كلمة السيد نصر الله في يوم القدس العالمي (كاملة)

10410907_1608483072711273_8722452651119924046_n

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان يوم القدس العالمي الذي أقامه حزب الله في مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس، والذي أطلّ فيه سماحته شخصياً 25-7-2014

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
إخواني وأخواتي، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
في البداية أرحّب بكم جميعاً وأشكركم على هذا الحضور، بالرغم من ما يفترض من بعض المخاطر الأمنية في شهر رمضان المبارك، نحن وكثيرون قاموا بإلغاء الإفطارات الجماعية والشعبية تخففاً من الأعباء وحرصاً على الناس ولكن تطورات غزة وأحداث غزة وخصوصية يوم القدس العالمي في مثل هذا اليوم فرض علينا وأوجب علينا أن نلتقي هنا اليوم في هذا المكان الذي اعتدنا أن نشيّع فيه شهداءنا وأن نستقبل فيه أسرانا وأن نقيم فيه أعراس النصر لمقاومتنا وأن نعبّر فيه عن مواقفنا.
إنني في البداية أيضاً وقبل الدخول إلى المناسبة يجب أن أعبّر عن أصدق مشاعر المواساة والألم والحزن للعائلات اللبنانية التي فقدت بالأمس عائلات وأحباء من عائلات مختلفة ومناطق مختلفة في الحادثة المؤسفة للطائرة الجزائرية.
في البداية أيضاً يجب أن نتوجه بالتحية إلى أرواح الشهداء، شهداء غزة، في هذه الأيام، وإلى جرحاها وإلى مجاهديها وأبطالها وإلى شعبها الصامد في هذا اليوم الذي يصادف أيضاً ذكرى حرب تموز في 2006 يجب أن نتوجه فيه بالتحية إلى أرواح شهدائنا، إلى عوائل الشهداء، إلى الجرحى، إلى المقاومين، إلى شعبنا الصامد الذي صنع المعجزة في تموز 2006 وإلى كل عوائل شهداء المقاومة الذين واصلوا الطريق ويقاتلون في أكثر من ساحة من أجل أن تبقى المقاومة وحصون المقاومة ومحور المقاومة التي يتوقف عليها الأمل الوحيد.
أيها الإخوة والأخوات: يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني قدس سره وأكد عليه سماحة الإمام القائد السيد علي خامنئي دام ظله في آخر يوم جمعة من شهر رمضان ليكون حافزاً ومذكراً لنا بالقضية المركزية لتبقى القدس وفلسطين حاضرة في القلب والعقل والفكر والثقافة والوجدان والذاكرة والأولويات والعمل والميدان. وعندما أكد الإمام الخميني على آخر جمعة من شهر رمضان المبارك وما له من قداسة ليؤكد قداسة هذه القضية وإنسانية هذه القضية وإلهية هذه القضية وإسلامية هذه القضية، ويوماً بعد يوم تتبين أهمية هذا الإعلان والحاجة الماسة إلى إحياء هذا اليوم من قبل الأمة. عندما نتطلع اليوم إلى حالة الأمة، نشعر بأهمية هذا الإعلان وهذه المناسبة وهذه المسؤولية وهذه الثقافة، بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وسيطرته على كامل فلسطين المحتلة التاريخية من البحر إلى النهر، فضلاً عن توسعه في أراض عربية أخرى. كان همّ الصهاينة وسادة الصهاينة منذ ذلك الحين، كان همهم وهدفهم الأساسي الذي عملوا له لسنوات طويلة وما زالوا يعملون هو تصفية القضية الفلسطينية، إلغاء القضية الفلسطينية، اعتبار أن شعب فلسطين غير موجود، أرض فلسطين لم تعد فلسطين، أصبحت إسرائيل، القدس لم تعد تعني لا المسلمين ولا المسيحيين، أصبحت عاصمة ابدية للدولة اليهودية.
الهدف بعد الاحتلال هو تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء القضية الفلسطينية. لم يكن وارداً على الإطلاق في عقل الصهاينة وعقل أسيادهم أن يعيدوا شبراً واحداً من أرض فلسطين لأصحابه، لم يكن وارداً أن يعيدوا لاجئاً فلسطينياً واحداً إلى داره، ولذلك نجد أن الإجماع الإسرائيلي الصهيوني حول القدس وحول منع عودة اللاجئيين هو إجماع نجده إجماعاً حاسماً .
فلسطين، في الحد الأدنى في المشروع الاسرائيلي، هي هكذا بالنسبة إليهم، وهم كانوا يعلمون أن قضية بهذا الحجم وأن أرضاً مقدسة كفلسطين وأن شعباً عزيزاً كالشعب الفلسطيني لا يمكن شطبه وإلغاؤه وحذفه في سنة أو سنتين أو جيل أو جيلين، ولذلك وضعت خطة بعيدة المدى وطويلة الأمد لتحقيق هذا الهدف، وللوصول إليه يمكن اليوم لأي واحد منا أن يحلل ما جرى بعد 48 و 67 إلى اليوم ويستطيع أن يكتشف معالم وخطوات هذا البرنامج الطويل الأمد لتصفية القضية الفلسطينية، وهذا دائماً كان الحلم الذي يدغدغ الأميركيين والغرب والصهاينة على سبيل المثال: وهذا كله لندخل إلى غزة.. على سبيل المثال كان يفترض الصهاينة وسادتهم أن الارض العربية واسعة، وأن مئة ألف، مئتي ألف فلسطيني، مليون فلسطيني لاجئ ـ في البدايات ـ يمكن استيعابهم بسهولة وتوطينهم وتجنيسهم وتذويبهم في هذه المجتمعات العربية من لبنان إلى سوريا إلى الأردن إلى مصر إلى العراق إلى دول الخليج.. إلخ
وهذا الخطر كان قائماً وما زال قائماً ويلاحق اللاجئين الفلسطينيين.
