بعض المصطلحات سمعتها في الأيام الاخيرة سوف أسعى للاستفسار عنها، هي أشياء جديدة، أدبيات جديدة لها علاقة بالتوصيف الفكري للجماعات المسلحة، هذه الاتهامات المتبادلة فيما بينهم.

هذا المشهد، والنتيجة التي أريد أن أصل إليها إذا ما أضفنا ما يجري الآن في الغوطة إلى ما جرى سابقاً بين داعش والنصرة وبين داعش والجماعات المسلحة، ما بين ما جرى منذ أشهر في منطقة إدلب وحلب بين جبهة النصرة وأحرار الشام، أضفناهم إلى بعضهم البعض لكنا أخذنا نتيجة تقول ما يلي: ماذا كان سيكون مصير الشعب السوري ـ لنترك لبنان والعراق والمنطقة على جنب ـ ماذا كان سيكون مصير الشعب السوري لو أن هذه الجماعات المسلحة استطاعت أن تسقط النظام وتفكك الجيش السوري وتسيطر على البلد، أمام اي مشهد كانت سوريا ؟ أمام حرب أهلية في كل مدينة وفي كل بلدة وفي كل منطقة، وحرب أهلية بلا ضوابط، حرب أهلية بلا موازين، حرب أهلية بلا عقل، حرب أهلية بلا سقف، والذي يستطيع أن يقول لي إنك تبالغ يا”سيد” يقدر أن يناقشني، هذه الغوطة فقط وتقولون محاصرة وبالمناسبة ليس حصاراً مطبقاً، لهذا الحد لديكم ذخيرة وقذائف وإمكانات وتذبحون بعضكم بعضاً وانتم محاصرون وكل المنطقة تخلى من حولكم بالتسويات والانسحابات وتفعلون ببعضكم هذا الأمر.

حسناً، لماذا تتقاتلون وهناك ليس هناك وزارة مالية ولا يوجد نفط ولا غاز ولا موانئ ولا يوجد مطارات ولا يوجد مليارات الدولارات وليس هناك شركات تأتي من العالم من أجل العمل في سوريا وهم يفعلون ببعضهم هذا الأمر ويقتلون بعضهم بعضاً. والاخطر العنوان الديني مجرد أن يختلفوا على أي تفصيل، اختلفوا على محور، على تلة، على بناية، على غنيمة، يبادرون من أجل اتهام بعضهم بعض: بغاة، ما تعني بغاة؟ أي استبيح دمه، خوارج كفار صائلون.. شيء مرعب، فيستبيحون دماء بعضهم بعض. لا حرمة لحي، لا حرمة لميت، لا حرمة لعرض. هذه هي الجماعات التي جاءت من السعودية وبعض دول الخليج وتركيا وأمريكا والغرب من أجل أن يتم تقديمهم كبديل للشعب السوري عن النظام السوري الحالي.

وتصوروا أيضاً، وهذا خطاب للبنانيين، لو أن هذه الجماعات المسيطرة في سوريا، وطبعاً لم تقف عند حدود وسوف تأتي إلى لبنان وتتواجد. هم كم نفر موجودون في جرود عرسال وأعلى الجرد وفوق لا يوجد نفط ولا غاز ولا ذهب وكل فترة نسمع داعش والنصرة ماذا يفعلون ببعضهم بعضاً. كيف يتهمون بعضهم: هؤلاء خوارج، هؤلاء كلاب النار، هؤلاء بغاة، يعني إلى أين مطلوب أخذ سوريا كبلد كبير وعزيز؟ إلى أين مطلوب أخذ الشعب السوري؟ إلى أين مطلوب أخذ الشعب اللبناني والمنطقة كلها؟

وداعش هذه بالمناسبة، إلى جوار ذلك الآن، مثلاً هي تتمترس أو تترّس بالمدنيين؟ بالمدنيين من أهل السنة بالموصل وتمنعهم من الخروج لتستقوي بهم، ومن يخرج منهم تطلق النار عليه، تقتله، اليوم حصلت مجزرة على الحدود العراقية – السورية.

إذاً نحن أمام جماعات لا تحترم أحداً. النقاش هنا، ليس هناك خطر على المسيحيين وعلى الدروز وعلى العلويين وعلى الإسماعيليين وعلى الإمامية وعلى الزيدية وعلى الأباضية ، لا، لا، لا. كلمني أولاً بالمسلمين السنة.

