«فورين بوليسي»: خمس خصائص تحدد معالم عهد الملك سلمان

king-salman

كتب كاربل مورفي في صحيفة “فورين بوليسي” تقريراً تحدث فيه عن تحركات العاهل السعودي الملك سلمان منذ وصوله عرش المملكة السريعة والغير معهوده لإظهار أن حكمه سيكون مختلفاً عن حكم سلفه.

وتحدث التقرير عن  لقاءات أجراها الكاتب مع حوالي 24 سعوديا من أطياف اجتماعية وسياسية متنوعة بالمملكة، مشيراً إلى أنّ النغمة السائدة والمتكررة خلال الحوارات متمثلة في أن الملك «سلمان» ربما يُعيد إحياء نظام حكم الملك الراحل «فهد بن عبد العزيز» الذي تولى الملك من 1982 إلى 2005، لافتاً إلى أنّ عهد الملك الراحل «فهد بن عبد العزيز» كان استبداديا، واعتمد على علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة فضلا عن ممارسة الرقابة الاجتماعية مُتمثلة في الشرطة الدينية.

أشار مورفي أن  الملك «سلمان» قريب من السلطات الدينية المحافظة أكثر من الملك الراحل «عبد الله»، مشيراً إلى رضى بعض السعوديين عن فترة حكم الملك الراحل «عبدالله» الذي أطلق الإصلاحات التعليمية، وأعطى الإعلام مزيدًا من الحريات وعزز مكانة المرأة في التعليم والعمل، وهؤلاء بحسب الصحيفة ينتقدون عهد الملك «فهد» نظرًا لتواري الحداثة الاجتماعية والفكرية عن الأنظار رغم النمو الاقتصادي.
وتحدثت الصحيفة عن خمس نقاط ميّزت العاهل وخصائص أخرى تشاركها مع أسلافه، ومما جاء في التقرير:

رجل قديم على عجلة من أمره

لقد فوجيء الكثير من السعوديين بهذا التغيير الذي أخذ وتيرة سريعة على غير المعهود في دولة تسير فيها التغييرات كما تسير السلحفاة. وقال مستشار سابق للملك «عبدالله»: «لم يحدث ذلك بمثل تلك السرعة من قبل».

فحتى من أن قبل أن يُوارى جثمان الملك الراحل «عبدالله» في مقبرة العود بالرياض، كان الملك «سلمان» قد استبدل كبار موظفي الديوان الملكي، واختار أصغر أبنائه لتحمل مسئولية هامة في سابقة هي الأولى في المملكة، كما اختار نائب ولي العهد من بين صفوف الأمراء الأصغر سنا؛ وزير الداخلية وقيصر مكافحة الإرهاب «محمد بن نايف».

لقد تم الانتهاء من كل الجوانب المُتعلقة بالخلافة في غمضة عين. وتم استبدال علامات الطريق التي كانت تقول «طريق الأمير سلمان» خلال 24 ساعة من وفاة الملك «عبد الله » إلى «طريق الملك سلمان»؛ بحسب روايات السكان المحليين.

وفي الأسبوع الثاني، دعا الملك «سلمان» علماء الدين المحافظين – الذين كان الملك «عبدالله» قد همشهم لزيارته في الديوان، وأنشأ لجنتين بسلطات واسعة للسياسات الاقتصادية والأمنية، كما أعاد ترتيب حكومته ليُضّمنها أفرادا أصغر سنا وتكنوقراط بعقلية من طراز رجال الأعمال.

وأشاد بعض السعوديين بالسرعة اللازمة لطمأنة السعوديين والمجتمع الدولي – في وقت من الاضطراب لم يسبق له مثيل في الشرق الأوسط – بأن خط الخلافة الملكي آمن لعقود قادمة. «قام الملك بـ90% من وظيفته في اليوم الأول، لقد قضى تقريبا على أي حالة ضبابية في أفق المشهد السياسي السعودي»؛ هكذا قال الكاتب الاقتصادي السعودي ورجل الأعمال «فواز الفواز».

وقال «عبد الله الشمري» – المعلق السياسي لصحيفة اليوم – إن المملكة العربية السعودية «محظوظة بجلوس الملك سلمان على عرشها في هذه اللحظة الحرجة». وأردف «في غضون أسبوع واحد اتخذت المملكة العربية السعودية قرارات لم تحدث منذ سبع سنوات».