أيضاً مثل آخر، العمل على اختراع قضايا مركزية لكل بلد ولكل شعب ولكل قطر ولكل دولة في عالمنا العربي والإسلامي لتغيّب مركزية فلسطين ومركزية القدس وفرض اهتمامات وأولويات، وهذا وفّق فيه إلى درجة كبيرة جداً ـ نحنا لا يفترض أن نعتبر أنّ عدونا “على طول” فاشل، لا هو يفشل إذا نحن نريد أن نفشله، لكن إذا تركناه وكنّا حياديين أو إذا أعانه بعضنا كما حصل في العالم العربي والإسلامي، لا هو يستطيع أن يحقق إنجازات وبالتالي نعم ـ استطاع أن يخترع قضايا مركزية لشعوبنا وبلادنا وأقطارنا غير قضية فلسطين.
اليوم، وغزة تذبح، هناك في بلدان عربية أولوية “قنينة الغاز”، أولوية البنزين للسيارة، أولوية التموين، أولوية الراتب، وهذا موجود، هذه مطالب مشروعة ولكن هم أرادوا لها أن تكون هي القضية المركزية وأن تنسى فلسطين .
مثلا اختراع أعداء على طول الخط، يوم (يكون) العدو هو الاتحاد السوفياتي، يوم العدو هي الشيوعية العالمية، يوم الأولوية القتال في أفغانستان، بعدها، بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، الأولوية هي حرب ايران. اختراع أعداء واختراع حروب واستنزاف الأمة بشرياً ومادياً ونفسياً في كل هذه الحروب .
مثال آخر: عزل الشعب الفلسطيني، وهذا أخطر شيء هم وصلوا إليه في السنوات الماضية أو في العقد الأخير، عزل الشعب الفلسطيني عن بقية شعوب المنطقة عن محيطه. عزله بمعنى ماذا؟
عزله نفسياً عزله على المستوى العاطفي وعلى المستوى النفسي وعلى المستوى الميداني أيضا من خلال زج الفلسطينيين في صراعات أو مواجهات أو نزاعات أو حساسيات أو عداوات مع شعوب المحيط ومع دول المحيط أو فرض هذه الصراعات والنزاعات عليهم. طبعاً أنا لست في سياق تحميل مسؤوليات لأحد في هذا الموضوع، لكن دائما نحن نحتاج إلى مراجعة خصوصاً في هذا الأمر، إلى أن يصل الأمر إلى أن الناس تصل في المنطقة، في العالم العربي، في العالم الاسلامي، إلى حد أن لا يعنيها كل شيء اسمه فلسطين أو فلسطيني، وهذا نشهده الآن في بعض الإعلام العربي للأسف الشديد، وسأعود إليها عندما أتكلم عن غزة.
وحتى عندنا في لبنان، “فيه شغل كبير” على هذا الموضوع. أتذكرون في المناسبات السابقة أنا قلت لكم: عندما يختارون الانتحاري فلسطينياً فهذا متعمد لإيجاد الحقد والعداوة والحزازة والتباعد بيننا وبين الفلسطينيين. قبل أسابيع “لما صار” موضوع مستشفى الرسول الأعظم “بدك تلمّ من الإعلام” أنه هناك نفق مفتوح من مخيم برج البراجنة إلى مستشفى الرسول الاعظم
هذه ليست تفاصيل تافهة، هذا جزء من غرفة سوداء تعمل منذ عقود منذ سنوات حتى لا يبقى أي صلة أو علاقة بين لبناني وسوري وعراقي وأردني ومصري ووو.. وفلسطيني. “أنه انتم الفلسطينيين قلّعوا شوككم بأيديكم وانظروا ماذا تفعلون..”
مثال آخر: فرض وقائع سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وحروب وحصارات ومجازر على الفلسطينيين، متنقلة داخل فلسطين وخارج فلسطين، لإيصال الشعب الفلسطيني إلى اليأس وانعدام الخيارات وبالتالي الاستسلام للامر الواقع والقبول بالفتات في نهاية المطاف.
لكن بالرغم.. بالطبع هذه أمثلة، وإلا كما قلت لكم يمكن للإنسان أن يضع لائحة ويستحضر كل ما حصل خلال عقود، ويقول هنا عملوا هكذا وهنا عملوا هكذا، هنا توفقوا، هنا توفقوا، هنا حققوا إنجازاً على مستوى هذا الهدف الذي هو إسقاط مركزية القضية الفلسطينية، العمل على إلغائها، العمل على شطبها، عزل الشعب الفلسطني.. إلى آخره.
لكن بالرغم من كل ما حصل، بالرغم من كل المؤامرات والمآسي والتحديات، بقيت هذه القضية الفلسطينية تفرض نفسها على المنطقة وعلى العالم، وما يجري في غزة اليوم هو شاهد على هذا الاستنتاج.
