قلق صيني من العسكرة اليابانية

China-vs-Japan-This-Time-ItCus-Different

صحيفة السفير اللبنانية –

محمود ريا :

«هل الصين على جدول أعمالكم العسكرية؟»، سؤال وجهه مقال خاص نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إلى رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي، بعد تصديق الحكومة اليابانية على إعادة تفسير الدستور المناهض للحرب، وهو التفسير الذي يسمح لليابان بـ«ممارسة الحق في الدفاع الذاتي».

تنظر الصين إلى الخطوة اليابانية نظرة بالغة الخطورة، إذ إن اليابان بهذا التفسير الجديد تفتح لنفسها الطريق لإرسال جنود للمشاركة في معارك بالخارج للدفاع عن اليابان و«الدول التي تربطها بها علاقات وثيقة».

وهذه الخطوة بالذات تقلق الصين، والعديد من الدول المجاورة لليابان التي تملك تجربة سيئة في استخدام «حق الدفاع عن النفس وعن الرعايا اليابانيين في الخارج»، كانت حصيلتها أعمال غزو كثيرة في المحيط الاستراتيجي لليابان، لعلّ أكثرها خطورة غزو شمال شرق الصين عام 1931 وارتكاب مجازر فظيعة بحق أبناء الشعب الصيني، أبرزها مجزرة نانجينغ عام 1937، التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف مواطن مدني.

وفي ظل التوتر الكبير الذي تشهده العلاقات الصينية اليابانية في هذه المرحلة، بسبب الكثير من القضايا العالقة بين البلدين، وعلى رأسها قضية الجزر المتنازع عليها (دياويو كما يسميها الصينيون، وسينكاكو كما يسميها اليابانيون)، فإن خطوة اليابان الجديدة تشكل جرس إنذار يدق في قلب صرح القيادة الصينية، ولا سيما أن طوكيو بهذه الخطوة تكسر الحظر التاريخي الذي فُرض عليها بعد الحرب العالمية الثانية والذي يحرمها من استخدام قواتها العسكرية خارج اليابان.

ترى اليابان أنها أصبحت «دولة عادية»، ولم تعد تلك الدولة الامبراطورية التي تسعى إلى توسيع حدودها بالحديد والنار، ولذلك هي تتجاهل الاعتراضات الصادرة من أكثر من دولة في منطقة شرق آسيا على سلوكها العسكري الجديد، وترى في هذه الاعتراضات محاولة لإبقاء اليابان مكبّلة بقيود الماضي التي لا علاقة لـ«اليابان الجديدة» بها.

إلا أن هناك العديد من المؤشرات المقلقة لجيران اليابان، ولا سيما الصين، فـ«الخطاب القومي المتطرف» لرئيس الوزراء الياباني، ورفض اليابان الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها قواتها خلال العقود الماضية بحق شعوب المنطقة المحيطة بها، وزيارة آبي نفسه إلى نصب ياسوكوني الذي يخلّد قتلى الحرب العالمية الثانية، وبينهم عدد كبير من مجرمي الحرب، هي تحركات تدفع للتشكيك بنيات رئيس الحكومة اليابانية، حين يتحلّل من قيد استخدام القوات اليابانية خارج حدود اليابان.

تعاني العلاقات الصينية اليابانية الكثير من التوتر، وهي وصلت أكثر من مرة إلى حافة نشوب نزاع عسكري بين البلدين الكبيرين في شرق آسيا. وإذا كانت قضية جزر دياويو/ سينكاكو هي العنوان الظاهر للأزمة التي تشهدها العلاقات بين البلدين في هذه المرحلة، فإن العديد من العوامل تلعب دوراً كبيراً في تعزيز هذا التوتر، ليس أقلها الانسياق الياباني وراء المشروع الأميركي لمحاصرة الصين عسكرياً واستراتيجياً، والتنافس الاقتصادي الكبير بين البلدين بعدما تخطت الصين اليابان قبل سنوات، لتصبح القوة الاقتصادية الثانية في العالم. ولا يمكن تناسي صعود الروح القومية في اليابان في الفترة الماضية، متزامناً مع نزوع الصين للعب دور سياسي واستراتيجي أكبر في المحيط، وفي العالم ككل.

هل يعني هذا أن الصين واليابان يتجهان إلى الحرب؟

لا يبدو أن الأمور تسير فعلاً بهذا الاتجاه، فقيادتا البلدين لديهما من العقلانية ما يجعلهما يدركان حجم الأضرار والمخاطر التي تسببها حرب من هذا النوع، كما أن الصين مدركة أن أي حرب مع اليابان لن تكون إلا جزءاً من حرب شاملة على مستوى العالم، ستكون الولايات المتحدة في الطرف المقابل لبكين خلالها، كما أن المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين كبيرة جداً، وهي تلعب دوراً كبيراً في تلطيف التوتر القائم بين بكين وطوكيو.
وبالرغم من كل ذلك، فإن الأمور لا تسير على ما يرام بين أقوى قوتين في منطقة غرب الباسيفيك، والتوتر مرشح للتصاعد أكثر فأكثر مع اندفاع القيادة اليابانية إلى تفكيك الطوق المضروب على اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا أمر لن تسمح به الصين مهما كلّفها ذلك من تضحيات، ما يعني أن المنطقة مقبلة على تغيّرات استراتيجية سيكون لها تأثير كبير على مجمل الأوضاع في العالم>

ومن أجل ذلك، يصبح تساؤل مقالة وكالة الأنباء الصينية الرئيسية محل نظر: هل وضعت اليابان الصين على جدول أعمالها العسكري؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.