جولات صامتة للحريري إلى البحرين وأبو ظبي… وجولات صاخبة لمشاورات بعبدا

 

صحيفة البناء اللبنانية ـ
كتب المحرّر السياسي:

بدت القيادة السعودية، بدعم أميركي «إسرائيلي» مباشر، وقد وضعت أولويتها نحو خوض معركة البحر الأحمر، من بوابة السيطرة على ميناء الحديدة اليمني، فولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يصعّد بوجه إيران يدرك أنّ الحرب المباشرة فوق طاقة السعودية، ولا يريدها إلا طلقة أخيرة تمهّد لطاولة التفاوض، التي يريدها كما يريد «الإسرائيليون» أن تضمّ ملفات المنطقة كلها قبل انعقاد شروط التسوية السورية، ويكون الملفان اللبناني واليمني أبرز ما عليها، بين السعودية وإيران، برعاية دولية. لكن معركة حسم الحديدة هي المدخل لتحسين الوضع، وإحكام السيطرة على البحر الأحمر، وأسباب بن سلمان الداخلية لحربه كثيرة، لكن الأسباب الأميركية «الإسرائيلية» محصورة بالحصيلة التي أسفرت عنها معارك السنوات الماضية على بحار المنطقة، فبحر قزوين صار بحيرة روسية إيرانية، مع انضمام أذربيجان وكازاخستان إليهما، والبحر الأسود حسم بوجود روسيا وتركيا في ضفة واحدة، وهما الدولتان الوازنتان على ضفافه، والخليج ساحة تقابل خطيرة لا تحتمل حرباً بين إيران من جهة وأميركا والسعودية من جهة أخرى، والبحر المتوسط هو بحر التوازنات ورسم المعادلات، حيث يوجد الجميع، وخصوصاً أمن «إسرائيل» المباشر التي لا تحتمل حرباً تخسرها، وقد صار الروس فيه أكثر مما كان عليه حال الأميركيين يوم أسموه بحيرة أميركية، ففرص إقامة التوازن محصورة بالنسبة للأميركيين و»الإسرائيليين» ومن ورائهم السعوديين بالسيطرة على البحر الأحمر، وفي قلبه اليمن، حيث يثبت أنصار الله مقدرتهم على الصمود وفرض معادلات جديدة، وحيث قبالتهم في جيبوتي قواعد صينية، وفي أريتريا كما تقول «إسرائيل» والسعودية قواعد للحرس الثوري الإيراني، وبالتالي لا بدّ من حسم الساحل اليمني لإعادة التوازن إلى البحر الأحمر نفسه، وليس لحسم السيطرة المستحيلة عليه.

لبنانياً، تبلورت الصورة بوضوح أكبر، فالقناعة اللبنانية الجامعة، هي أنّ الوضع الذي توحي به الصور التي تبث لتنقلات رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، وقد شملت أبو ظبي والبحرين، وبقيت زيارات صامتة، تؤكد الشكّ باليقين أنه «استُقيل» ولم يستقِل، وقد عبّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزواره في مداولات صاخبة شهدها قصر بعبدا، عن تساؤلات من نوع، طالما يمكن للحريري التنقل بحرية، فلماذا لا يأتي لساعات إلى بيروت ويقدّم استقالته ويشرح أسبابه؟

تنقل المصادر المطلعة على حصيلة المشاورات تلخيصاً للمشهد الذي أراده السعوديون لتفجير لبنان، نسبة من التفاهم على وصفة مواجهة مساعي التفجير، تنبع من قراءة معنى الكلام «الإسرائيلي»، أنّ الاستقالة نتيجة لـ «إدراك السعوديين أنهم فشلوا في محاولتهم التأثير على مسار السياسة اللبنانية من خلال رئيس الوزراء. في الواقع، وأنّ الضرر كان أكثر من المنفعة من الاستقرار السياسي الحالي. عند هذه النقطة، هزّ السياسة اللبنانية لديه فوائد أكثر للسعوديين».