ورغم ذلك، فقد رأى سعوديون آخرون أن عملية التخلص السريع من الحرس القديم خالية من أي احترام، بل إنهم ألمحوا إلى كونها خطوة تهدف إلى محو إرث الملك الراحل «عبدالله». وبالنسبة لهم؛ فإن خطوات الملك «سلمان» الأولية عجلت الشعور بالقلق خوفًا من ابتعاد «سلمان» عن طريق الحداثة الذي بدأه العاهل الراحل.

اهتمام عالي المستوى بالدين

منذ أول يوم في جلوسه على العرش، أعطى الملك «سلمان» مصداقية لتصور بأنه سيكون أكثر تعاطفا مع المؤسسة الدينية المتشددة في المملكة العربية السعودية التي تتبنى النسخة الجامدة المضادة للمذهب العقلي والمعروفة باسم «الوهابية». لقد التُقطت الصور للملك الجديد مع الشيخ «صالح اللحيدان» الذي أقاله الملك «عبد الله» من منصبه كرئيس لمجلس القضاء الأعلى في عام 2009 لعرقلته الإصلاحات في نظام المحاكم، كما اتخذ مستشارًا له الشيخ «سعد بن ناصر الشثري» الذي خفّض الملك «عبد الله» رتبته بعد أن عارض علنا التعليم المُختلط في جامعة أبحاث الدراسات العليا.

وأدخل الملك «سلمان» أيضا إلى حكومته ثلاثة من أفراد عشيرة الشيخ؛ الأسرة الدينية الرائدة في البلاد والتي ينحدر أفرادها من مؤسس الوهابية «محمد بن عبد الوهاب». وفي الوقت الذي يوجد فيه اختلافات في وجهات النظر الدينية بين أفراد عائلة الشيخ أنفسهم، إلا إنه يُنظر إلى الأسرة ككل باعتبارها الممسكة بالنسخة الوهابية للإسلام، والتي توفر الشرعية الدينية لبيت «آل سعود».

لقد رحب السعوديون الذين كانوا غير منسجمين مع نمط المواجهة الذي تبناه الملك «عبد الله» تجاه المؤسسة الدينية بالتغيير. «بصفتي سعودي قومي فإن الوهابية هي أيديولوجيتي، تماما مثل الكمالية في تركيا والليبرالية في الولايات المتحدة»؛ هكذا قال «الشمري» كاتب صحفي سعودي. وأكمل «يعتقد كثير من المشايخ في السعودية أن الملك عبد الله لم يكن ودودًا مع الوهابية والسلفية المحافظة».

وفي المقابل رأى محللون سعوديون آخرون أن تحركات الملك «سلمان» ليست سوى خطوة ذكية لاستمالة المؤسسة الدينية القوية. وبتلك الخطوات يستميل رجال الدين الذين بإمكانهم أن يوازنوا الكفة مع المعارضة المطالبة بالإصلاحات، فضلاً عن مكافحة دعاية الجماعات الجهادية المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية»، والتي تجادل بأن المملكة العربية السعودية ليست إسلامية بما فيه الكفاية.

«إنها خطوة ذكية»؛ هكذا وصف «حمزة السالم» – خبير في التمويل الإسلامي والفكر الوهابي – مدّ غصن الزيتون إلى علماء دين مثل «الشثري» و«اللحيدان» على سبيل المثال. هؤلاء القادة الدينيون – بحسب «سالم» – كان يتمتعون بشعبية جارفة بين السكان السعوديين. «وبإعادة هؤلاء الناس إلى بلاطه سوف يحصل الملك «سلمان» على مزيد من الدعم إذا كان يريد أن يغير شيئًا».

صعود الابن أيضا

الموضوع الآخر الذي أثار القلق هو القدرة الهائلة والجرأة على ما يبدو للملك «سلمان» والتي جعلته يجلب ابنه «محمد» – الذي هو في نهايات العشرينات أو بدايات الثلاثنيات – غير المعروف سياسيا، ولم يظهر من قبل في مواقف تكشف قدراته. لقد كانت أبرز المخاوف بسبب شبابه وقلة خبرته، ومزاجه المتقلب على ما يبدو.