الحرب التي تفرض نفسها على المنطقة وعلى العالم، بعد كل هذه المؤامرات وكل هذه التحديات، بقيت هذه القضية تفرض نفسها لأسباب عديدة، ولكن أهمها الشعب الفلسطيني، منها على سبيل المثال، صمود بعض الدول العربية، وبالأخص سوريا وعدم خضوعها للتسوية ولشروط التسوية بعد مؤتمر مدريد وتبنيها للمقاومة ودعمها للمقاومة. منها إنتصار الثورة الاسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس سره الشريف)، هذه الثورة التي تبنت فلسطين والقدس والشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية. منها حركات المقاومة في لبنان وانتصاراتها في لبنان وإسقاطها للعديد من مشاريع أميركا وإسرائيل في لبنان والمنطقة. لكن يبقى الأهم هو الشعب الفلسطيني، لأنه كان عصياً رغم كل الآلام والمعاناة والجراح والمجازر وعوامل اليأس والإحباط وانسداد الأفق، كان عصياً على اليأس وعلى الإخضاع وعلى الاستسلام، وكان لا ينسى المفتاح الذي عادة ينقله الجد للأب والأب للحفيد، مفتاح البيوت، هذا جزء من خطة نفسية مقابلة، سواءً يوجد أحد “عامل خطة أو غير عامل، بالفطرة وبالطبيعة هذا يكون عم ينشغل”.
الشعب الفلسطيني، في داخل فلسطين وفي الشتات وفي المخيمات، وبالرغم من ظروف العيش القاسية وبالرغم من إغراءات الهجرة وأبوابها المفتوحة إلى كندا وإلى استراليا وإلى أوروبا لتفتيت وتشتيت هذا الجمع البشري الفلسطيني. بالرغم من كل الظروف بقي متمسكاً بأرضه، بقضيته، بمقدساته، ببيته، بحقله، ويرفض الاستسلام ويرفض الخضوع.
وما زال الشعب الفلسطيني يفعل ذلك، كان خياره الصمود، التمسك بالحقوق، القتال من أجل استعادتها، وتحمل تبعات هذا الطريق.
ومنذ البداية، من 48 ومن 67، حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة، على اختلاف توجهاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية، والشعب الفلسطيني حمل هذه القضية وناضل من أجلها.
طبعاً، عندما نتحدث عن برنامج أو خطة طويلة المدى، عملت عليها أميركا، عمل عليها الغرب، عمل عليها الإسرائيليون، وأعانهم عليها الكثير من الأنظمة العربية – هذا يجب أن نسجله – على مدى عقود، ليس الآن فقط، أعانهم عليها الكثير من الأنظمة العربية التي كانت عروشهم مرهونة لحماية إسرائيل وبقاء إسرائيل والدفع عن إسرائيل وما زال هذا البرنامج فعالاً حتى الآن وما تشهده العديد من دولنا وشعوبنا وما وصلت إليه الأحوال، يشهد على أنه يوجد برنامج فعال، بل نحن ما فيه اليوم كمنطقة وأمة هو أخطر مرحلة على الإطلاق منذ إغتصاب فلسطين، والسبب هو هذا التدمير المنهجي، هذا الذي حصل عندنا في المنطقة، بداياته ثورات شعبية صادقة ومخلصة وطيبة ومظلومة ولها قضايا ولها مطالب، ولكن هناك من ركب هذه الموجة وأدارها وأخذها بالإتجاه الذي يريده، ما نشهده الآن في منطقتنا هو تدمير منهجي للدول وللجيوش وللشعوب والمجتمعات أيضاً. كنا نتحدث عن تدمير دول، كنا نتحدث عن تدمير جيوش، لكننا الآن نشهد تدمير شعوب ومجتمعات وتفكيكها نفسياً وإجتماعياً وعاطفياً ولإيجاد عداوات لا يمكن معالجتها بعشرات السنين أو بمئات السنين، هذا ليس أمراً سهلا على الإطلاق.
ما يجري في أكثر من بلد عربي اليوم والمخاطر التي تتهدد بقية البلدان العربية أيضاً، سوريا على سبيل المثال، كانت الجدار المتين وستبقى إن شاء الله الجدار المتين في مواجهة المشروع الصهيوني.
سوريا التي كانت الجدار المتين وستبقى الجدار المتين، وستبقى في وجه المشروع الصهيوني وكانت الحضن القوي للمقاومة وللقضية الفلسطينية، كلنا يعرف حجم الحرب المفروضة عليها، العراق الذي دخل في نفقٍ مظلم وللأسف الشديد باسم الإسلام وباسم الخلافة الإسلامية، تُهجر منه عشرات آلاف العائلات المسيحية، وتُهدم فيه كنائس المسيحيين، وأضيف إلى ذلك السنّة الذين يختلفون مع داعش، ليست لديهم خيارات، إما البيعة وإما الذبح، الشيعة الذين إختلفوا أو لم يختلفوا مع داعش ليس لديهم خيار إلا الذبح لأنهم محكومون بالإرتداد، الأقليات الدينية والعرقية وما تُواجهه في محافظة الموصل ومناطق انتشار داعش في العراق وفي سوريا.
نحن كمسلمين اليوم وأيضاً كحركة إسلامية من واجبنا أن نقف هنا وفي يوم القدس لنعلن إدانتنا لما يتعرض له المسيحيون في العراق ولما يتعرض له المسلمون أيضاً في العراق، وليس فقط المسيحيين، ولما يتعرض له مراقد الأنبياء، كنبي الله يونس ونبي الله دانيال، هذه حتى بالتصنيف بالأوقاف في العراق هي ليست أوقافاً شيعية بل هي أوقاف سنية. وأنا أريد أن أعبر لكم عن مخاوف شخصية في هذا الموضوع، أن هذا المشهد من تدمير المساجد والكنائس ودور العبادة والمراقد وصولاً إلى مراقد الأنبياء، أنا أخشى أن يُحضر الجو النفسي في العالم العربي والإسلامي لما هو أخطر، لتهديم المسجد الأقصى. إذا كان يحق للخلافة الإسلامية المدّعاة أن تُدمر المساجد والكنائس ومراقد الأنبياء، فلماذا لا يحق لليهود أن يدمروا المسجد الأقصى؟!، يوجد خشية أن يصبح هذا الشيء أمراً مألوفاً وأمراً عادياً، أنا لا أستدل ولا أحكم لكن نعم سوف تُصبح الأمور طبيعية ومألوفة وعادية، “خير إن شاء الله”، هدموا مساجد وكنائس ومراقد أنبياء ونبشوا القبور، “خير إن شاء الله”، لا يوجد شيء.
