مقابلة خاصة مع الكاتب والباحث هادي حسين: في باكستان لعبة توازن قوى داخلية معقدة.. ومستقبلنا أفضل من الحاضر

موقع إنباء الإخباري ـ

أجرى المقابلة: محمود ريا

 

يحتفل الباكستانيون بعيدهم الوطني هذه المرة في ظروف إستثنائية تعيشها العاصمة إسلام آباد، بعد إقالة رئيس الوزراء المنتخب نواز شريف بحكم صادر من المحكمة العليا في باكستان بعدم أهلية نواز شريف لتولي المنصب، وانتخاب البرلمان الباكستاني بالأغلبية، شاهد خاقان عباسي ـ وزير البترول في حكومة نواز شريف ـ رئيساً جديداً للحكومة الباكستانية.

للمزيد حول الموضوع، ومستقبل الديمقراطية في باكستان، خص الكاتب والباحث الباكستاني “هادي حسين” موقع إنباء الإخباري بمقابلة ننشرها على موقعنا بمناسبة العيد الوطني السبعين لإنفصال باكستان عن الهند في 14 آب/ أغسطس من العام 1947.

 

س . سبعون عاماً مرت على الانفصال عن الهند، ولم تنجح أي حكومة إلى الآن بإكمال ولايتها، كيف تفسرون ذلك؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟

ج . كل ما تفضلتم به في المقدمة صحيح. وسؤالكم أجده أكثر من واقعي، ونحن بحاجة إلى إجابة توصيفية أكثر منها دبلوماسية، رغم حساسية السؤال، مطلق سؤال في دول العالم الثالث، التي تعاني بتقديري من “فوبيا الحقيقة”. فحتى مجتمعاتنا تعيش فوضى الذوات المتبعثرة والمُتخفية خلف أصنام من التقاليد والأعراف والخطابات الهستيرية، التي رُحنا نقدّسها كعادتنا من غير إخضاعها لسلطة العقل.

وكذلك الأمر في باكستان. فتقديم المصالح الفردية والجهوية والفئوية على مصلحة الوطن هو ما يُفسر عدم نجاح أي حكومة لليوم باستنفاذ حقها الدستوري المُستمد من البرلمان الباكستاني، وبالتالي من الشعب الباكستاني بإتمام سنين ولايتها الخمس. أما المسؤولية فبنظري الكل مسؤول. الشعب مسؤول، الأحزاب الكبيرة كحزب الشعب وحركة الإنصاف والجماعة الإسلامية مسؤولة. الدكاكين السياسية التي لا مستقبل لها ـ الإسلامية منها وغيرها ـ تتحمل المسؤولية أيضاً. النُخب، الإعلام، رجال الدين، الأكاديميون، الكل يا سيدي مسؤول. فبعد إنتخابات 2013، التي حصلت بجو أقرب لكونه كرنفال سياسي، لا سيما بعد إتمام الرئيس آصف علي زرداري لولايته كرئيس للبلاد لأول مرة في تاريخ باكستان، فقد كنا بنظري أمام فرصة حقيقية لنخطو الخطوة الأولى في سفر الألف ميل نحو “جمهورية ديمقراطية” تضمن لشعبنا حقوقه السياسية والمدنية من جهة، وتعيد لنا اعتبارنا بين الدول كجمهورية مضى على تأسيسها 70 عاماً. لكن ذلك كان مشروطاً بأن تنجح الحكومة المدنية بإتمام ولايتها حتى الربع الأول من 2018، موعد الإنتخابات العامة القادمة.

س . هل أفهم من كلامكم أنكم ضد محاكمة الفساد وتؤيدون نواز شريف وحكومته؟

ج . بالتأكيد لا. أنا لم أقل ذلك. بل على العكس، محاكمة الفساد والتصدي للفاسدين ضرورة، وخطوة لا بد منها نحو جمهورية ديمقراطية عادلة، فإذا صلُح الحكام صلُحت الرعية. لكن أنا ضد تسييس مؤسسة بحجم القضاء، فتسييس القضاء عاقبته وخيمة، وسنجد في الغد من يتجرأ على أحكام هذه المؤسسة التي من المفترض أن ينصاع لها الجميع، هذا من جهة.

