الشباب اللبناني بين مطرقة الطائفية وسندان الواسطة

موقع إنباء الإخباري ـ
علا فحص:

عدد المؤسسات الخاصة والعامة في لبنان كبير كما هو معروف.
وإن أراد الشخص أن يعمل في مؤسسة خاصة، فهو يعلم مسبقاً أن هذه المؤسسات قد لا تطبّق قانون العمل اللبناني بحرفيته. وبالتالي قد لا تدخله إلى صندوق الضمان الاجتماعي أو تقوم بصرف تعويضه عند نهاية الخدمة، وقد تتلاعب بأوقات الدوام وتجعله يقوم بأكثر من مهمة وظيفية.
بالتأكيد فإن الموظف ـ ولأن لا عمل بين يديه ـ سيرضى بما تقدمه المؤسسة من راتب شهري، ولأن لا حيلة في يده فلا دعوى قضائية سيرفعها ولا سيقوم بملاحقة المؤسسة قانونياً، وسيقضي عمره راضياً بأحسن الأحوال بـ 1000$ راتب شهري ( إذا كان راتبه بهذه القيمة) رابطاً للحزام ومتقشفاً ومحاولاً أن يكون مستقبله باسماً على قدر المستطاع.
أما في المؤسسات العامة، فبعد أن يقوم الشخص بالمستحيل لتأمين واسطة (مرتّبة) تدخله في وظائف السلك العام واحتساب درجته ضمن ملاك الدولة، يبدأ مشوار العذاب من أجل الترفّع، فتعود كوابيس الواسطة من جديدـ إذا أفلح في تأمينها، ومن ثم يتخابط في اعتصامات من أجل تحصيل الزودات، كموضوع السلسلة و الرتب و الرواتب، وينتهي في أحسن الأحوال مواطناً لبنانياً محالاً إلى التقاعد، أفنى عمره بين الاعتصامات وإصدار البيانات.
وحتى عند التقاعد، قد يشترك في أكثر من اعتصام لتحصيل زودات تطرأ على تعويض نهاية الخدمة.
إذاً، فمشوار المواطن اللبناني الوظيفي في كلا الحالتين هو عبارة عن رحلة مليئة بالنق والقهر والانتظار، فلا يكون تركيزه خلالها على إعطاء مجهود أكبر في العمل ولا على مراقبة مُخرجات الجودة، مما ينعكس سلباً على النتائج المرجوة من العمل، ويكون كمن لم يؤدِّ عمله على الشكل المطلوب.
هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الشكل، فجميع المؤسسات في لبنان، ولكي يتم التوظيف فيها، تطلب ملء استمارة توظيف وتأمين نسخة عن الشهادات (في حال توفرها) ونسخة عن شهادات خبرة، وبالتأكيد سيرة ذاتية، وسجل عدلي وصور شمسية وخلافه.
آلية التقدم للوظيفة تبدو عادية ولا يشوبها شائبة، إلى أن يقرأ المتقدم للوظيفة عند ملء الاستمارة العبارة التالية: الاسم ـ العنوان ـ العمر ـ #المذهب.
فعلى ما يبدو أن المذهب والطائفة في لبنان هما معيار أساسي من أجل قبول طلب التوظيف، وإن تمتع المتقدم بدرجات من الخبرة والشهادات العلمية العالية.
وهذا حدث ويحدث كل يوم في العديد من المؤسسات الخاصة.
عدا عن أن هذه المؤسسة قد تكون تابعة لمسؤول في الدولة، لكنها تبقى في صيغة أنها مؤسسة خاصة. وبالتالي يتم سؤال طالب الوظيفة: “من قِبَل مين جايي؟” ليكون هذا السؤال مضافاً إلى معايير الاختيار.
أما في المؤسسات العامة، ومن أجل المحافظة على الوحدة الوطنية، فإن معيار المذهب لا يتم إدراجه ضمن طلب التوظيف. بل تعتمد المؤسسات على مجلس الخدمة المدنية الذي يحضّر لامتحانات جدارة يخضع لها المتقدمون للوظيفة العامة.
إلا أن معايير النجاح في هذة الإمتحانات غير واضحة، حيث أنه يمكن لعدد المتقدمين أن يكون 270 شخصاً، ينجح من بينهم 150 شخصاً، في حين أن المطلوب لملء المقعد الوظيفي الشاغر لا يتعدى 3 أشخاص.
وعلى الرغم من أن تلك الامتحانات تتمتع بالسمعة الجيدة مبدئياً، من حيث انعدام الواسطة فيها، إلا أن ما يحدث بعد صدور النتائج يبقى في قبضة الواسطة من حيث اختيار من سيفوز بالوظيفة من بين الناجحين، على أن يراعى مبدأ التنوع والتوازن الطائفي والتمثيل الصحيح عند قرار الإختيار، حسب ما ينص عليه الدستور والميثاق الوطني.
وإذا احتسبنا عدد الطلاب المسجلين في الجامعات سنوياً في جميع الاختصاصات في الجمهورية اللبنانية ـ والذي فاق ال 190ألف خريج بحسب احصاء قامت به الدولية للمعلومات للعام الدراسي 2015-2016 ـ يتبين أن هؤلاء الطلاب سيخوضون بعد تخرجهم غمار أسواق العمل، والبحث عن وظائف داخل لبنان أو خارجه، بسعيّ شخصي، من دون أي توجيه أو مساعدة رسمية من المؤسسات المعنية في لبنان، ما يسهم، إلى حدّ بعيد، في رفع نسبة البطالة، وفي هجرة قسم كبير من الشباب اللبناني إلى الخارج.
إن أغلب هذا الشباب لا يستطيع أن يحصّل واسطة تؤمن له وظيفة تليق بشهادته الجامعية، خاصة عندما نعلم أن جودة التعليم الجامعي في لبنان هي جودة عالية، حيث ذكر تقرير المنافسة العالمية للعام 2015 – 2016، أن لبنان حل في المرتبة التاسعة عشرة عالمياً من حيث النوعية الإجمالية للنظام التعليمي، وفي المرتبة السادسة من حيث نوعية الرياضيات والعلوم، ما يجعله مصدراً لأفضل المواهب التي لا تخدم المنطقة فحسب، وإنما دول العالم بشكل عام. كما حل في المرتبة السابعة والعشرين عالمياً والرابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث توفر العلماء والمهندسين.
ومن هنا، فإن مَن لم يستطع أن يضيف لشهادته الجامعية الحسنة واسطة قوية وفرصة حقيقية لإيجاد وظيفة ومنصب مناسب، سينطلق نحو فتح مصالح وأعمال خاصة تكون بديلاً عن الوظيفة، ليتخابط في واسطات من نوع آخر، كتأمين خط كهرباء عند انقطاع التيار الكهربائي أو للتواسط عند مالك المتجر لإمهاله وقتاً لتسديد رسوم الأجار.
هذا هو واقع الحال في لبنان، فلا الشهادة الجامعية تكفي، ولا فتح مصلحة خاصة يكفي، ويبقى المستقبل معلقاً على تخوم مؤسسات خاصة وعامة، قد تقضي على حلم وطموح أي شاب وشابة لبنانيين، إن لم يكن هناك مخارج عملية تساعد على تحقيق كل طموح لبناني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.