في البُعدين الدولي والإقليمي للسياسة الروسية

 

موقع إنباء الإخباري ـ

الأكاديمي #مروان_سوداح*

م.#يلينا_نيدوغينا*:

كان الاحتفال بالعيد الوطني الروسي في العاصمة الاردنية مناسبةً مهمة ولافتة، فقد تم إحياؤها في وقت مناسب للإعلان بشكل خاص ودقيق عن الموقف الروسي حِيال القضية السورية وسياسة روسيا في “الشرق الاوسط”، وانحيازها لصالح السلام الحقيقي والأمن واستقلال سورية وأمان حدودها الدولية وحدود مختلف دول المنطقة من شرور “داعش” وأخوانها وأخواتها الكُثُر.

ترأس الاحتفال السيد بوريس بالوتين، سفير روسيا الفيديرالية لدى المملكة الاردنية الهاشمية، وقد كان واضحاً في الكلمة التي ألقاها بالوتين بهذه المناسبة أمام جَمع كبير من الأردنيين والعرب والأجانب من مختلف المَشارب والمصالح السياسية، أن لدى الروس موقفاً حازماً وواضحاً بشأن التدخلات الخارجية غير القانونية في سورية والمنطقة العربية ودولها، ورفض موسكو التام لنيل أية جهة وأية دولة من سورية والدول والشعوب التي تتعرض للارهاب الدولي المُصدر إليها عنوةً وقسراً.

كما كان مُلاحَظاً على نحو خاص، أن القائم بأعمال الجمهورية العربية السورية لدى الاردن، الدكتور أيمن علوش، قد حَجز لنفسه مَوقعاً رئيسياً ومتقدماً في الحفل، بغية الاستماع بتمّعن لكل كلمة من خطاب السفير الروسي. فبلاده الشقيقة والمُدّماة سورية، هي حليفة لروسيا منذ عهود طويلة، وقد تعزّز هذا التحالف الثنائي في مواجهة التدخلات الخارجية والحرب العالمية المَشنونة بشراسة على شعب الدولة السورية المُسَالم.

وفي خطاب السفير فقد إنشدَدنا على نحو خاص ومعنا الحضور الرفيع المستوى لكلماته القصيرة والتي كان لها أبعاد كبيرة وخطيرة، ومنها أن عيد روسيا الوطني هو أهم أعياد بلاده معنىً وواقعاً، وبأن القضية السورية كما يتضح مِن فِيِهِ السفير، هي واحدة من أهم القضايا التي تُعالجها روسيا بِمِبضعٍ دقيقٍ وأناةٍ، وبكثير من التخطيط والتمحيص والتبصّر، وهي لعمري الخطة الناجحة التي تديرها روسيا في القضايا المصيرية التي تواجهها وتواجه ثلّةٌ من حُلفائها العرب بكثير من الصَّبر والتروي والتحليل العلمي، لاكتشاف مواطن ضعف العدو ومراميه الخبيثة البعيدة منها والقريبة ونواياه الاستراتيجية.

في بداية كلمته، لاحظنا إشارة السفير الى نقطة محدّدة وغاية في الاهمية، وربما هي الأكثر مفصليةً في سياسة روسيا – بوتين هذه الايام، إذ نوّه إلى “أن روسيا المُعَاصِرة تدعو إلى إنشاء  نظام عالمي عادل ومتعدد الاقطاب، و “نحن منفتحون على الشراكة والتعاون مع البلدان كافة”، على أساس المساواة، وقواعد القانون الدولي”، في عالم بات ـ للأسف ـ يَشهد توترات متزايدة على الصعيدين العالمي والإقليمي.. فالإرهاب هو التحدي الرئيسي أمام المجتمع الدولي والبلدان كافة”.

وبشأن موقف روسيا اتصالاً بسورية، فقد استمعنا والحضور إلى تأكيدات السفير بتعاون موسكو مع الأردن وكل البلدان، وبأن هناك تقارباً في المواقف بهدف وقف إراقة الدماء في سورية قبل كل شيء، ولإعادة السلام والاستقرار، بما في ذلك إلى جنوب سورية..

