غلطة الكبار كبيرة.. يا فخامتكم

michel-sleiman(2)

نعم للحوار ولا بديل عنه في النهاية، ولا لمقاطعة دعوة، سواء وجَّهها رئيس الجمهورية أو سيِّد صرح بكركي، أو سواهما من المقامات المدنية أو الصروح الدينية، لكن من الصعب أن تُفتح طاولة الحوار بقلوب وعقول مفتوحة والجرح الذي فُتح عبر إطلالة رئيس الجمهورية من كسروان وعمَّقته أكثر إطلالته من جبيل لا يُداوَى بجلسة على طاولة حوار.

قد تكون مقصودة المناطق التي اختارها الرئيس للهجوم على المقاومة، ليس لأن كسروان وجبيل هما ضد خيار المقاومة (لا قدّر الله)، بل ربما لأن للرئيس خياراته وطموحاته بعد تقاعده، وأفضل منطقتين لمنازلات انتخابية نيابية تناسبان الرئيس هما كسروان وجبيل، وهذا حقّه، لكن لا كسروان وجبيل ستتلقيان صدى قصف الرئيس على المقاومة، ولا المقاومة أصابتها شظايا الهجوميْن المُستغرَبَين، لأن استعمال كلمة دعم الجيش طالما استُهلكت من أشخاص لم يدعموا الجيش، رغم وجودهم في مراكز القرار، بقدر ما دعمته المقاومة عندما وقف المقاوم إلى جانب الجندي في ساحات مواجهة العدوان، وفي متاريس التصدِّي للإرهاب.

الجيش بحاجة الى عُدَّة وعَتاد، لكنه أيضاً بحاجة إلى شحنة معنويات منعتها عنه المؤمرات تحت ستار الغطاء السياسي، وحالت دون إقدامه للدفاع عن ضباط وعناصر ذُبحوا وقُتلوا، وحالت دون مداهمته عبرا للقبض على الإرهابي الهارب الذي أسَر عبرا وصيدا بمشروعه الفتنوي، وحالت دون دخول عرسال وجرودها، حيث ما زال حتى الآن يختبئ فيها من أجرموا بحقّ الجيش والمدنيين الأبرياء، وما زالوا يصدِّرون السيارات الانتحارية أو يسهِّلون مرورها، وحالت المؤامرات على مدى سنتين من دخول الجيش أزقَّة المجرمين الخارجين على القانون في طرابلس بداعي عدم وجود غطاء سياسي!

لا أحد يمنع الرئيس وباقي الفرقاء من بحث الاستراتيجية الدفاعية، لا بل هي مطلب وطني، لكن من يرغب البحث بها من أركان الحوار عليه أن يقترح بدائل وحلولاً؛ كما فعل العماد ميشال عون في كل جلسة حوار، و”إعلان بعبدا” الذي يريده الرئيس ميثاقاً يُكتب في تاريخ عهده بأحرف من ذهب، لا يُطَبَّق عبر اعتبار ذَهَب الكرامة خشباً، خصوصاً أن “إعلان بعبدا” جاء على خلفية حمولة الباخرة “لطف الله”، فلماذا تحميل الوِزر لـ”حزب الله”؟

كنا نتمنى لفخامة الرئيس وداعاً من كل لبنان، لا أن يُغادر وهو على “زعل” مع ثلثي لبنان، وكان يُمكن له ولمكتبه الإعلامي ومستشاريه أن يختاروا الدخول بموضوع المعادلة بخطاب أقل حدَّةً، وفخامته يُدرك أن “الأبطال الخشبيين” عندما كانوا في ساحات النار عامي 2000 و2006، كان سواهم ممن ابتلعوا ذَهَب الوطن وخزائن الدولة إما متواطئين مع العدو أو هاربين في منتجعات الخارج.

وهنا نرغب التذكير بأن من قاطع طاولة حوار بعبدا، وقاطع قبلها بيوميْن لقاء بكركي، هو نفسه الذي قال قبل دخول “حزب الله” إلى القصير تعليقاً على ما تعرَّضت له بلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سورية، “أين هي هذه بلدة القصر؟ أنا مش سامع فيها”، واستهزأ بالمقاومة لأنها انتفضت للدفاع عن بلدة لبنانية، وهنا نتساءل مع كل من رحَّب بحكم “الإخوان”، وكل من قال إن “النصرة” ظاهرة مؤقتة تنتهي بزوال النظام السوري وانتصار المعارضة: ماذا لو لم يُدافع “حزب الله” عن القصر اللبنانية، وعن القصير التي يسكنها لبنانيون؟ بل لنفترض أنه لم يكُن في لبنان مقاومة و”حزب الله”، ماذا كان يردع “داعش” وأخواتها عن التكفير والكفر بكل القيَم، طالما كل كنيسة أو مسجد أو ضريح مباح تدميرها، وطالما أن حرب إبادة قائمة بين هذه الجماعات المتطرِّفة على مغانم الحروب العبثية، وطالما كل طرف تكفيري يعتبر أيّ آخر هو “آخر”، ودمه مهدور؟

نحن لسنا في معرض الدفاع عن المقاومة، لكن الهجوم عليها أيضاً خاطئ في توقيته وأهدافه والمقاصد التي خلفه، وكل العروش والأشخاص إلى زوال، ويبقى التاريخ شاهداً على من سيَّج الوطن عند كل عدوان سواء كان عنصر جيش أو عنصر مقاومة، وردود الفعل العفوية على رفض التمديد لا تُجيز التعرُّض لمقاومة شعبها يترامى على امتداد وطن، وأمام فخامة الرئيس فرصة التواصل قبل الخامس من أيار، لو كان فعلاً يسعى إلى حوار.

أمين أبو راشد – مجلة الثبات الأسبوعية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.