باكستان ليست الوجهة الجديدة لداعش!

موقع إنباء الإخباري ـ
هادي حسين:

صحيحٌ أن داعش بدت مُنكفئة العام الماضي فيما تطلق عليه ولاية خراسان، وتم صدها مراراً في المناطق الشرقية من أفغانستان، كما ساهمت العملية الأمنية التي يقوم بها الجيش الباكستاني في المناطق القبلية بتقويض الجماعات الإرهابية والحدّ بشكلٍ كبير من نشاطها، بيد أن التطورات الميدانية الآخيرة في المنطقة، لا سيما معركة حلب في الشمال السوري على الحدود التركية شكلت مفصلاً مهماً للجماعات الإرهابية والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، التي لا يظهر للآن جديتها في محاربة الإرهاب. فالولايات المتحدة الأمريكية  لا تظهر بأنها بصدد القضاء على داعش، بل على العكس من ذلك، أثبتت تقارير تورطها، ودولاً إقليمية، بدعم داعش في كُلٍ من سورية والعراق، وهناك سعي لإعادة إنتاج داعش ليتم في مرحلة لاحقة إيكالها مهمة تصدير الفوضى وسرقة مقدرات الشعوب، كما سبق لها وأن نهبت الدول الراعية لها نفط سوريا والعراق من خلالها.

بناءً على القول بإن داعش الآن بحاجة مُلحّة لإعادة إنعاش أو كما قلنا سابقاً لإعادة إنتاج بعد تتالي الضربات الموجعة والقاسية التي تلقتها في سوريا والعراق، نسأل :

ما هي العوامل التي تجعل من فضاءٍ ما ملائماً ومناسباً لإعادة إنتاج التنظيمات والجماعات المتشددة؟ ما المقصود بولاية خراسان؟ وهل الولاية وجهة داعش الجديدة؟ فيما إذا كان الجواب بنعم، فباكستان أم أفغانستان هي المكان المُهيأ لإستقبال الإرهابيين الوافدين من منطقة الشرق الأوسط؟

أولاً: في العوامل المساعدة لإعادة إنتاج وتمدد التنظيمات المتشددة

صحيحٌ أن ظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية شهدت تحولات كثيرة وفي عمق الظاهرة، لا سيما مع تلبُّس الإرهاب أشكالاً جديدة ومختلفة عما عهدناه مع ما كان يُعرف بـ “مجهادي أفغانستان” ، و”القاعدة”، لكن وعلى الرغم من التحولات الجوهرية التي طرأت على ظاهرة الإرهاب، ثمة ثابت في هذه الظاهرة يتمثل بأن الإطار الثقافي، الإجتماعي والسياسي لبلدٍ أو إقليمٍ ما، إلى جانب عجز وضعف السلطة في بسط سيادتها ونفوذها، هي العوامل الرئيسية وراء نشوء ظاهرة الإرهاب وتمدد التنظيمات الإرهابية .

ثانياً: داعش و ولاية خراسان

في الآخر من كانون الثاني/ يناير 2015 ، كان قد أعلن المتحدث بإسم داعش “أبو محمد العدناني” ضم ما يُعرف بولاية “خراسان” إلى مناطق نفوذ التنظيم، وأعلن من خلال شريط فيديو مُسجّل تعيين “حافظ محمد سعيد ” ـ من قادة طالبان باكستان السابقين ـ والياً على ما يُسمى إقليم خراسان، وعبد الرؤوف خادم ـ أحد قادة طالبان أفغانستان البارزين ـ نائباً للوالي وقائداً عسكرياً للتنظيم في إقليم خراسان.

بالتالي فولاية خراسان فرعٌ تابعٌ لما يُسمى تنظيمُ الدولة الإسلامية (داعش) الذي اعتبر باكستان وأفغانستان مناطق نفوذ ومحل نشاط الولاية .

ثالثاً: داعش في باكستان

اقتصر نشاط داعش في باكستان على إعلان بعض قيادات الجماعات التكفيرية كطالبان باكستان وعسكر جهنغوي ولاءهم وبيعتهم لأبو بكر البغدادي، إضافةً إلى رفع رايات التنظيم وكتابة شعارات مؤيدة لداعش على جدران بعض المناطق.