«الجميع قلق للغاية بشأن تأثير محمد بن سلمان»؛ هكذا قال أحد السعوديين الذي يتابع سياسات العائلة المالكة عن كثب، مُكررًا بالتأكيد «الجميع».

وبالإضافة إلى عمله كوزير للدفاع، فإن «محمد بن سلمان» يشغل منصب رئيس الديوان الملكي، ما يجعل منه حارس البوابة القوي لوالده البالغ من العمر 79 عاما. كما تمّ تعينه رئيسا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، أحد أهم لجنتين رئيسيتين جديدتين تمّ تكليفهما بوضع سياسات وطنية واسعة. واللجنة الأخرى هي مجلس الشئون السياسية والأمنية برئاسة نائب ولي العهد الأمير «محمد بن نايف». والهدف من هذه اللجان الرئيسية تبسيط السياسات، ولكن بعض السعوديين يشعرون بالقلق من أن هذه اللجان قد تصبح أيضًا مراكز قوى مستقلة لرؤسائها.

وغير معلوم بدقة عمر «محمد بن سلمان». ولا تذكر سيرته الذاتية الرسمية تاريخ ميلاده. وفي حين تزعم بعض التقارير الإخبارية أنه ولد في عام 1980م، فإن البعض الآخر يدعي أنه ولد في عام 1985؛ وهو العام الذي تدعمه سجلات جمعية خريجي المدرسة الثانوية. وتزعم مصادر أخرى أنه أصغر سنا من ذلك أيضا؛ وفي 28 يناير/كانون الثاني كتبت الشخصية الشهيرة على موقع «تويتر» – مشهورة اسما مجهولة شخصا – المعروفة باسم «مُجتهد» أن الأمير «محمد» وُلد في عام 1988، ما يعني أنه في الـ27 من عمره.

ما نعرفه عن «محمد بن سلمان» هو أنه تخرج من جامعة الملك سعود في الرياض؛ حيث حصل على درجة البكالوريوس في القانون. وعلى عكس العديد من أفراد العائلة المالكة السعودية البارزة الأخرى، يبدو أنه لم يدرس خارج المملكة. وفي الوقت الذي كان يعمل مع والده لعدة سنوات، فإن العديد من السعوديين ينظر إليه كما لو كان لم يُوضع في اختبار حقيقي من قبل.

وفي وسط ثقافة تُعلي من قيمة وقدر الأقدمية والسن، فإن العديد من السعوديين ينظرون إلى شبابه كما لو كان غير مناسب للمكانة التي وُضع فيها. ويُحدد جيل والده – على سبيل المثال – بشكل قاطع التسلسل الهرمي الذي فيه سيكون الملك، على الرغم من أن ذلك تمخض عن قيادة مُسنّة للغاية.

وفي الوقت الذي يُعدّ فيه صعود «محمد بن سلمان» غير مسبوق تقريبا في المملكة، فإن بعض السعوديين على استعداد لمنحه الفرصة لإثبات نفسه. «أنا أعتقد أن هذا هو وقته»، بحسب ما قاله المُعلم «خُضير». وتابع: «معظم السعوديين من جيل الشباب. ونحن بحاجة لشخص يفهم الشباب وما يحتاجون إليه».

رجل الأمن

وفي الوقت الذي يمثل فيه «محمد بن سلمان» علامة استفهام كبيرة على المسرح السياسي السعودي، فإن ابن عمه «محمد بن نايف» يبدو مستقرا. ومع صعود الملك «سلمان» إلى العرش، فقد اختار الأمير «محمد بن نايف» وليا لولي العهد، ما جعله في المركز الثاني في ترتيب العرش. ويرجع الفضل إلى الأمير البالغ من العمر 55 عاما في إعادة الأمن إلى شوارع السعودية بعد المقاومة العنيفة لتنظيم القاعدة في الفترة من 2003 إلى 2006. وهو أيضا المسئول عن حملة ضد المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان خلال السنوات القليلة الماضية؛ وهي الحملة التي واجهت انتقادات دولية لاستخدام أساليب قاسية مثل الحبس الانفرادي والتعذيب وفقا لبعض التقارير.

