مجزرة كامب دايفيد الثانية

jaafar-sleem-saudi-campdavid

موقع إنباء الإخباري ـ
جعفر سليم*:
ضمت معاهدة سايكس بيكو التي صيغت في شهري نيسان وأيار من عام 1916، في طياتها اثنتي عشرة مادة ولونت أراضي عربية بالألوان الأزرق والأحمر والأسمر. (1)
في المنطقة الزرقاء، وحسب المادة الثانية يباح لفرنسا (شقة سوريا الساحلية) ولإنكلترا في المنطقة الحمراء (شقة العراق الساحلية من بغداد حتى خليج فارس) نشر ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو بالمراقبة،  بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.
وفي المادة الثالثة ـ تقول الاتفاقية ـ تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين) يعين شكلها بعد استشارة روسيا بالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.

في اللقاء الأول عام 1915،  والذي جمع السير بيرسي كوكس المعتمد البريطاني في سواحل الخليج في مخيم العقير مع الأمير عبد العزيز بن سعود تم تعيين الأمير سلطاناً على نجد والقطيف والاحساء والجبيل. وبعد التهنئة والتبريك طلب كوكس إقامة وطن لليهود في فلسطين. وهذا ما كان، إذ سحب كوكس ورقه من جيبه وناولها للسلطان، وخط رسالة بيده بأحرف تدل على تدني معرفته التعليمية، وفك الأحرف كما يقال… وقال فيها: أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود أقرّ وأعترف للسير بيرسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع لدي من إعطاء فلسطين لليهود أو غيرهم كما ترى بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة”.
وبعد سؤاله عن غضب العرب لو عثروا على هذه الوثيقة ؟ قال “ما دام هذه الورقة عند كوكس فهي في مأمن”، ولم يكن يعلم أن بريطانيا سوف تنشر جميع الوثائق السرية.
وفي اللقاء ذاته تم توقيع معاهدة بين الحكومة البريطانية وبين السلطان عبد العزيز تتعهد فيها بريطانيا بالاعتراف به وحمايته وذلك في 3 كانون الثاني 1915.
saudi-israel-document
في شهر أيار من عام 1948، وقعت أجزاء كبيرة من فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني بالتنسيق مع المحتل البريطاني، وفي عام 1967 استكمل الاحتلال سيطرته على كامل فلسطين وصولاً إلى سيناء المصرية التي حاول إنشاء دويلة فيها رفضتها القبائل بالإجماع، وهضبة الجولان السورية.
لمحة تاريخية بسيطة كان لا بد منها للدخول إلى “مذبحة التنازلات” في كامب دافيد كما وصفها وزير الخارجية المصري الاسبق محمد كامل، ففي السابع عشر من شهر أيلول عام 1978 تم التوقيع على اتفاقية بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس حكومة العدو مناحيم بيغن، بعد اثني عشر يوماً من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد في ولاية ميريلاند، تحت إشراف الرئيس الأميركي جيمي كارتر، تعهد فيها الطرفان بإنهاء حالة الحرب.

واليوم يجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما بدول الخليج ممثلة بالشيوخ والأمراء وغياب الملوك بعد تصريحه الشهير، حيث قال في مقابلة مع الصحافي توماس فردمن في الخامس من شهر نيسان الماضي إنه سيجري حواراً صعباً مع الخليجيين، معتبراً “أن أكبر خطر يتهددهم ليس التعرض لهجوم محتمل من ايران بل السخط داخل بلادهم بما في ذلك سخط الشباب الغاضبين والعاطلين من العمل والأساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم”، وأكد انه يتعين عليهم “معالجة التحديات السياسية الداخلية والأزمات الإقليمية”.

وهنا نعود إلى التعهد البريطاني لحماية دول الخليج من أنفسهم أولاً الذي أعطي لهم في العام 1915، بعد الحروب التي خاضوها بين بعضهم البعض في الصحراء،  تمهيداً لتقسيم الأراضي وتوزيعها حصصاً على القبائل، والأراضي العربية الأخرى في بلاد الشام على الحكومات العربية المتعاونة مع دول التحالف تحت عنوان الثورة العربية ضد الدولة العثمانية وتالياً ضد روسيا وألمانيا، واستتبع ذلك بعد 55 سنة بخلق رعب جديد ضد هجوم محتمل من إيران زُرع في عقولهم منذ انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، وتم استثماره ببيعهم أسلحة بآلاف المليارات من الدولارات، استخدم الكثير منه في العدوان على إيران من العام 1980 لغاية 1988 وتجدد استخدامه في العدوان على سوريا واليمن في محاولة منهم لعرقلة مشروع الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية .

بالأمس تنازلوا عن فلسطين برسالة خطية من سلطان آل سعود. واليوم ستنفذ مجزرة تنازلات جديدة تضاف إلى مجزرة التنازلات في كامب ديفيد الأول السىء الذكر في كامب ديفيد الثاني، مقابل الحفاظ على السلطة وتجديد تعهد الحماية من الأميركي هذه المرة عبر الدرع الصاروخي المدفوع الثمن مسبقاً.

و يبقى السؤال: من يحميهم من أنفسهم ؟ نتيجة السخط الشبابي والعاطل من العمل وفي غالبيته من المتعلمين جيداً والقادرين ليس على فك الحرف بل على فك الشيفرات السرية التي تربط هذه العصابات الوهابية بالعصابات الصهيونية منذ العام 1917 .

1- المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2003 .

* عضو اتحاد كتاب وصحافيي فلسطين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.