رسمياً أكد المسؤولون الباكستانيون غير مرةٍ أن “لا وجود مُنظماً” لداعش في باكستان، إن على لسان تشودري نثار علي خان وزير الداخلية الباكستاني أو من خلال اللواء عاصم باجوة مسؤول العلاقات العامة والمتحدث باسم قيادة الجيش السابق، فضلاً عن إعلان الداخلية حظر التنظيم في باكستان وملاحقة من يثبت إنتماؤه للتنظيم أو أنه على علاقة معه.

هذا وتحرص إسلام آباد من جهتها على مراعاة مخاوف حليفتها الاستراتيجية الصين من التنظيم، وإحتمال تنامي نفوذه فيما يُسمى بولاية خراسان، لا سيما بعد افتتاح ميناء غوادر، ودخول إستثمار القرن ( 42 مليار دولار) مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني مرحلة التنفيذ، بعد جهود باكستانية قادها رئيس هيئة الإركان السابق الجنرال رحيل شريف كُللت بالنجاح في إقناع بكين من خلال تقديم إسلام آباد ضمانات أمنية وسياسية ليرى مشروع الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني، الذي تعوّل عليه إسلام آباد، كثيراً النور.

رابعاً : داعش في أفغانستان

كانت قوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان والحكومة المركزية في كابول أول من أعلن عن وجود “التنظيم” في أفغانستان، وبحسب تقرير للأمم  المتحدة صدر في أيلول/ سبتمبر  (2015) ، فإن المتعاطفين مع ” التنظيم ” ينتشرون في 25 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية.

هناك الكثير من المعطيات الواردة في تقارير أمنية وإعلامية تتحدث عن توسع نفوذ “داعش” بشكل أكبر شيئاً فشيئاً في أفغانستان، بل فرضت نفسها كعامل مؤثر في الساحة الأفغانية، من خلال تعزيز وجودها كواقع فرض نفسه على الحكومة المركزية وطالبان على حدٍ سواء، نظراً لمجموعة أسباب متعلقة بنفس طبيعة افغانستان والمشاكل التي تعاني منها، نشير إلى أهمها بإيجاز:

  • الانشقاقات والتصدعات في الجماعات الإرهابية الأخرى، لاسيما طالبان، التي تُعاني مُنذ إعلان وفاة زعيمها السابق المُلا عمر، من انشقاقات بين القيادات الوسطى الرافضين للمحادثات مع الحكومة.
  • ضعف السلطة المركزية في كابول وعجزها عن بسط نفوذها في كافة الأقاليم الأفغانية بسبب تركيبة الحكومة الوطنية من جهة، وحضور القوات الأجنبية من جهة أخرى. أضف إلى ذلك، تفشي الفساد داخل المؤسسات الرسمية الذي ساهم في إضعاف الدولة وتصاعد نفوذ طالبان داخل هذه المؤسسات، بحيث أصبحت طالبان دولة داخل الدولة.
  • بروز أمراء الحرب ومافيا المخدرات كطابور خامس له نفوذه وارتباطاته الخارجية التي تغذي مصالحهم الشخصية والقبلية على حساب المصلحة الوطنية الأفغانية.

في الخلاصة ، داعش مع بداية 2017 ليست كداعش في 2014 ، وهي الآن في مرحلة تقهقر فرضته إنجازات الجيش السوري وحلفائه في حلب من جهة، والجيش العراقي في الموصل من جهة أخرى. والكلام عن عودة الإرهابيين إلى بلدانهم، وبالتحديد إلى آسيا الوسطى، أصبح واقعاً لا مفر منه. ويُخمّن خبراء، بناءً على معطيات متراكمة، أن أفغانستان هي البيئة الأكثر تقبُلاً واستعداداً لاستقبال جحافل الإرهابيين العائدين من الشرق الأوسط، على العكس من باكستان التي، إلى الآن، فشلت داعش في الظهور فيها كتنظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.