في تحليل الفقرات الأهم في كلمة السفير، نُدرك أن روسيا تنظر إلى الوضع في سورية من منظار إستراتيجي، دولي، عام وشامل، وبأنها لا تعزل القضية السورية عن بقية القضايا السياسية المُعاصرة، بل تعتبرها واحدة منها، إن لم يكن الأهم بينها، لكونها قضية الكفاح العالمي والروسي في مواجهة الإرهاب ولتجفيف منابعه العديدة، ولقُرب سورية من الحدود الدولية لروسيا، ومشاركة الإرهابيين من أصقاع روسيا في عمليات إرهاب داعش والنُّصرة ومئات الفصائل الأخرى التي تقاتل وتقتتل اليوم على أرض الشام التاريخية.

نعتقد أن هذه النظرة الروسية جديرة بالاهتمام وهي علمية وأهدافها واقعية  وتصب في صالح الحياة المقدّسة على وجه البسيطة، ذلك أنه لا يمكن إنقاذ الأرض والإنسان من الإرهاب الدولي ومحوه إلى الأبد، بمجرد الانتصار عليه في دولة ما أو في بلدان ما بعينها، ذلك أن مَخالِبهُ وأذرعه الطويلة تمتد الى مختلف بِقاع الأرض، فقد تحوّل الإرهاب الى جيش عالمي حقيقي، مموّل ومسلّح ليس بأنواع السلاح التقني والكيميائي والغازي الفتاكة، بل وإضافة إلى ذلك أيضاً، بسلاح الأيديولوجيا الواضحة المَعالم، والتي سوف تَبقىَ البشرية تعاني منها طويلاً قبل أن تقضي عليها وتعرّي باطنيتها وتعزل القوى التي تقف من خلفها مُساندة لها ومؤازرة ونافخة في بوقها وبوسائل إعلامها، وحتى يتسنّى الإعلان عن انتهاء الحرب ضد هذا السرطان الاسود، الذي ورث السرطان البُنّي، بشكليه النازي والفاشستي منذ خواتيم الحرب الكونية الثانية.

كما وفي ظل الاستمساك بهذه النظرة العلمية والكفاحية، ندرك أنه لا يمكن حل القضية السورية مرة واحدة والى الأبد حلاً نهائياً والركون الى استتاب الأمن والأمان في سورية، دون حَلّ مختلف القضايا الأخرى العالقة في المنطقة منذ دهورٍ، ومنها تلك التي تُهدر فيها حقوق الانسان وكرامته بسبب التدخلات الخارجية وبضمنها العسكرية، وشتى أشكال الاحتلالات والإملاء السياسي والحربي والضغط الاقتصادي، وإجبار الشعوب على التخلّي عن حقوقها، إضافة الى قضية الشعب العربي الفلسطيني المشرّد على أرضه وفي خارجها منذ عشرات السنين، والتي تتوسل الحل العادل والدائم الذي يَكفل تطبيق العدالة كاملة من ألفها إلى يائها، وبحرفها وروحها دون نقصان.

المسألة الأخرى في الموقف الروسي هي القضية القانونية، حيث تتمسك موسكو بالقانونين الدولي والإنساني، وتُصر على تفعيل إعلاناتها في “إنشاء  نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب على أساس المساواة وقواعد القانون الدولي”، ما يؤكد أن الطرف الآخر الذي يَشن الحرب وأولئك الداعمون له، يَطعنون في خاصرتَي هذين القانونين بحِرابهم وألسنتهم، دون الانتصار لهما.

إن التمسّك بقواعد القانون الدولي من شأنه التخلص الأسرع من الإرهاب بمختلف تجلياته، لذلك تتمسك به موسكو وإلى جانبها الحكومة السورية بخاصة وحِلف المقاومة عموماً، فهو النص والوسيلة المواتية والشرعية والمشروعة لفضح الإرهاب وخططه وداعميه، كما أن المحافظة على القانون الدولي من التهميش والتضعيف، وضرورة ثباته على ما هو عليه والمحافظة على أسـسه، إنما هو ضمانة للكشف عن المستور في الحرب المتواصلة على سورية، والتي هي معركة كونية كبرى تُشنُ على حليفتها روسيا أيضاً، التي أدركت تماماً أن لا تخلي عن وحدة القوى المناهضة لعالمِ الأمس والظلام الذي يتربص بجميعنا.

*رئيس ونائبة رئيس #رَابِطةُ_القَلَمِيِّين_مُحِبِّي_ بُوتِين_وَرُوُسيّه_للأُردنِ_وَالعَالَم_العَربِيِ.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.