فتيل حروب الطاقة القادمة!

فتيل حروب الطاقة القادمة!

فتيل حروب الطاقة القادمة!“إنّ هذه الخطوة تصعيدية وتعكس إصرار العدو على الإعتداء على مياهنا ومصادرة المنطقة الإقتصادية الخالصة…ما كان العدو ليستسهل مثل هذا التمادي، لولا سياسة التنازلات المجانية خلال مفاوضات قبرص حول ترسيم حدودنا المائية”! النائب محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة.

بعد “تحفّظ” دام أكثر من 5 سنوات، وسلسلة من المفاوضات غير المباشرة مع لبنان، تمت برعاية الأمم المتحدة وواشنطن، لإيجاد حلول بشأن المنطقة المتنازع عليها، قرّرت سلطات الإحتلال ترسيم “حدودها البحرية مع لبنان من طرف واحد”! على أن يتم تحديد النقاط الحدودية المزمع وضعها في اللّحظة الأخيرة قبيل مصادقة الحكومة عليها”. هذا ما كشفه تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” التي أفادت أنّ وزارة العدل في حكومة العدو قامت بتوزيع “مشروع قانون جديد للحدود البحرية الإقتصادية لإسرائيل”، أو ما أطلقت عليه إسم مذكّرة قانون “المنطقة الإقتصادية الحصرية”. يحدّد الكيان من خلال هذه المذكّرة المناطق البحرية التي يعتبرها “حقّه الحصري” للبحث والتنقيب عن النفط والغاز فضلا عن الموارد الطبيعية الأخرى. ذهبت الصحيفة، يديعوت أحرونوت، أبعد من ذلك لتنشر خريطة تصميمية “للترسيم الحدودي النفطي”، كما يراها صنّاع القرار الصهاينة. لا يحتاج المرء عيني زرقاء اليمامة ليلحظ جيدا تفاوتا جليّا بين خطّين لا يختلفان فقط في الألوان أو الحدود، بل يعكسان وجهتي نظر نقيضتين، لا تقرّب بينهما مفاوضات ولا تمحوهما وساطات: خط ّلبنان الأخضر، وخط الكيان الأحمر، يفضحان مجدّدا للمتعّن وذي البصيرة كيف ظلّ الكيان وفيا لطباعه العدوانية الإستيطانية، مصرّا على نفس سياسات النهب والسطو ووضع اليد، تمهيدا لفرض الأمر الواقع! كنيست الكيان قام بسنّ قانون حدودي بحري سيسري مفعوله، ما لم يتحرّك لبنان وكل من يهمّهم أمر هذا القانون عاجلا للدفاع عن حقوقهم، على كل المناطق محلّ نزاع! بهكذا قانون يعتزم الكيان الإستيلاء وضمّ ما لا يقلّ عن 850 كلم مربعا بما تزخر به من مدّخرات، وهو الذي لم يتورّع عن توزيع تراخيص تنقيب عن النفط والغاز، في مناطق مسمّاة “ألون” و “روت”، داخل المياه اللبنانية!

الكيان الذي يتصيّد الفرص السانحة يعلم أنّ لبنان، الذي يصرّ “أشاوس” العرب على جرّه قصرا ونكاية إلى المسلخ الطائفي، يمرّ بوضع أمني وسياسي حرج وحسّاس، ما يحرمه من إمكانات الدفاع بشكل جيد وفعّال عن هذا الملف الخطر وعن حقوقه المهدّدة.

كلاّ، لا يكفي مجرّد تأكيد السيد الرئيس ميشال سليمان أنّ “أي إجراء إسرائيلي من جانب واحد هو بالنسبة للبنان كأنّه لم يكن طالما لم يتم الترسيم وفق القواعد المعتمدة دوليا”. ولا يجب أن يقنع وسامعوه بالقول: “إنّ ترسيم إسرائيل لحدودها البحرية من طرف واحد لا يغيّر شيئاً في المعادلة”!!! فقد أثبتت تجاربنا مع الكيان أنّ خرائط برمّتها تغيّرت! لا المعادلات، فحسب. وفلسطين التاريخية ستظلّ تقيم الحجة والدليل. لا يجدر أيضا التعويل على الأمم المتحدة التي يريدها جناب الرئيس، أن “ترسم خطاً أبيض في البحر كما رسمت خطاً أزرق في البر.” أ لم نفرّط في حقوقنا وخسرنا كلّ ثوابتنا بتغيّر وتداخل مثل هكذا خطوط وألوان يُعدّلها العدو متى شاء؟ أ ليس العدوّ من يحتلّ فلسطين؟ أ لم تخض المقاومة اللبنانية ولا تزال تخوض معه أشرس المواجهات؟ أما عن الإطمئنان للقرار الأممي وتعويله على قوات اليونيفيل، في قوله “الحدود البحرية مشمولة في القرار 1701 وإذا لم تكن الأمم المتحدة معنية بالحدود البحرية، فلماذا توجد فرق بحرية تابعة لـ«اليونيفيل»، فليستسمحنا الأسئلة التالية: متى إحترم الكيان المواثيق والعهود الدولية، يا جناب الرئيس؟ ماذا فعلت قوات اليونيفيل هذه لحماية الأمن اللبناني وآخر الإختراقات في منصات التجسّس وعدسات المراقبة ليست ببعيدة؟ هل نسينا أنّ الكيان لا يعترف أصلا بقوانين البحار؟