الوصفة السحرية هي إجماع على تحرير الحريري، وبعد عودته وإصراره على الاستقالة، إجماع على إعادة تكليفه، طالما أنّ تشكيل حكومة جديدة يحتاج توافقاً، يسرّع وجوده ولادة الحكومة، ويعطل ولادتها غيابه، وفي أسوأ الأحوال يبقى الحريري رئيساً مكلفاً بلا حكومة جديدة يرأس حكومة تصريف أعمال حتى موعد الانتخابات، وهذا سيكون سهل الإنجاز ولو قرّر السعوديون فرض تسمية مرشح آخر على تيار المستقبل فتأمين أغلبية تسمّي الحريري لرئاسة الحكومة متوفرة دائماً، إذا قرّر الثلاثي التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله السير بالتسمية لأنه سيكون سهلاً جذب كتلة النائب وليد جنبلاط وآخرين كثراً للمشاركة بالتسمية.

الانتظار سيد الموقف

لم تبرز أي معطيات جديدة تؤشر الى الاتجاه الذي ستسلكه الأمور في مرحلة ما بعد إقالة السعودية رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وانتظار عودته الى بيروت سيّد الموقف والتمسك بالوحدة الوطنية لتجاوز الأزمة. هذا كان حصيلة مشاورات يوم طويل بين أركان الدولة والقوى السياسية المختلفة في قصر بعبدا والمقار السياسية، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثابت على موقفه بانتظار عودة الحريري الى لبنان للوقوف عند أسباب خطوة الاستقالة ليصار الى اتخاذ القرار المناسب، ويؤيده في ذلك رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبالتالي لن يقدم الرئيس عون على أي خطوة دستورية قبل جلاء المشهد الضبابي في الرياض.

وفيما تترقب البلاد العودة «الطوعية» المنتظرة للحريري الذي رُصِد متنقلاً أمس، بين الرياض وأبو ظبي وربما البحرين، كانت الدولة اللبنانية أشبه بحالة طوارئ سياسية، حيث شهد قصر بعبدا مشاورات واسعة شملت رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين والقيادات السياسية، أبرزهم الرئيس السابق أميل لحود الذي يزور قصر بعبدا للمرة الاولى منذ انتهاء ولايته، ورئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.

وأكدت مصادر قصر بعبدا لـ «البناء» أنّ «التريّث سيّد الموقف بانتظار عودة الرئيس الحريري الى لبنان. صحيح أنّ بعض مسؤولي تيار المستقبل تحدثوا عن عودته خلال أيام، لكن لا شيء مؤكداً حتى الساعة». وتشير المصادر إلى أنّ هذه اللقاءات تأتي في سياق المشاورات السياسية، اذ لا يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تمارس عملها بغياب رئيسها، فرئيس الحكومة يجب أن يكون في السراي ورئيس الجمهورية لن يسمح بتجاوز دور الرئاسة الثالثة ومن هذا المنطلق يجهد للخروج من الأزمة المتأتية من الاستقالة.

كما شهدت المقار الحزبية والروحية حركة مشاورات كثيفة للتداول بالأزمة المستجدة وتحديد التوجهات الجديدة.

وقد توجّه وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى الضاحية الجنوبية والتقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حيث تمّت مناقشة الأحداث وظروف استقالة الحريري، وكانت الاجواء جيدة. وانتهى اللقاء، بحسب المعلومات بأن لا مخاوف من المرحلة المقبلة.

من جهة ثانية طمأن وزير العدل سليم جريصاتي بعد لقاء جمعه في قصر العدل مع النائب نوار الساحلي ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، إلى أن الاتجاه هو نحو السلام والهدوء وضبط التداعيات، بانتظار عودة الحريري والحرص عليه، وأكد أن حزب الله تحت غطاء رئاسة الدولة.

وكان لافتاً وللمرة الثانية البيان المقتضب والخارج عن المألوف لكتلة «المستقبل» النيابيّة التي عقدت اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة النائب فؤاد السنيورة، ما يعكس استمرار التخبّط والإرباك الذي أصاب «الكتلة الزرقاء» و»البيت المستقبلي»، حيث تمنت «خروج لبنان من الأزمة التي يمرّ بها في هذه المرحلة في غياب رئيس الحكومة». ولفتت إلى أنّها «تنتظر عودة الرئيس الحريري، وقرّرت متابعة جلساتها المفتوحة».

وقد حاولت السعودية من خلال الزيارات المنسقة أمنياً وسياسياً للحريري الإيحاء بأنه ليس في الاقامة الجبرية ويتنقل بحرية تامة بين الدول. فقد انتقل الحريري وللمرة الأولى من الرياض الى الإمارات العربية المتحدة، حيث استقبله ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وغادر منها الى السعودية مجدداً.