الذين يتقاتلون الآن في الغوطة الشرقية، كلهم يقولون إنهم من أهل السنة والجماعة، ولكن هذه الجماعة تكفّر هذه، وهذه تكفّر الأخرى. ليس هناك أمان، لا توجد أي ضمانات، لا أخلاقية ولا دينية ولا قانونية ولا شرعية. إذا أتيح لهؤلاء أن يسيطروا على أي منطقة من المناطق. ليس هناك أمان، يعطون أماناً لكنهم لا يحترمونه. إذا احترموا بعضهم ، بعضهم الآخر لا يحترمون. هذا المشهد أحببت أن أعرضه لأقول يوماً بعد يوم لأن هناك نقاشاً في البلد وفي المنطقة، أن يا حزب الله خياركم الذي ذهبتم إليه من ست سنوات صح أم خطأ؟ هناك أناس كل يوم يكتبون مقالات ويتحدثون ويأتون بأشخاص يرسلون لنا رسائل مفتوحة. هناك بعض الأشخاص يكتبون “رسالة مفتوحة إلى أمين عام حزب الله” ويكتب في البداية، لا أعلم هل ستقرأ رسالتي المفتوحة أم لا؟ لا، أنا أقرأ رسالتك المفتوحة، تستطيع أن تطمئن بالاً. وبمعزل أن الذين يكتبون هذه الرسائل المفتوحة هم أشخاص حقيقيون أو البعض يكتب بأسماء غير صحيحة، لا تختلف كثيرا.

هذه الرسائل المفتوحة وهذه النداءات وهذه النقاشات، أنا أقول يوجد منطق، نحن أمام هذه الأحداث في كل يوم نزداد قناعة، ليس أنا، ليس إخواني في قيادات حزب الله، بل مجتمعنا، عوائل شهدائنا، جرحانا، مقاتلينا، مجاهدينا، يزدادون قناعة بأن هذا الخيار كان خياراً صحيحاً وخياراً سليماً وفي وقته المناسب.

في آخر خطاب عندما تحدثت عن النصر في سوريا، أجريت بعض التحليلات أنه نصر أو غير نصر، أنا أقول لكم ماذا قصدت بالنصر. في كل لحظة الآن تمر في سوريا هي لحظة نصر، نصر بأي معنى؟ بمعنى أن الذين قاتلوا وصمدوا لم يسمحوا لهذه الجماعات الإرهابية أن تسقط الدولة وأن تسقط النظام وأن تفكك الجيش وأن تسيطر على سوريا. هذا نصر عظيم، طبعاً ليس نصراً نهائياً، ولكن هذا نصر عظيم، هذا صنعه أبناء سوريا، قيادتها وجيشها وشعبها ومقاتلوها، وساعدها الأصدقاء والحلفاء. لكن هذا نصر كبير، هذا نصر عظيم. الآن هناك مناطق كثيرة في سوريا، مدن ومناطق واسعة، أمن وأمان والناس في مدارسها ومستشفياتها وحقولها ومزارعها وأشغالها وحياتها الطبيعية، هذا ما كان ليكون لو سقطت سوريا في يد هذه الجماعات. بكل بساطة يمكن الإنسان أن ينظر ماذا فعلت هذه الجماعات بالشعبين العراقي والسوري، وماذا تفعله الآن في جنوب اليمن؟ ماذا تفعله في سيناء؟ وماذا فعلته في ليبيا؟ وماذا تفعله في أي مكان من العالم؟ في نيجيريا.

نحن نزداد قناعة، وبالمناسبة أنا أحب أن أقول لبعض الناس الذين يقولون كل يوم بأن حزب الله يريد أن يخرج وينسحب ويغادر- هذا الموضوع نتحدث عنه مفصلاً إن شاء الله خلال الأيام القليلة المقبلة بذكرى شهادة القائد السيد ذو الفقار رحمه الله – لكن أود أن أقول أمراً اليوم، أننا خلال 6 إلى 7 سنوات لم أقدّم خطاباً تعبوياً ، أنا أقوم بخطاب تحليلي، توصيفي، نحن كنا نقاتل إسرائيل منذ العام 1982 حتى 2000 كان لدينا يومياً خطاب تعبوي، نحن غير محتاجين في سوريا لخطاب تعبوي لأن البصيرة والوعي والقناعة وسلامة وصوابية الخيارات عند مجتمعنا وشبابنا ومقاتلينا وعائلاتهم واضحة إلى حد لا تحتاج إلى خطاب تعبوي.

بالعودة إلى المناسبة في المقطع الأخير، نحن هذه الأيام، هذه الذكرى، عندما أختير لها ذكرى ولادة أبي الفضل العبّاس عليه السلام. الشخصيات العظيمة في كربلاء عنوان كبير جداً للإيمان، لليقين، وللثبات حتى آخر نفس وآخر قطة من دمائه، وعنوان لرفض الأمان الذي يراد أن يُعطى لأشخاص ليحيّدوا عن المعركة. تعرفون يوم كربلاء، يوم العاشر، جاء شمر بن ذي الجوشن لأنه من قبيلة أخوال أبي الفضل العبّاس، وعرض الأمان عليه وعلى إخوته، تتصل قرابتهم بأم البنين عليها السلام ، العباس عليه السلام، قال له : انأمن وابن رسول الله لا أمان له، لعنك الله ولعن أمانك.