نحن اليوم أمتنا نعم هي في أسوأ حال، ولكن الضحية الأولى هي فلسطين، المستهدف الأول كان وما يزال هو القضية الفلسطينية، وعلينا جميعاً أن نعرف أين نضع أقدامنا في هذا الزمن، في زمن الفتنة وفي زمن مؤامرة التصفية وفي زمن إختلاط الحق والباطل. يجب أن نُدقق كثيراً أين نضع أقدامنا وماذا نقول وماذا نفعل وأين نقاتل وأين نُسالم وأين نُحارب، هذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه أمتنا وشعوب أمتنا، خصوصاً نحن شعوب هذه المنطقة المحيطة بفلسطين وداخل فلسطين.
في هذا السياق تأتي الحرب الإسرائيلية الإرهابية على قطاع غزة منذ أيام، وفي هذا السياق كانت الحرب على لبنان في 2006 وعلى غزة في 2008. دائماً هدف الحرب ماذا كان؟ الإخضاع والإذلال والكسر وفرض الإستسلام ونزع السلاح وأخذ أي عنصر من عناصر القوة لديك، إيصالك إلى اليأس وإقناعك بأنه ليس أمامك خيار إلا أن تستسلم للإسرائيلي.
لكن في 2006 وفي 2008 كانت النتائج مختلفة، اليوم أيضاً نحن في لبنان وفي أجواء وذكرى حرب تموز، نحن نستطيع أن نفهم ونستوعب ونتحسس وندرك بشكل كامل كل ما يجري في غزة وعلى أهلنا في غزة في تموز 2014، لأنه نفس الشيء الذي جرى علينا وعندنا في تموز 2006، من حجة خطف المستوطنين الثلاثة، كما حجة الأسيرين. نبدأ من الحجة للحرب، هل هذا هو سبب الحرب؟ إسرائيل التي تريد أن تقتنص الفرصة، وإسرائيل التي ظنت وإعتقدت أن قطاع غزة المحاصر منذ سنوات والظرف الإقليمي والوضع الدولي والوضع النفسي والمعنوي و.. و.. الفرصة الذهبية التاريخية لإخضاع غزة وكسرها وإنهائها أمام إسرائيل كانت الآن، مثل مشروع الحرب في عام 2006، الذي كان سيجلب معه شرق أوسط جديد. تتذكرون السيدة كوندريزا رايس. اليوم الإسرائيلي إستغل موضوع خطف المستوطنين الثلاثة، الذين ليس معلوماً حتى الآن من قام بخطفهم وقتلهم. على الأقل في عام 2006 كان معلوماً من أخذ الجنديين الإسرائيليين. هنا المظلومية في غزة أن هناك عملية خطف أُلبست للفلسطينين، أو ألبست لحركات المقاومة، فأخذ الإسرائيلي منها ذريعة ليشن هذه الحرب في هذا التوقيت، من حجة خطف المستوطنين، إلى الحرب الجوية، إلى آلاف الطلعات والغارات الجوية، إلى القصف المدفعي المتواصل ـ وكما تتذكرون وكلنا كنا سويّة في حرب تموز ـ إلى قصف البوارج البحرية، إلى ارتكاب المجازر، وقتل النساء والأطفال والمدنيين، إلى تهديم البيوت والمدارس والمساجد، وأضيفوا عندنا في لبنان هدموا الكنائس ايضاً، إلى تهجير الناس من بيوتها، إلى العملية البرية التي بدأت منذ ايام، إلى صمت المجتمع الدولي (بعض المجتمع الدولي)، وتواطؤ بعض المجتمع الدولي. اليوم أميركا تغطي هذه الحرب من أول لحظة، وتدعمها بالمال وبالسلاح وبالإعلام وبالموقف السياسي، الغرب كذلك، مجلس الأمن والامم المتحدة كذلك، إلى تواطؤ بعض الأنظمة العربية وصمت بعضها، إلى تحميل المقاومة مسؤولية الدماء والشهداء وما يلحق بقطاع غزة، وتبرئة العدو من هذه الجرائم والمجازر.
لكن في المقابل كان هذا الصمود الشعبي الرائع، هذا التمسك من أهل غزة بالمقاومة والرهان عليها، هذا التحمل الهائل للآلام والمعاناة والجراح والقتل والتهجير، هذا الأداء النوعي والمميز لفصائل المقاومة، وهذا الصمود السياسي في مواجهة كل الضغوط الدولية والإقليمية، لكن في نهاية المطاف أقول لأهلنا في غزة، لشعبنا الفلسطيني، لكم، لكل المستمعين، في نهاية المطاف من الذي سيحسم الموقف؟ أو ما هو الذي سيحسم الموقف؟ ثلاثية على طريقة الثلاثيات الذهبية، ثلاثية الميدان، الصمود الشعبي، والصمود السياسي. هذا هو الذي سيفرض.
في حرب تموز 2006، لأخذ استفادة من التجربة والعبر، الإسرائيلي من اليوم الاول وضع أهدافاً عالية جداً، وصار يتنازل ويتنازل، لكن في الأسبوع الأخير من الحرب، من كان يتوسل الوصل إلى نهاية للحرب كان الاسرائيلي، لماذا؟ وهذه مذكرات جورج بوش وهذه مذكرات كوندليزا رايس، كيف كان يتصل بهم إيهود أولمرت في الأسبوعين الأخرين، ويقول لهم إذا استمرينا في الحرب ستزول إسرائيل.
