داعش لمْ تَنقرضْ بَعد في سورية


 أعلنَ مصدرٌ عسكريّ سيطرةَ الجيش السوريّ بالتعاون مع القوّات الحليفة على كامل حوض الفرات بعد سيطرته على 27 مزرعةً وقريةً وبلدةً كانت تُمثّل آخرَ وجودٍ فعليّ لإرهابيي “داعش” في تلك المنطقة.

وبهذا الإنجازِ يُمكنُ القول إنَّ دولةَ الخِرافَة الداعشيّة قد تلاشت بعد الضرباتِ المُحكمةِ التي وجّهها الجيش السوريّ وحلفاؤه إلى هذا النبتِ الغريبِ عن سورية، لكن لم يتمّ القضاء النهائيّ على داعش في سورية كما جاءت بعض التصريحات الروسيّة.

ربّما تَعجّل الحلفاء الروس بإعلانِ القضاء التام على داعش في سورية، إذ ليسَ الأمرُ مُتعلِّقاً فقط بجيوبٍ مُتبقّية لفلولِ التنظيم غربي الفرات الذي تقول المعلومات إنَّهُ تمَّ سحب أعدادٍ كبيرةٍ من فلولٍ أُخرى شرقي الفرات إلى تركيا بتواطؤٍ من قوّات “قسد” المدعومة أمريكيّاً، ومِنْ ثمَّ عبر السفن إلى ليبيا وسيناء.

بل إنَّ التنظيمَ الذي أدركَ قادته منذ استرجاع تدمر للمرّةِ الثانية، وكسر الحصارِ عن دير الزور أنَّه لمْ يَعُدْ بمقدورِهم الاحتفاظ بأيّ أرض، لتطبيقِ نموذجِهم للدولةِ المنشودة، وبالتالي لا بدَّ وأنّهم انتقلوا للخُطّةِ البديلةِ، وهي العودةُ إلى العملِ السرّي، وزيادة عدد الخلايا النائمة.

ولعلَّ باكورة أعمالهم كانت في حي عكرمة بحمص قبل أيّام، حيث قامت إحدى خلايا التنظيم في حمص بزرعِ عُبوةٍ ناسفةٍ في حافلةٍ تقلُّ طالباتٍ جامعيّات، ما أسفر من مقتلِ 13 شخصاً.

لا يمكنُ فهمُ هذا التنظيم دونَ معرفة تفاصيل نشأته العراقيّة بُعَيدَ الاحتلالِ الأمريكيّ 2003 تنظيم “الدولة الإسلاميّة في بلاد الرافدين” والمراحل التي مرَّ بها، ومنها السرّيّة التي لجأ إليها بعد العام 2009، وهو الابن المُباشر لتنظيمِ القاعدة، الذي يُعتَبرُ من أخطرِ الحركات السرّيّة في العالم، ولا يقدح هذا في شبهة التأسيس والمتابعة والاختراق الغربيّ له، ومسارعته إلى الخروج مُجدّداً للعلنِ أواخر العام 2012 مُستغلّاً ما سُمِّيَ يومها انتفاضة العشائر لإسقاط النظامِ العراقيّ ومن ثمَّ السيطرة على ثُلثِ مساحة العراق منتصف العام 2014.

ورغم تراجع قدرات التنظيم في الداخلِ السوريّ على تنفيذ عمليّاتٍ إرهابيّةٍ كبيرةٍ كتفجيراتِ حِمص وطرطوس بدرجةٍ أقلّ والمتكرِّرة 2015 و2016، فإنَّ اندحار التنظيم جغرافيّاً قد يدفع لإعادة ترتيبِ صفوفه، وضربِ الأمن والاستقرار في المناطق المُحرَّرة بالأخصِّ في محافظاتِ حِمص ودمشق وطرطوس واللاذقية.

ومن جهةٍ أُخرى، ففلولٌ بالمئاتِ من التنظيم تمكّنت من الوصولِ إلى ريف حماة الشّماليّ الشرقي، وهي تنتزع القرية تلو الأُخرى من قبضةِ غريمه وتوأمه السياميّ ” جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام “، وآخر إنجازاتِه السيطرة على قرى “عنبز، ومويلح الصوارنة، وأبو حية، ورسم الأحمر، وأبو خنادق” وقتله أكثر من 125 من مسلّحي النصرة، ما يعني إمكانيّة إعادة نشوءِ جيبٍ جديدٍ له في إدلب بالأخصِّ مع وجود أنصارٍ له وجماعاتٍ مُبايعة وبالأخصّ “جند الأقصى” التي يتركز وجودهم في هذا الريف.

وقد يكونُ هذا الاحتمالُ يصبُّ في مصلحة سورية والحلفاء، فتمدّد داعش في إدلب يعني إراحة الجيشِ السوريّ وإزاحة نسبة من الإرهابيّين أمامه، وفصول جديدة من اقتتالِ الجماعاتِ الإرهابيّة.

فمنحى سير المعارِك بين داعش والنصرة يُشيرُ إلى انتصاراتٍ مستمرّةٍ للدواعش، وتوسّعٍ مُستمرٍّ للجيب الذي أنشأوه في ريف حماة الشّماليّ الشّرقيّ باتّجاه ريف إدلب، وتكبّد النصرة خسائرَ فادحة.

خُلاصةُ القولِ إنَّ داعشَ الدولة الخُرافيّة انتهت إلى الأبد في سورية، لكنَّ الإرهاب الذي تُمارِسه داعش، ومدارس داعشيّة مُختلفة ترتدي قناع “الثورة” في سورية يحتاجُ إلى جهودٍ أمنيّةٍ مُضاعفةٍ بعد القضاءِ على جيوبِهم العسكريّة المتبقّية في محيطِ دمشقَ وحِمص ودرعا وإدلب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.