رئيس حكومة تصريف الأعمال، السيد نجيب ميقاتي، هو الآخر، وإن أكّد أنّه “متمسّك بتحديد حدود منطقته الإقتصادية الخالصة”، يجب ألاّ يعوّل كثيرا على الموقف الأمريكي، حين يصرّ ل”يطالب كلاّ من الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة بالقيام بكلّ ما يلزم لتدارك مخاطر ذلك”، فالكيان لم ينسحب من الجنوب ولم يتجرّع علقم الهزيمة بفعل من يستجديهم “تدارك المخاطر”! وحدها المقاومة ودماء الشهداء وصمود الإخوة في لبنان من سطروا الملاحم وأعادوا ما أُغتصب!

خطوة الكيان تصعيدية بكل المقاييس، وسيشمل تسونامي تداعياتها من يكتفون اليوم بالصمت، وتبرهن مجدّدا لمن لا يزال يمنّي النفس بالتفاوض أنّ العدو ماض بنفس نهج الإعتداء والسطو والمصادرة. ولا يجانب النائب محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، الصواب حين يصرّح لصحيفة السفير بقوله: “إنّ هذه الخطوة تصعيدية وتعكس إصرار العدو على الإعتداء على مياهنا ومصادرة المنطقة الإقتصادية الخالصة…ما كان العدو ليستسهل مثل هذا التمادي، لولا سياسة التنازلات المجانية التي إعتمدها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة خلال مفاوضاته في قبرص حول ترسيم حدودنا المائية”! الأحرى والأجدر، مضافا للتحرّك على الجبهات الدبلوماسية والقانونية، هو التفعيل العملي والعاجل واتخاذ الخطوات والتدابير النافذة والمسؤولة لما سمّاه رئيس الجمهورية ب”الإستراتيجية الدفاعية الوطنية المتكاملة”. إستراتيجية دفاعية تسـتأنس بما ورد بدعوة النائب محمّد رعد بضرورة خلق حالة “إستنفار وطني لحماية السيادة الكاملة بدل الاكتفاء بإطلاق الأفكار والشعارات النظرية” لأنّ الديلوماسية وحدها”، مع هكذا كيان “لا تكفي لمنع العدوان، ولبنان يملك عناصر الردع، ما يسمح للدولة بالتحرّك بقوة وفعالية وتقوم بواجباتها القانونية والعملانية!”

هل وجب أن نذكّر مجدّدا، أنّه وفي ظلّ إحتدام النّزاع المتأجّج بخصوص الحدود البحرية المشتركة، والأحقّية باستثمار حقول الغاز المُكتشفة، بين تركيا ولبنان وفلسطين المحتلّة، ومصر وسوريا والكيان الصهيوني وقبرص، وفي ظلّ غياب كامل لأصحاب الحق العربي، وخلال زيارة، هي الأولى من نوعها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تمّ توقيع إتّفاق عسكري على غاية من الأهمّية والخطورة بين الدولة العبرية وقبرص. الاتفاق أُطلق عليه تسمية:”حماية المصادر الحيوية للطاقة في شرق البحر المتوسط“؟ عقد أمضاه الرئيس القبرصي ديميتريس كريستوفياس، Dimitris Christofias، بمعية بنيامين نتنياهو، لا يخوّل لقوات سلاح الكيان الجوي والبحري إستخدام المجال الجوي والمياه الإقليمية لشرق الجزيرة القبرصية، فحسب، بل ويتيح أيضا التدخّل العسكري للصهاينة متى اقتضت الضرورة أو حال حصول أي حادث أو اعتداء أو تخريب لحفّارات التنقيب عن النّفط! رغم النّفي الرسمي القاطع، إلاّ أنّ بعض وسائل الإعلام العبرية سرّبت بعض المعلومات التي توحي بأنّ من بين النقاط المُدرجة في جدول الأعمال، السّماح لطائرات سلاح جو العدو بوجود دائم داخل القاعدة العسكرية القبرصية “أندرياس باباندريو، Andreas Papandreou”، في بافوس .أ لم يباشر سلاح بحريتهم بإعداد خطط عسكرية ل”حماية آبار النفط والغاز في البحر المتوسط”؟ أ لم يوصي جنرالاتهم بضرورة التزوّد بسفن حربية جديدة، تبلغ كلفتها حوالي 400 مليون دولار بالإضافة إلى المنظومات التي ستوضع عليها، البالغ قيمتها 200 مليون دولار؟