وحتى نحن، بكل تواضع، المقاومة في لبنان، لسنا مستوعبين لهذا الاستنتاج، أنه كيف اذا استمرت الحرب ستزول اسرائيل؟
في الوقت الذي كان يقال لإسرائيل من بعض الأنظمة العربية: استمروا في الحرب، امسحوهم ـ وهذا الكلام كله يتكرر في هذه الايام ـ استمروا في الحرب، امسحوهم، أو بالحد الادنى افرضوا عليهم شروطاً مذلة، لا تتوقفوا.
لكن الإسرائيلي نفسه وصل إلى قناعة بأنه لم يعد قادراً على الاستمرار بالحرب، واستغاث بالأميركي، وعندما يصبح لدى الاميركي إرادة جدية كل المنطقة “تمشي، ومشيت، ومشي الحال”. أليس هذا الذي حصل في حرب تموز؟ هذا الذي غيّر المعادلة، الميدان، ميدان المقاومين الأبطال، الصمود الشعبي للنساء والأطفال والرجال والمدنيين في كل المناطق، وخصوصاً المناطق التي كانت مستهدفة بالقصف وبالقتل، والصمود السياسي.
أنا أقول اليوم أيضاً في هذه الحرب القائمة، الأمل المتاح أمام الفلسطينيين، إذا أعطي الأمر لأميركا والغرب ولكثير من العرب، هم يتعاطون بمبدأ: هذه فرصة اخلصوا، اخلصوا، هناك بعض الناس يقولون لك اخلص من حماس، هم لا يريدون أن يخلصوا (ينتهوا) من حماس فقط، بل حماس والجهاد الإسلامي وكل الفصائل الفلسطينية، المستهدف في غزة هو المقاومة، وسلاح المقاومة، وإرادة المقاومة، وثقافة المقاومة، والأمل بالمقاومة.
في يوم من الأيام يكون لدى المقاومة عنوان معين، وفي يوم آخر يصبح لديها عنوان آخر، مثل ما حصل عندنا في لبنان، مثل ما يحصل في فلسطين، تتعدد العناوين ولكن الهدف ليس حماس فقط، الهدف كل المقاومة في فلسطين، كل نفق في غزة وكل صاروخ في غزة، كل كلاشينكوف في غزة، كل قبضة سلاح في غزة، بل كل دم مقاوم يجري في عروق الغزيين. هذا هو المستهدف الآن. الأفق هو أن يأتي الإسرائيلي نفسه ويصل إلى مكان يجد فيه أنه لا يستطيع أن يكمل، هذا الذي حصل في تموز 2006، عندما لا يقدر على الاستمرار (يقول): تعالوا يا أميركان واعملوا لنا حل، هذا الذي حصل عام 2006.
طبعاً الحل في مجلس الأمن هو إدانة المقاومة لكن المهم ما بعد الإدانة، هذا هو المهم.
أنا أقول اليوم إن غزة، اليوم غزة وهي تشيّع شهداءها وتقاتل، غزة انتصرت بمنطق المقاومة، وعندما نصل إلى اليوم الثامن عشر ويعجز الصهاينة ومعهم كل العالم أن يحققوا هدفاً واحداً من أهداف العدوان على غزة، هذا يعني أن المقاومة انتصرت في غزة، وأنا أقول لكم أيضاً من موقع المعرفة والشراكة إن المقاومة في غزة قادرة على صنع الانتصار وستصنع الانتصار إن شاء الله، نحن الآن إذاوقفنا وقفة تقييم، ونختم بالموقف.
نحن اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار ان المعركة تدور بين طرفين في الميدان، الطرف الإسرائيلي الذي هو من أقوى جيوش العالم، ولكن الأهم أن هذا الجيش بعد حرب 2006 في لبنان و2008 في غزة، شكل لجاناً ـ وتذكرون فينوغراد، أليس كذلك؟ ـ شكل لجاناً واستخلاص عبر ودروس وناقش ومن الـ 2006 إلى اليوم في حالة تدريب ومناوراة وتسليح وتجهيز وجمع معلومات، وهذا يعني أن ما حضّروه في ثماني سنوات هو تأسيس جيش جديد قوي. هذا من الجهة الأولى، ومن الجهة الثانية قطاع مساحته ضيقة، هو شريط ساحلي أرضه منبسطة والأخطر من هذا كله محاصر منذ سنوات، محاصر أشد أنواع الحصار، بالأخذ بالاعتبار هذان الطرفان، ماذا نرى أمامنا؟ نرى أمامنا الفشل الإسرائيلي، ونرى أمامنا إنجازات المقاومة، أما في الجانب الإسرئيلي:
1- إرباك إسرائيلي في تحديد الهدف من العملية أو من الحرب، إلى الآن هل فهم أحد ما هو الهدف من الحرب؟
لديهم أهداف ضمنية قلتها قبل قليل، لكن ما هو الهدف المعلن؟ هل هو ذاته الهدف الضمني، لا، لم يبدأ الحرب من سقف عالٍ، لماذا؟ انتبِهوا جيدا، لأنهم خائفون، منذ البداية خائفون من الفشل، يعني هم يستفيدون من عبر حرب لبنان، في لبنان بدأوا بـ (هدف) إلغاء المقاومة، ثم تسليم سلاحها ثم إخراجها من الجنوب أو بالحد الادنى من جنوب الليطاني، ثم تسليم الأسيرين بلا قيد وبلا شرط، هل تلاحظون أن الأسير الجندي الاسرائيلي لم يتكلم عنه الاسرائيلي “لابِد عليه”، إذاً لم يبدأ من سقف عالٍ، لماذا لم يبدأ من سقف عالٍ ؟ مفترض أنه أخذ عبراً ودروساً من كل التجارب، من المفترض أن يكون قد رمم جيشه، طبعاً هذا الكلام ليس هدفه التوصيف بل لأن له علاقة بغزة وله علاقة فينا بلبنان وكل المنطقة. سوف أتكلم وآتي على ذكر الموضوع لاحقاً. حسناً، هو لم يتجرأ على إعلان الأهداف، حتى أنه يتحدث عن العملية البرية بأن هدفها تدمير الأنفاق على الحدود، يعني أنه يضع أهدافاً متواضعة حتى إذا حققها يقول: أنا أنجزت الهدف من الحرب. هناك إرباك إسرائيلي في تحديد الهدف.