اختيار «محمد بن نايف» نائبا لولي العهد بمثابة تطور كبير؛ لأنه هو الأول من أحفاد مؤسس المملكة «عبد العزيز بن سعود» الذي يُختار كملك محتمل في المستقبل. ونتيجة لذلك، فإنه لأول مرة يطمئن السعوديون أن خط الخلافة – على الأقل حتى الآن – تم الاتفاق عليه داخل عائلة آل سعود.

وعن اختيار الأمير «محمد» قال الناشط الإسلامي «محسن العواجي»: «لقد أعطى ذلك الناس بعض الراحة، وبعض الطمأنينة، وبعض الاستقرار النفسي» لأن هذا يعطيهم «نوعا من خطة واضحة» حول ما سيحدث عندما ينتهي الجيل الأكبر من الأمراء.

ورغم الانزعاج بين أبناء جيله والذي صاحب ترقيته، إلا إنه لا يوجد مؤشر على تحدٍ خطير للوضع الجديد لوزير الداخلية كونه أصبح من داخل العائلة المالكة. وبجانب ما هو معروف عنه من العمل لساعات طويلة وعمله الاستخباراتي، فقد حصل الأمير «محمد» على إشادة بالغة من مسؤولين أمريكيين لتعاونه مع واشنطن في مكافحة الإرهاب. وكانت الشائبة الوحيدة على صعوده مؤخرا اكتشاف أن الأمير – أو أي شخص في دائرته الداخلية – قد ارتكب هفوة تجميل السيرة الذاتية. وذكرت السيرة الذاتية الرسمية للأمير «محمد» بأنه قد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1981م من إحدى الجامعات الأمريكية. وقالت السفارة السعودية في واشنطن في وقت لاحق إن الجامعة كانت كلية لويس وكلارك في بورتلاند بأوريجون. ومع ذلك؛ قالت الكلية في بيان 30 يناير/كانون الثاني إن الأمير «محمد» حضر بعض الدراسة هناك ولكن لم يحصل على درجة.

المعارضة غير مسموح بها

انتقل الملك «سلمان» بسرعة لتأمين ولاء رعاياه؛ حيث قام بإنفاق ما يقدر بـ32 مليار دولار في صورة منح واستثمارات ومكافآت للسعوديين. كما اعتمد أيضا نهجا تصالحيا في بعض الحالات التي أثارت غضبا واسعا في المملكة وجلبت وابلاً من الانتقادات؛ حيث أفرج عن النساء السعوديات اللاتي تظاهرن ضد الحظر على قيادة السيارات فور وصوله للعرش. وبعد انتقادات دولية ضد محاكمة 9 يناير/كانون الثاني الذي أمرت بعقوبة الجلد العلني لـ«رائف بدوي» أوقفت الحكومة خطط تنفيذ مزيد من الجلد الذي كان محددًا له كل جمعة.

على الرغم من هذه التحركات، فإن الفوضى الحالية في المنطقة تجعل من غير المرجح أن تذهب المملكة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير لإنهاء حملتها على نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين في أي وقت قريب. ولم يعرض الملك عفوا عن بعض أشد منتقدي الحكومة الذين يقضون الآن عقوبة السجن المشدد؛ بما في ذلك نشطاء حقوق الإنسان أمثال «وليد أبو الخير» واثنين من أبرز مؤيدي الإصلاح السياسي؛ «محمد فهد القحطاني» و«عبد الله الحامد».

وكتبت «مها القحطاني» – زوجة «محمد فهد القحطاني» الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة مع أطفالهما الخمسة – في رسالة بالبريد الالكتروني إنها وزوجها «يأملان أن يكون هناك إصلاح قريب قبل فوات الأوان».

الملك «سلمان» رجل مختلف بشدّة عن سلفه، إلا إنه يواجه التحدي المحلي ذاته؛ الدخول ببلاده إلى الحداثة تدريجيا مع عدم التخلي عن عقيدتها الوهابية الصارمة. إدارة هذا التوازن الدقيق وسط حالة الفوضى التاريخية التي تحيط حاليا بمملكته لن تجعل مهمته سهلة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.