إذا كان الكيان، وهو الذي يبسط سيطرته على حوالي 40 % من منطقة الاكتشافات، يستنفر جميع إمكانياته ويُوظّف علاقته السياسية والدبلوماسية ويوقّع التحالفات العسكرية، ويعلن عن الشروع في بناء المنصّات ومعامل الطاقة تمهيداً للإنتاج من الحقول والحال أن الحدود لم يقع ترسيمها بعد، في إنتهاك صارخ لقانون البحار التي لا يعترف بها، وسطو موصوف لثروات الغير، فإنّ التحرّك العربي الرسمي يتراوح بين اللا مبالاة وضعف الأداء، ولا يرتقي مطلقا لحجم التحدّي ومستوى الخطورة. هذا ما يعبّر عنه الأستاذ رمضان أبو العلا، الأستاذ بكلية هندسة البترول، فاروس بالإسكندرية، بقوله: “فيما يتعلّق بالدّول العربية التي تقع منطقة الاكتشافات في جزء من مياهها الإقليمية فإنّها منشغلة ب”الربيع” العربي، وقد أحسنت “إسرائيل” إستغلال ذلك.. حيث يتعرّض النظام السوري لأزمة داخلية طاحنة، وهناك تخبّط سياسي شديد في لبنان.كما أنّ الحكومة اللبنانية قد فرّطت في بعض حقوقها بالإتفاق الذي عقدته مع قبرص عام 2007، والذي أهدى إسرائيل وقبرص مساحات كبيرة من حقوقها البحرية وشكّل لها دافعاً للتّعدي على حدود لبنان البحرية والإستيلاء على ثروته النفطية الافتراضية”!

أخيرا هل يسمع مسؤولو عواصم”الربيع“ العربي، خصوصا تلك المعنية بالتنقيب وبمضاعفات المعاهدة التي وقّعها نتنياهو، نداء الدكتور رشدي سعيد، عميد الجيولوجيين في العالم، يحذّر وينبّه من “عدوان صهيوني مُرتقب على الحقوق العربية في غاز البحر المتوسط”؟ هل يستجيبون لمناشداته الملحّة الداعية لـ”ضرورة التنسيق بين مصر وتركيا وقبرص ولبنان وسوريا وفلسطين واليونان في هذا المجال”، قبل فوات الأوان؟ أم تصدق فينا صورة بليغة لأستاذ القانون الدولي، الدكتور عبد الله الأشعل، الذي ينسحب على كلّ عواصم “الربيع” وإن بتفاوت، يوصّف فيه تعليق البتّ والتصدّي لمعضلات قضايانا الدولية الهامة والمصيرية، ليرسم صورة غاية في البلاغة :”كأنّ هذه البلدان تمّ رفعها من على الخريطة بشكل مؤقّت”! تأمين إحتياطات الطاقة، يا سادة، وتثبيت الحقوق التاريخية للدول المعنية، كما إتخاذ التدابير الإستراتيجية اللاّزمة قانونيا وأمنيا وإن لزم، عسكريا أيضا، مسألة مصيرية..ألاّ نفعل نكون نفرّط في الثروة الوطنية ونمدّ في عمر هذا الكيان الغاصب.

لبنان وحدوده البحرية ليسا إلاّ الشجرة التي تحجب الغابة! ولا يمكن مطلقا فصل ما يجري في سوريا تحديدا ولا ما تتعرّض له المنطقة، عموما، من إستهداف ممُنهج عن صراع طاحن خفيّ تدور رحاه بلحم وعظام من سيقوا إلى مسالخ حروب الوكالة، يؤمّنون حصص ومصالح الأمم المتنفّذة من البديل الطاقي الجديد: الغاز.

نبيل نايلي- بانوراما الشرق الاوسط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.