2 – بشكل استخباري، حول قدرات المقاومة وسلاحها وصواريخها ومخازنها وأماكن تخزين الصواريخ وتصنيعها، ومواضع إطلاقها وأماكن الأنفاق، مفترض أن تكون غزة في دائرة الإحاطة المعلوماتية المطلقة الاسرائيلية من البر والجو والبحر والجواسيس، لكن انكشف فشل استخباري هائل.
3 – فشل سلاح الجو في حسم المعركة. هذا مهم جداً لغزة ومهم جداً للبنان، لماذا أقول إلى لبنان؟ الآن اذا كنتم تتابعون الإعلام الإسرائيلي، في نفس الوقت الذي يقاتل (العدو) به في غزة يتكلم عن حرب لبنان الثانية وحرب لبنان الثالثة، الحرب (الآن) في غزة ولكن هو ينظر إلى عيونكم، كيف تقرأون الحرب في غزة؟ وما هي العبر التي تأخذونها من الحرب في غزة؟ لأن وراء الأكمة ما وراءها، فشل سلاح الجو في حسم المعركة، “…..” أنه قبل أشهر قليلة طلع قائد سلاح الجو الاسرائيلي، كان يبدو أن هذا استلم موقعه حديثاً ولا يفهم شيئاً من شيء، وقال إن جهوزية سلاح الجو الاسرائيلي اليوم بعد كل الترميمات التي حصلت هي قادرة ـ لأنني أشك أن اللبنانيين كان يتابعون هذه الأقوال خلال الأشهر الماضية فاللبنانيون مشغولون في مكان آخر ـ قال إن سلاح الجو قادر على حسم المعركة في لبنان اذا حصلت خلال 24 ساعة وحسم المعركة في غزة إذا حصلت خلال 12 ساعة، نحن اليوم في أي يوم من الحرب على غزة ؟ في اليوم 18، هذا سلاح الجو الاسرائيلي، يتكلم عن من؟ عن غزة المحاصرة، فشل الإسرائيلي في المس بمنظومة القيادة والسيطرة داخل قطاع غزة، ومع احترامنا للشهداء جميعاً، إلا أنه يخترع قادة شهداء وأحيانا يتحدث عن اغتيال قادة وهم ما زالوا على قيد الحياة. إلى هذه الحالة وصل الإسرائيلي، فشل في إيقاف الصواريخ ومنع إطلاقها مع العلم أن الطيران في السماء والرادارات والطائرات من دون طيار وكل ما يتعلق بأجهزة المعلومات والمسح هي في خدمة الاسرائيلي، ونحن وأنتم نعرف ماذا يعني إطلاق الصواريخ في مناخ قتالي من هذا النوع. فشل في العملية اليرية، فيكفي أن أقول ما قاله بعض المعلقين الإسرائيليين، يقول: جيشنا فشل “مش انا عم قول اللبناني المحب للمقاومة وحليفها، هذا العدو، أحد المعلقين المهمين في كيان العدو” يقول: جيشنا فشل، حماس والجهاد صمدوا وقتلوا العامود الفقري لسلاح المشاة لدينا، فماذا يقصد ؟ لواء غولاني ووحدة إيغوز. نعم.
فشل في العمملية البرية، حجم الخسائر في القادة والضباط والجنود والدبابات والاليات الإسرائيلية (كبير)، تهيّب واضح من الدخول في عملية برية واسعة، وهذا نراه في وجه نتنياهو وفي وجه رئيس الاركان، وفي وجه يعالون وفي وجوههم جميعاً، هم محاصرون وهم القوة الأعظم، وهم الخائفون والمتهيبون والمرعوبون من هذه الخطوة، ولذلك لجأ الاسرائيلي منذ البداية ـ وهذا بسبب عدم ثقته بجيشه وبنفسه ـ إلى قتل المدنيين وقتل الأطفال وإلى استهداف البيئة الحاضنة للمقاومة، وإلى كسر إرادة الناس مثل ما كان في لبنان وفي حرب تموز، كان حلمهم أن يروا مظاهرات في الجنوب أو البقاع أو بيروت أو الضاحية أو أي مكان في لبنان، للمهجرين خصوصاً من بيوتهم، تطالب المقاومة بوقف إطلاق النار أو بالاستسلام، وهذا بفضلكم أنتم أشرف الناس وأكرم الناس وأعز الناس لم يحصل في تموز، وهو الآن يعيد هذه التجربة من جديد في قطاع غزة ليفرض على قيادة المقاومة، القيادة السياسية والقيادة الميدانية، ليفرض عليها بأي ثمن القبول بوقف اطلاق النار أو أن تستسلم، هذا يعني أن الجيش الإسرائيلي عندما ذهب إلى غزة لم يذهب كجيش مقاتل وإنما ذهب كجيش قاتل للأطفال، وهكذا عرفناه في لبنان وهكذا هو حاله خلال كل هذه العقود من السنين.
