“بالِيتسايي” سُورية.. أمريكان وصهاينة العَصر

 

موقع إنباء الإخباري ـ
مروان سوداح*:

شاعت في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الروسية – الألمانية كلمة “باليتسايي”، التي كانت تَعني باللغة الألمانية “شرِطة”، لكن الشعب الروسي وقواه الحيّة وأصدقاء وحُلفاء روسيا، التي قاتلت المُحتل النازي وانتصرت عليه في حرب ضروس وطويلة ومؤلمة ومُكلفة، كان يَفهم مَعنى هذه الكلمة على أنها العُملاء والعَمالة والتابعين للهتلرية والمحتل الألماني الإحلالي على الارض الروسية، والناهب لها.

ومِن المُفيد التنويه هنا، في استعادة سريعة للتاريخ ومُفيدة للسياسيين الوطنيين المُعاصِرين مِن كلِ النِحل والمِلل وبضمنهم العرب، إلى أن “باليتسايي” لم تكن تعني أبداً في العقل الجَمعي الروسي، أية “مُعَارَضَة” لموسكو و/أو ونظامها السياسي ودولتها وشعبها، بل عَنت وبصرامة ووضوح ومُباشرة: العَمالة والعُملاء، الإجرام والمجرمون، وكل مَن هم على شاكلتهم، فلم يكن أنذاك في العهد الستاليني مِن مجال للعفو عن العُملاء وبائعي الإنسان والأوطان والبُنيان، أو للتعاطف معهم وتبرير عمَالتهم ووحشيتهم وارتباطاتهم الخارجية، وهو بالذات ماجعل الغرب، كل الغرب السياسي، والصهاينة وأشياعهم، يَحقدون على شخصية ستالين، ويَكيلون إليها مختلف الاتّهامات، ويلصقون بها شتى الفبركات السياسية، وهو الشيئ الذي يتكرر اليوم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والبوتينيين، حين يوجّه الغرب كامل آلته الإعلامية بهدف شيطنته والنظام الوطني الروسي البوتيني، للنيل منهم، رداً على إنقاذ بوتين سورية، وليس “الشرق الأوسط” وروسيا فحسب، من الارهاب الدولي الفالت من عِقاله، والذي هو في الواقع والفِعل إرهاب غربي، توسعي وعدواني بطبيعته التي يستحيل تغيير كروموسومات أصحابها.

إلا أن الـ”باليتسايي” لم تنتهِ واقعاً ومعنى بانتهاء الحرب العالمية الثانية وعدوان برلين على موسكو والروس، كما ولم يتوقف استخدام هذه الكلمة وتوظيفها في عالمنا المُعَاصِر وأحياناً بصيغ أخرى.

ففي اوكرانيا الحالية على سبيل المِثال لا الحصر، يَصف جزء كبير من الشعب الاوكراني القيادة الانقلابية الحاكمة والتشكيلات التي تساندها بـ”الباليتسايي”، كنايةً عن التبعية للأجنبي الطامع والخضوع المُذل له بتنفيذ رغباته القتّالة، وتأكيداً على تماهي الانقلابيين مع الخطط الجهنمية لقوى الهيمنة الدولية على دولة اوكرانيا وجارتها السلافية روسيا.

كانت الـ”باليتسايي” في الحرب العالمية الثانية مُجهّزة ومدربة على يد الفاشيين والنازيين، الذين نشطوا بتصوير هذه الحثالات على أنها “مُعارَضة حقيقية” للنظام الاشتراكي، ومعبِّرة عن القيم الروسية وروسيا والطهارة السياسية(!)، لكن الـ”باليتسايي” كانوا مجرّد تابعين حُقراء للجيوش الألمانية على الأراضي الروسية والسوفييتية، وإن كان عديدهم يَصل الى مليون عميل، كما تُقدّر ذلك بعض المَراجع الإعلامية الروسية وعلى ذمّتها، وقد كان هؤلاء جَيشاً غربياً بكل ما في الكلمة مِن مَعنى، يتحدّث أتباعه باللغة الروسية ولغات قوميات الاتحاد السوفييتي الاخرى، وإن كانوا عملياً يكرهون هذه اللغة ويُعادون المتحدثين بها!