غير أن التساؤلات التي طرحت منذ اعلان الاستقالة لم تلقَ الأجوبة الشافية حتى الآن: لماذا لم يسمح لرئيس حكومة لبنان «المستقيل» أو «المقال» بالعودة الى بيروت وإعلان الاستقالة رسمياً؟ وما هي أهداف الزيارات التي يقوم بها الى دول الجوار؟ وهل سيعود الى لبنان أم ستطول إقامته في الرياض؟ وما هي الخيارات الدستورية والسياسية المتاحة في حال بقي أسيراً في المملكة؟

عون وبري وحزب الله: الحريري مرشحنا

أوساط نيابية مطلعة تحدّثت عن التقاء بين الرئيسين عون وبري وقيادة حزب الله على أن «الاستقالة حصلت بالإكراه ومن خارج الأراضي اللبنانية، وبالتالي لا يمكن قبولها بالمعنى الدستوري قبل أن يعود الى لبنان ويعلن ذلك رسمياً في بعبدا». ولفتت لـ «البناء» الى أن «أحد أهداف اقالة الحريري هو التغطية على الانقلاب في السعودية وفي الوقت نفسه استغلالها في معركة السعودية مع إيران وحزب الله ومحور المقاومة». غير أن الأوساط «طمأنت الى أن لا تداعيات أمنية على الداخل جراء التطور السياسي المستجد».

وعن الاتجاه الرئاسي في حال لم تفرج السعودية عن رئيس الحكومة اللبنانية، كشفت المصادر أن «الاتجاه هو لإعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل حكومة جديدة، وإن كان في السعودية، لإحراج المملكة ودفعها للإفراج عنه، وبما أنها أعلنت أنه ليس معتقلاً لديها فلماذا لا يعود الى لبنان؟». ونفت الأوساط «خيار ترشيح مرشح من 8 آذار بعد إصرار الجميع على ترشيح الحريري مجدداً».

وقالت مصادر تكتل التغيير والاصلاح لـ «البناء» إن «الرئيس عون مصر على استعادة الحريري قبل كل شيء، وهو رئيس حكومة في الاقامة الجبرية حتى يثبت العكس، وبالتالي سيتحرك دولياً وداخلياً باتجاه فك أسره»، مشيرة الى أن «الرئيس عون سينتظر عودة الرئيس الحريري ولن يقوم بأي خطوة قبل كشف مصيره وعودته الى بلده».

ولفتت الى أنه في حال عاد الحريري وقدّم استقالته خطياً الى رئيس الجمهورية وهذا هو الخيار المرجح، فسيعلن عون عن استشارات نيابية ملزمة يصار بعدها الى تكليف رئيس حكومة جديد، مشككة بإمكان تسمية رئيس غير الحريري، لكنها لفتت الى أن «اعادة تسمية الحريري وتكليفه تشكيل الحكومة سيفرض تفاهماً سياسياً جديداً بين عون والحريري من جهة والحريري وحزب الله من جهة ثانية، وبالتالي شروط جديدة سيفرضها الحريري لقبوله التكليف والتأليف تتعلق بالعلاقة بين حزب الله بالسعودية».

لكنها توقعت أن يطول أمد التأليف مدة شهور ليس بسبب الخلافات على الحصص الحكومية، بل على العناوين السياسية والبيان الوزاري اللذين سيحكمان عمل الحكومة وسياستها الخارجية. ورفضت المصادر أي حديث عن تشكيل حكومة من دون مكوّن أساسي كحزب الله أو حكومة لا لون ولا رائحة، موضحة أن حكومة التكنوقراط يعني تسجيل هدف في مرمى فريق الرئيس عون وقوى 8 آذار وهذا لن يسمح به.

وعما إذا كانت الاقالة صفعة سعودية للعهد في عامه الاول، أشارت المصادر الى أن «كل ما يجري يهدف الى تقويض العهد نتيجة مواقفه الوطنية المستقلة في سياق المعركة المفتوحة مع العدو الاسرائيلي والارهاب».