من جهة ثانية، أن تصبح مؤسسة القضاء أداة بيد البعض في اللعبة السياسية لتصفية البعض وعدم السماح للبعض الآخر بتسجيل نقاط، شيء خطير جداً ويجب التنبه له، فلا شيء بتقديري يستحق من أجله التضحية بمؤسسات الدولة، التي هي بمثابة الركن العتيد للبيت الواحد.

س . من تقصد بهذا الآخر الذي تم إستعمال حسب قولك المحكمة العُليا في باكستان من أجل عدم السماح له بتسجيل نقاط؟ ونقاط على من؟

ج  . نعم. هناك في باكستان لعبة توازن قوى داخلية معقدة مرتبطة بمصالح باكستان العامة في الداخل والخارج. وما لم يتم فهم موازين القوى هذه سيكون من الصعب بل المستحيل بتصوري فهم الساحة الباكستانية أولاً، وإيجاد مساحة تحرك وجودي لك كفرد ناشط أو جماعة ثانياً.

بناءً على ذلك، الدولة العميقة في باكستان ما تزال تجد أن حزب الشعب (بوتو) وحزب الرابطة الإسلامية(نواز) هما الأجدر على مشاطرة المؤسسة العسكرية مشهد السلطة بناءً على تفاهمات وشروط لا تهدد الأمن القومي الباكستاني.

من هنا، يهم المؤسسة العسكرية إعادة تشكيل التوازنات الداخلية في باكستان قبل أشهر من الإنتخابات العامة، وتذكير البعض بأحجامهم الحقيقية، وعدم السماح للبعض الآخر ـ أقصد عمران خان ـ بتحقيق إنتصار مدوي على نواز شريف من خلال إسقاطه في الشارع، كما كان يسعى ويرغب عمران خان، ودفعت المؤسسة العسكرية الأمور نحو ما نراه اليوم، فالحكومة لا تزال حكومة حزب الرابطة الإسلامية (نواز) ورئيس الجمهورية لا يزال تحت إبط نواز شريف، أما عمران خان فقد سحبت المحكمة العُليا ـ بحسب تعبير صديق لي ـ نصراً مؤكداً من تحت قدميه.

س . إذا كان الأمر كما تتفضلون، هل لي أن أفهم من كلامكم أن المؤسسة العسكرية حمت نواز شريف بهذا التكتيك المُعقد؟

ج . ليس بالضبط. وإن كان بتقديري ـ والانتخابات المقبلة ستؤكد ذلك ـ أن نواز شريف أصبح ذا خبرة والأقدر على التواصل مع قيادات الجيش وعقد التفاهمات معها على أسس تحفظ مصالح الطرفين. لكن على نواز شريف أن يتغلب على طبيعته كتاجر ويتخلى عن جشعه إذا أراد العودة للسلطة بشكلٍ أو بآخر.

فمشروع الممر الإقتصادي الصيني ـ الباكستاني هو أحد أهم أسباب ما جرى لنواز شريف، فالجيش غير مستعد ليشارك أحداً ولأي ظرفٍ كان في استثمارات هذا المشروع الذي تبلغ قيمته 46 مليار دولار أمريكي.

س. إذا سمحت لي ، ما الذي يفاجىء الكاتب والباحث هادي حسين ؟

ج  . لا يفاجئني شيء. فقد مررت بظروف وحوادث جعلتني أجد كل شي عادي، لا أشعر بالدهشة أو المفاجأة من أي شيء إطلاقاً. لعل الإنسان عندما يكبر قليلاً وينضج يصبح أكثر عقلانية ومنطقياً أكثر، فكل شيء ممكن والأهم أنني لا اؤمن بالصدف حتى أتفاجأ.

س . آخيراً، باكستان إلى أين؟

ج . إلى حيثُ نحن. نحن مُستقبل باكستان. من سبقنا كان ماضي باكستان، والموجودن حالياً هم حاضر باكستان، ويقيني دائماً أن الغد أفضل من اليوم، والمستقبل أفضل من الحاضر، فعلينا أن نقرأ.. ونقرأ.. ونقرأ.. ونعمل لغدٍ أفضل يليق بباكستان محمد علي جناح ومحمد إقبال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.