وفي خلاصة أخيرة للتقييم الإسرائيلي، إذا كنتم تذكرون إيهود باراك، وزير الحرب الاسرائيلي في أول حكومة بعد ما غادر أولمرت، شو اسمو “وزير الدفاع”؟ بيرتس ميرتس هيك شي.
إيهود باراك بعد سنوات من العمل وأخذ العبر ماذا قال، وهذا الكلام كرره أيضاً رؤساء أركان إسرائيليون، جملة صغيرة، اليوم هذه الجملة سقطت عند بوابات غزة، طبعاً هو كان يقوم بتهديد لبنان في وقتها، قال إن أي حرب مقبلة ستخوضها إسرائيل ستكون سريعة وحاسمة ونصرها واضح.
غزة اليوم تقول لهم أنتم كما كنتم، لا تقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، أنتم الجبناء الرعاديد الذين تختبئون خلف الطائرات والدبابات وتقتلون الأطفال فإذا ما واجهتم أبطالنا ومقاتلينا وجهاً لوجه سقطتم وسقط جيشكم، هذه هي، لا نصر سريع ولا نصر حاسم ولا نصر واضح وبيّن.
في المقابل، المقاومة وأهلها:
واحد: منذ اليوم الأول وضوح في الهدف، هدفنا رفع الحصار، طبعاً والاحتفاظ بالمقاومة.
اثنين: ثبات في الميدان.
ثلاثة: إبداع في الميدان.
أربعة: مبادرة في الميدان وقتال خلف خطوط العدو.
خمسة: مواصلة قصف الصواريخ تحت ضغط سلاح الجو الهائل هذا.
ستة: إيصال الصواريخ إلى أماكن غير مسبوقة. طبعاً، المقارنة بين تموز لبنان وتموز غزة له ظروف مختلفة، خصوصيات مختلفة ولكن يوجد مشتركات، نحن في تموز أقصى شيء وصلنا إلى أين؟ للخضيرة، لكن الإخوان في غزة من أول يوم أين بدأوا؟ بتل أبيب. هذه هي المرة الأولى التي تنطلق صواريخ من داخل فلسطين إلى داخل فلسطين لتطال كامل مساحة فلسطين، هذا إنجاز هائل. لماذا قلت إننا نعرف ونفهم ونتحسس، الآن يوجد أناس يقولون (إن الفلسطينيين) أطلقوا 100 صاروخ، جملة تكتب في الإعلام. ماذا يعني 100 صاروخ؟ يعني نقلهم وتصنيعهم وإخفاؤهم وتجهيزهم وتوضيعهم وحمايتهم الأمنية، هذا جهد هائل. ثقة عالية بالله وبالنفس وبالمقاومة. صمود شعبي وإحتضان كبير، حتى الآن لم يأخذوا في غزة، لا مظاهرة ولا إعتصام ولا موقف ولا ضغط شعبي على المقاومة، بل الشعب يقول للمقاومة نحن معكم، فلنقتل جميعاً ولكن ليرفع الحصار. صمود سياسي ورفض لكل الضغوط الهائلة الدولية والإقليمية. ماذا يعني أن تقف قيادة المقاومة الفلسطينية وترفض منذ الأيام الأولى وقف إطلاق النار وهي التي تقدم الشهداء من النساء والأطفال والمدنيين ويسارع الإسرائيلي إلى قبول وقف إطلاق النار، هذا له دلالات سياسية ومعنوية وعسكرية كبيرة، وصولاً إلى الهبّة الشعبية في الضفة الغربية التي بدأت تقدم الشهداء، لذلك مآل الأمور ومن خلال ثلاثية الميدان والصمود الشعبي والصمود السياسي إلى فرض معادلات جديدة على العدو وهذا ما يحتاج إلى بعض الوقت.
ليس من السهل أيها الأخوة والأخوات أن يسلّم نتانياهو وإسرائيل للنصر الفلسطيني، أن يعطي للمقاومة الفلسطينية هذا الإنجاز، أنا واثق أن بعض حكام العرب يتصلون الآن بنتانياهو ويقولون له أكمل، لا تعطِهم إنجازاً ولا تعطِهم نصراً، لكن في نهاية المطاف، إسرائيل لا تعمل عند بعض حكام العرب، إسرائيل تبحث عن مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية، والمقاومة هي التي ستفرض على الإسرائيليين الحل كما حصل في تموز 2006 وسيصرخ الإسرائيلي ويطلب من الأميركي أن يجد مخرجاً للأزمة، هذا هو الأفق.
المقطع الأخير، تبقى مسؤوليتنا جميعاً تجاه هذا الحدث العظيم.
أولاً: نحن ندعو إلى وضع كل الخلافات والحساسيات والاختلافات – لماذا قلت لكم لا أريد أن “ألطش” أحداً لأني أريد أن أصل إلى هنا – حول القضايا والساحات الأخرى جانباً، يمكن أن نبقى مختلفين على الموقف السياسي أو غير السياسي من أي ساحة أخرى، يمكن أن نختلف في الموقف، يمكن أن نختلف في التقييم، لكن هذا يجب أن نضعه جانباً، لنقارب جميعاً مسألة غزة كمسألة شعب ومقاومة وقضية محقة وعادلة، لا لبس فيها، لا شبهة فيها، لا ريب فيها، لا اختلاط فيها بين حق وباطل، لأنه ممكن أن يقول أحدا (علينا أن) نعود إلى المحلات الأخرى، كلا هنا لا يوجد لبس، لا يوجد غبار، لا يوجد نقاش. لا عقل ولا دين ولا قيم تقول لك أنه يوجد نقاش في هذه المعركة الدائرة الآن في غزة. لنقاربها كمسألة شعب ومقاومة وقضية محقة وعادلة، حتى لو بقي الخلاف على الموضوعات الأخرى، غزة الآن بدمائها وأشلائها ومظلوميتها وصمودها وبطولاتها، يجب أن تكون فوق كل اعتبار وكل حسابات وكل حساسيات.
