المحكمة والإعلام والسيادة

tribunal-international

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

تؤكد تصرفات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مجددا جميع الشكوك والظنون التي أحاطت بها منذ إنشائها في حالة لا تخلو من الريبة الدستورية والسياسية دفعت إلى الطعن بشرعيتها واعتبارها كائنا أحدثته الهيمنة الأميركية وفروعها وأدواتها للوصاية والتدخل.

أولا  رغم جميع الشكاوى من التسريبات الإعلامية الدولية المنظمة التي تناولت عمل المحكمة لم تنشر دوائرها أي معلومة تفيد بأن تحقيقا جديا جرى لكشف المسربين ومحاسبتهم رغم الاعتقاد بأن بعض الاستقالات والتغييرات كانت تحت ضغط انكشاف التسريبات ومصادرها ونتيجة الضجة الإعلامية التي أثارتها في لبنان ،علما ان العديد من تلك التسريبات تضمن التصريح عن الكثير من تفاصيل التحقيقات وكشف عن خطوات لاحقة جرت بالفعل  وأغلب الظن عند المتابعين ان جهات مخابراتية نافذة داخل المحكمة وهي اميركية إسرائيلية وفرنسية خصوصا تولت التسريب لخدمة غايات سياسية لا صلة لها باختصاص المحكمة المعلن او بالعدالة من قريب اوبعيد .

لم تتخذ المحكمة لنفسها صفة أو صلاحية استدعاء او محاكمة أي من الصحافيين ووسائل الإعلام العالمية التي سربت معلومات كثيرة حامت شبهات أكثر عن تورط موظفين كبار في المحكمة بمدها بالمعلومات التي نشرتها لكن المحكمة نفسها تستبيح القانون اللبناني جهارا في ادعائها على صحيفة الأخبار وقناة الجديد بكل بساطة وربما كان مفهوما لو اختارت المحكمة التقدم بشكوى امام القضاء اللبناني الذي تتصرف على انها منتدبة وصية عليه فقد حولته إلى واسطة لنقل مراسلاتها وتبليغاتها داخل البلاد.

تقدم  المحكمة الكلام عن عملها مقرونا بتعابير متكررة عن أرقى معايير الشفافية والنزاهة والعدالة وهذا ما يقضي عرفا بأن تكون المحكمة حريصة على التفاعل الإعلامي مع نشاطاتها وقراراتها وان تصمم على وضع ما تقوم به تحت الضوء وأن تمتلك إجابات صريحة عنه للرأي العام اللبناني المرتاب أصلا من طريقة إنشائها وتمويلها وأسلوب عملها والطريق الطبيعي إلى ذلك هو تحصين حرية الإعلام اللبناني والتمسك بدوره الكاشف والمراقب لكن تعمد المحكمة لاستهداف الإعلام اللبناني ومحاولتها لتكبيله  يعزز الاعتقاد بأنها تبطن خلاف ما تزعم .

ثانيا  تعمل وسائل الإعلام اللبنانية  تحت مظلة  القوانين اللبنانية السارية والنافذة والقفز فوق هذه الحقيقة يمثل اعتداءا على سيادة الدولة اللبنانية ومحاولة لفرض سوابق تجعل المحكمة سلطة وصاية على اللبنانيين مع تصميمها على تجاوز اختصاصها المفترض والمحصور .

في مراحل سبقت وخلال تحضير ولادة المحكمة تم كشف لبنان بأهله وبمؤسساته دون استثناء امام جهات التحقيق الدولي التي تستوطن المحكمة وتحت ترهيب قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وما تلاها من جرائم اغتيال قام فريق سياسي لبناني مستفيدا من حماية دولية وإقليمية معروفة بخرق الدستور وانتهاك القوانين تحت شعار التحقيق الدولي وجرى تبني نظريات اتهامية تبين انها حبكت سياسيا عن قصد وخارج معايير العدالة كليا وكانت تحضيرا لحرب إسرائيلية كبرى أعدت خططها في واشنطن وقد أدت هزائم الخطة السياسية والحرب الإسرائيلية المواكبة إلى تفكك مرتكزات اتهام التحقيق الدولي وانهيارها فتم التراجع عنها ولكن الاستعمال السياسي لسلطات الاتهام في المحكمة الخاصة ما يزال مستمرا وقد اوجدت له وظيفة محددة هي منع انتقاد المحكمة  بتحويل كل انتقاد أو نقاش إلى تحقير وباتخاذ المحكمة لنفسها صلاحيات فوق الدستور اللبناني والقوانين اللبنانية ومرجعياتها .

السلطة السياسية الخانعة تسلم للمحكمة بما تستبيحه لنفسها من مقومات السيادة الوطنية وهي لا تحرك ساكنا في وجه ممارسات منافية للأعراف والأصول ومن المفترض ان تقوم حركة اعتراض واسعة ترغم المسؤولين على الخضوع لما يزعمونه عن “قدسية الحرية الإعلامية في بلاد الأرز ” وتضع حدا لذلك النفاق المخادع الذي بات حرفة يجيدها الساسة اللبنانيون .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.