العبّاس رفض أن يخرج من هذه المعركة لأنه كان مؤمناً بها، كان على يقين من حقها، من صوابيتها، من صدق إمامها وقائدها الحسين عليه السلام، في الوقت الذي عرض عليه الأمان والحياة والعيش الرغيد ولم يكن مطلوباً منه أن ينتقل إلى المعسكر الذي يقاتل الحسين، كان مطلوباً منه فقط أن ينتقل إلى الحياد، أن يخرج من المعركة، أن يخلي الساحة. ولكن العبّاس رفض أن يخلي الساحة، بقي فيها حتى آخر نفس، وآخر قطرة دم، وعندما تقدم للقتال، قدّم إخوته ليقاتلوا وليستشهدوا بين يديه. هذا الكرم، الجود. العبّاس عنوان الإيثار، في بعض الناس، إن شاء الله في أيام محرم إذا بقينا على قيد الحياة نعود ونشرّح هذا الموضوع أكثر، هناك أناس القيمة الأخلاقية للأشياء تضيع عندهم إلى حد أن يقول لك إذا صحّت هذه الرواية التي تقول إن العبّاس وصل إلى الماء فغرف بيده غرفة من الماء وأراد أن يشرب فتذكر عطش أخيه الحسين، فرمى الماء في الفرات وقال الشعر المعروف، يا نفس من بعد الحسين هوني. العقل المادي لا يستوعب هذا السلوك،. العقل الذي ليس لديه قيم لا يستوعب هذا السلوك. العقل الذي لا يعرف ما معنى العشق، ما معنى الحب، لا يفهم هذا السلوك، كيف يرمي الماء من يده؟ العقل البرغماتي الذي لديه الغاية تبرر الوسيلة لا يفهم هذا السلوك. لكن الذي لديه قليل من المعرفة ولديه قليل من العشق وقليل من الحب وقليل من الصدق وقليل من الإخلاص ولديه عاطفة وعلاقة صادقة مع إمامه وقائده ومن يدافع عنهم من المظلومين يستطيع أن يفهم، أن يرى عظمة هذا السلوك، وليس أن يضع إشكالاً غير عقلائي على هذا السلوك، عظمة هذا السلوك، قيمة هذا السلوك، هذا الإيثار.

العبّاس اليوم عليه السلام عندما يقدم نموذجاً وقدوةً وعنواناً للجرحى والجريحات من أجل هذه القيم، من أجل هذا المعنى، من أجل أن تكونوا ونكون مثله، أهل الإيمان، أهل اليقين، أهل الصبر، أهل البقاء في الساحة ولا نخليها مهما كانت الإغراءات ومهما كانت الابتلاءات ومهما كان الصعوبات ومهما كانت التشكيكات. أهل الصبر، أهل الإيثار، أهل الجود بكل ما نملك وبكل ما نستطيع، بالأخ، بالنفس، بالولد، بالدم، بالروح، بالحياة، لخدمة القضية المقدسة التي نؤمن بها.

وفي نهاية المطاف أيها الأخوة والأخوات، لا أريد أن أعيد ما قلته السنة الماضية، ولكن أريد أن أقول لكم، في نهاية المطاف، هذه الدنيا هي دنيا محدودة، هي دار ابتلاء وامتحان، وأنتم حتى الآن نجحتم في هذا الامتحان. أبليتم البلاء الحسن، أثبتم لله سبحانه وتعالى وللملائكة الكاتبين أنكم اهل الإيمان وأهل العمل الصالح وأهل الجهاد وأهل الصبر وأهل التضحيات، وأهل التحمل. وعليكم أن تتواصوا بالصبر وأن تتواصوا بالحق، وأن تستعينوا بالصبر والصلاة لتحفظوا هذا الكنز العظيم الذي حصلتم عليه حتى الآن لأخرتكم التي هي الحياة الأبدية، حياة مليارات، مليارات، مليارات، مليارات إلى لا نهاية من السنين، من العمر الآتي، تستحق منا أن نصبر في بقية عمرنا على جراح هنا وألم هناك، وتعب هنا ونصب هناك ونحتسبه لله عز وجل، وفي عين الله عز وجل، وسنجده حاضراً أمامنا يوم القيامة.

أنتم كذلك، اسعوا أن تبقوا كذلك.

بارك الله لكم مجدداً بجهادكم وجراحكم وأوسمة الشرف العباسية الكربلائية على جباهكم وفي صدوركم وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.