وقد كان جَزاء كل هؤلاء “الباليتسايي” الإعدام رمياً بالرصاص وبدون محاكمة على يد الجيش الأحمر والأنصار السوفييت، الذين نشطوا عسكرياً في مؤخرة الجبهة، على الاراضي التي احتلتها جيوش هتلر ودول المحور المُناصِرة له والمتعددة الجنسيات والقوميات، ولم ينج منهم أحد في روسيا والاتحاد السوفييتي، لكن عدداً منهم فروا الى الغرب بعد انتصار موسكو في الحرب، وتمتّعوا هناك بحماية سياسية وأمنية كاملة، وصاروا بقدرة قادر معارضة “جديدة” لموسكو، وممثلين للروسيا، وهي الصورة المطابقة نفسها لِما يُسمّى بالمعارضة السورية، الناشطة في فنادق الخمس نجوم بالدول الغربية وأنقرة وبعض العواصم العربية، وها هم يُمثّلون مِن هناك بالذات الشعب السوري!!!

واليوم، ومنذ عام2011، تكثر الأصوات التي تتحدث في الغرب وغير الغرب أيضاً، عَما يُسمّى بالمعارضات السورية، العراقية والليبية، في حلب، ودير الزور، والباب، وطرابلس، والموصل وبغداد، والشيشان، وتتارستان، وفي أقاليم غرب ووسط الصين وغيرها، وما إليها من “معارضات” مَصنوعة ومُصَاغة بقوالب غربية، ومُموّلة ومُدَارة سياسياً وعسكرياً على يد الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية، باعتراف مباشر وعلني بلسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في تصريحات رسمية لها وفي كتابها الأخير (خيارات صعبة)، الذي يَفضح التآمر الامريكي والغربي والتابعين لهاتين الجهتين على شعوبنا وشعب روسيا والعالم أجمع، واقتراب البيت الابيض من النجاح بالاعلان عن دولة داعش في سورية والعراق، واعتراف عشرات زعماء العالم بها، بطلب أمريكي صريح ورسمي ومباشر ولا رجعة عنه!

وفي سورية على وجه التحديد، وخلال مأساة حلب، تتسع الأصوات غير السورية التي تدّعي وجود “معارضة سورية”، تقاتل ضد الجيش العربي السوري، ويتم الترويج لـ”ضرورة” “التعاون” معها، والعمل على إجلائها عن المدينة وضواحيها، وعن بقية المناطق السورية لأهداف خبيئة عديدة، لكن هذه الفبركات الإعلامية إنما تعني شرعنة الـ”باليتسايي” في سورية، وقوننة دولية لها وللفيف آخر من العملاء الدوليين للأجنبي، تحت يافطةٍ معارِضة للنظام السياسي السوري والدولة السورية ومؤسساتها.

إن ما يُسمّى بالمعارضة السورية ما هي بمعارضة أبداً، فلا هي سلمية ولا هي مستقلة ولا منطقية بطابعها ويومياتها، ولا برنامج وطني أو اقتصادي أو تحرري لديها، ولا هم قادتها يعملون في سورية، ولا هم عملوا مع شعبها السوري ولا الى جانبه، وجُلّهم من الأفغان والباكستانيين والشيشانيين المنشقين، الاردنيين والسعوديين، الأتراك والبريطانيين، الامريكيين والإيغوريين وغيرهم من قوميات كثيرة، ممن لم يعرفوا في حياتهم حتى أين تقع سورية وما هي، ومَن هو شعبها، وكل ما بات يعرفه وحوش هذه “المعارضة” هو العلاج الأسرع لجرحاهم في المستشفيات الصهيونية، وفخارهم بالتبعية لدول سايكس – بيكو، وتسلّحهم على نهج زعيمهم وأبوهم الروحي عبدالله عزام، بأسلحة أمريكية وغربية وعثمانية… لكن في المنطق الغربي، “المعارضة” يمكن ان تكون، بل يجب ان تغدو قاتلة للبشر، وقاطعة لرؤوس الأطفال، وملتهمة لأحشاء الآدميين.. فهنيئاً لهذا اللفيف كله وبصداقتهم لهكذا معارضة قولاً وفعلاً!

*مُتابِعٌ للشأنين الروسي والصيني ورئيس رابطة محبي بوتين وأصدقاء الروسيا للاردن والعالم العربي؛ ورئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.