للأسف نسمع مواقف في بعض الإعلام العربي الذي يتهم المقاومة منذ اليوم الأول ويحمّلها مسؤولية الدماء، ثم يحمّلها مسؤولية إستمرار المعركة ويحرّض عليها، بل وصل النزق بالبعض أن يعرب عن تعاطفه عبر بعض الفضائيات العربية مع الإسرائيليين ومع الجيش الإسرائيلي، والدعوة إلى الإجهاز على حماس، هذا أمر معيب وأمر محزن أياً تكن الحسابات والخلافات والحساسيات، من المحزن بل من المخزي أن نجد عربياً على فضائية عربية يعلن تعاطفه مع الجنود الإسرائيليين، الذين يقتلون الأطفال في غزة، نتيجة نزاع سياسي أو حساسية سياسية، في الحد الأدنى يا أخي من لا يريد أن يتعاطف فليسكت، من لا يريد أن يتعاطف أو يؤيد فليسكت، ولا يحمل نفسه أو أمته هذا العار.
ثانياً: دعوة ما أمكن من الحكومات العربية والإسلامية لتبني هدف رفع الحصار عن غزة الذي تطالب به قيادة المقاومة الفلسطينية، وحماية هذا الهدف والدفاع عنه وحماية القيادة السياسية للمقاومة من الضغوط التي تمارس عليها لوقف النار من دون تحقيق هذا الهدف، لأن الحصار هو موت يومي للفلسطينيين في غزة، وهو قتل يومي وليس 18 يوماً بل على مدار السنين، بلا أفق وبلا مستقبل.
ثالثاً: من نافلة القول لأنه هذا أصبح كلاماً مكرراً، الدعم السياسي والمعنوي والإعلامي والمالي والمادي، وصولاً برأينا إلى الدعم التسليحي لكلٍ بحسب ما يستطيعه ويطيقه، وبعيداً عن كل الحساسيات القائمة.
يجب التذكير هنا لأنه يوجد بعض المزايدات، يجب التذكير هنا أن إيران وسوريا ومعهما المقاومة في لبنان وبالخصوص حزب الله على قدر إمكانياته، وعلى مدى سنوات طويلة لم يقصّروا ولم يتوانوا في دعم المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، على المستوى السياسي أو الإعلامي أو المعنوي أو المالي أو المادي أو التسليحي أو التدريبي أو اللوجستي أو الخبرات المختلفة، هناك اليوم من لا يقوم بأي عمل إيجابي لغزة ولفلسطين سوى التلهي بالمزايدات، من يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وغزة ومن لا يقف، لا أريد أن أدخل في مهاترات مع أحد، لكن يكفي لأي منصف بشكل هادىء أيضاً أن يضع جدولاً ليضع فيه محور المقاومة، دولاً وحركات، ويضع فيه الآخرين من أينما كانوا، دول وتنظيمات ومنظمات وتيارات…، ويجري عرضاً على مدى عقود: ماذا قدّم محور المقاومة لفلسطين وللقدس وللشعب الفلسطيني من دماء وتضحيات ودخول في حروب وصراعات من أجل فلسطين وإمكانات ودعم بالرغم من كل الأعباء والمخاطر والتبعات، تبعات في العالم، تبعات في العالم، حصار وعقوبات وحروب كل هذا بسبب فلسطين، بشكل أساسي كان بسبب فلسطين.
وبالجهة الأخرى ليرى أولئك ماذا فعلوا لفلسطين؟، أين قاتلوا من أجل بيت المقدس؟ وماذا قدّموا للشعب الفلسطيني؟ بل أكثر من ذلك ماذا قدّموا لكل الحروب الأخرى؟ ماذا قدّموا في كل الساحات الأخرى التي تخدم إسرائيل وتخدم هدف إلغاء القضية الفلسطينية الذي تحدثت عنه أولاً، لا أريد أن أقول أكثر من ذلك في هذا الجو من المزايدات.
في مواجهة هذا الحدث، نحن في حزب الله كنا وسنبقى نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، وإلى جانب المقاومة في فلسطين، كل فصائل وحركات المقاومة في فلسطين بلا أي إستثناء.
نحن في حزب الله لم نبخل بأي شكلٍ من أشكال الدعم والمؤازرة والمساندة التي نستطيعها ونقدر عليها. نحن في حزب الله نشعر أننا شركاء حقيقيون مع هذه المقاومة، شراكة الجهاد والإخوة والآمال والآلام والتضحيات والمصير أيضاً، لأن انتصارهم هو انتصارٌ لنا جميعاً وهزيمتهم هي هزيمةٌ لنا جميعاً.
نحن في حزب الله نتابع بدقة وبالتفاصيل كل مجريات المعركة القائمة الآن في قطاع غزة وفلسطين ونواكبها، ونتابع كل تطوراتها الميدانية والسياسية. ومن هذا الموقع نقول لإخواننا في غزة: نحن معكم وإلى جانبكم وواثقون من ثباتكم وإنتصاركم، ونحن سنقوم بكل ما نرى أنه من الواجب أن نقوم به وعلى كل صعيد.
ولبيت العنكبوت أقول، وللصهاينة أقول: أنتم في غزة الآن تراوحون في دائرة الفشل، ولا تذهبوا أبعد من ذلك إلى دائرة الإنتحار والسقوط.
وإلى موعدٍ جديدٍ مع إنتصارٍ جديدٍ للمقاومة ولشعب المقاومة ولحركات المقاومة، أستودعكم الله وحرسكم الله ونصركم الله وحفظكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.