وأكّد التكتّل في بيان تلاه وزير البيئة طارق الخطيب، بعد اجتماعه أمس برئاسة باسيل «احترام الدستور والأصول البرلمانيّة والديمقراطية في تعامله مع التطوّرات الراهنة»، معتبراً أنّ «من واجبات رئيس البلاد الوطنية والدستورية الوقوف عند ظروف إعلان استقالة رئيس الحكومة وأسبابها، وذلك بعد عودته إلى لبنان.». وعن الانتخابات أكد التكتّل «ضرورة إجرائها في مواعيدها الدستورية، كخطوة أساسيّة على طريق تجديد المؤسسات الدستورية واحترام إرادة اللبنانيين وخياراتهم».

دار الفتوى: نقدّر مواقف رئيسَيْ الجمهوري والمجلس

وفي غضون ذلك، استمر أمس تقاطر الوفود والشخصيات السياسية والحزبية إلى دار الفتوى للتباحث مع مُفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في الأزمة القائمة.

وأعرب دريان أمام زوّاره «عن تقديره لموقف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، بالتريّث والتروّي في معالجة الأزمة التي يمرّ بها لبنان بعد استقالة الرئيس الحريري»، وأمل من جميع القوى السياسيّة «أن تتحلّى بالمزيد من الصبر والحكمة لحلّ هذه القضية الوطنيّة».

واستقبل دريان وفداً من «التيّار الوطني الحر» برئاسة باسيل، الذي أكد «أنّنا كلّنا خاسرون من جرّاء الحاصل، وكلّنا سويّاً سنستعيده بتكاتفنا حتى نخرج منه».

أميركا تغطي السعودية وروسيا قلقة

على صعيد المواقف الدولية، سُجِل أمس موقف أميركي داعم بشكل غير مباشر للانقلاب السعودي وتغطية لخطوة إقالة الحريري التي لم تأت على ذكرها السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي التي حمّلت إيران «مسؤولية دعمها للارهاب والعنف في المنطقة والعالم»، مؤكدة أن «الولايات المتحدة ملتزمة وضع حدّ للخروق الايرانية ولن تغض النظر عن هذه الخروق الجدية للقانون الدولي. لافتة الى أن «صاروخاً باليستياً أطلقه الحوثيون ضد أراضيها في تموز 2017 وكان إيراني الصنع، علماً أنه من الاسلحة التي لم تكن موجودة في اليمن قبل الصراع، وهو خرق واضح لقراري مجلس الامن 2216 و 2231.

وفي أول تعليق روسي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن «موسكو قلقة إزاء تطورات الوضع في لبنان على خلفية استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري». وأشار بيان للخارجية إلى أن «موسكو قلقة إزاء تطورات الوضع في لبنان الصديق، وباتت تهدد التوجهات الإيجابية التي كانت تتطور بشكل ناجح في لبنان منذ نهاية عام 2016، حين تم تجاوز أزمة السلطة التنفيذية بنتيجة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة ائتلافية برئاسة سعد الحريري». ودعت كل القوى الخارجية التي لها تأثير على تطورات الأوضاع في لبنان، إلى ضبط النفس واتخاذ مواقف بناءة، ما يعتبر أمراً بالغ الأهمية في ظل الأوضاع المعقدة في المنطقة بشكل عام».

توقيف اثنين من أبرز قياديي «داعش» في عرسال

وفيما كانت الدولة منشغلة سياسياً، لم تغفل العيون الأمنية عن تحركات خلايا الارهاب النائمة التي تتحين الفرص والأزمات للانقضاض على لبنان بعد هزيمتها المدوية في الجرود الصيف الماضي.

وقد تمكنت مديرية المخابرات بحسب بيان المديرية من توقيف أحد أبرز قياديي تنظيم داعش الإرهابي اللبناني إبراهيم أحمد زعرور والسوري عدي حسين الخطيب، واللذين شاركا في المعارك ضدّ الجيش اللبناني في عرسال، ورصد ومراقبة تحركات الجيش، وتخطيطهما لعمليات إرهابية عدة بواسطة سيارات مفخخة وعبوات ناسفة لاستهداف مراكز الجيش، بالإضافة إلى مشاركة الثاني في تفجير مقرّ هيئة علماء القلمون في عرسال واستهداف دورية الجيش أثناء توجّهها إلى مكان الانفجار وتواصله مع أبو الورد المرتبط بانتحاريي القاع.

مناورات «إسرائيلية»

وفي سياق أمني آخر، أفاد الإعلام الحربي في المقاومة عن سماع أصوات انفجارات في مزارع شبعا ناجمة عن مناورات يجريها الجيش «الإسرائيلي» في الجولان وتنتهي الخميس المقبل.

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.