أنظمة الخليج.. والفتنة على أرض الشام!
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبّير:
المخرج النهائي للصراع الفتنوى على أرض الشام كان قد تحدد منذ حسم معركة القصير، أي أن نتائج الهزة الرئيسة للفتنة على أرض الشام قد حسمت، وما يجري حالياً من نشاط على أرض الشام هو مجرد هزات ارتدادية ستكلفنا المال والجهد والدم، لكنها لن تؤثر في مخرجات الصراع، فهذه المخرجات قد تم حسمها منذ حسم معركة القصير. والخليجيون لم يدركوا إلا أخيراً أن اللعبة قد انتهت!
فكما الطفل الذي يعتقد أن أباه على كل شيء قدير، تعتقد الأنظمة الخليجية أن أمريكا على كل شيء قديرة. لذا توجهت هذه الأنظمة للإدارة الأمريكية، تدفع باتجاه ضربة عسكرية ضد سوريا، كي يجلبوا للشعب السوري حرية سجن أبوغريب وديمقراطية تشوهات اليورانيوم المنضب. لكن الإدارة الأمريكية تحسب موضوع تدخلها بموضوعية بعيداً عن التقديرات الطفولية وحسابات التمنيات للموقف كما قالها كيري لسعود الفيصل في نيويورك.
وقد اعتمد الخليجيون على اليمين المتصهين الذي يقف مع الضربة مهما كانت النتائج كارثية على الولايات المتحدة، فمثلا حشدت قناة فوكس نيوز رموز اليمين المتصهين أمثال جون بولتن وآن كولتر، ليدفع أوباما باتجاة القيام بتوجيه ضربة لسوريا من خلال وضع أوباما على الشجرة.
أوباما نفسه لا يريد دخول حرب، وإن ربما راودته نفسه فترات للقيام بضربة حتى يتم استخدامها لتوليد الشعور الوطني اللازم لاستغلاله في تمرير الميزانية التي تسبب عدم تمريرها في شلل جزئي للحكومة الأمريكية. لكن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تتورط في حرب لا تعرف مخرجاتها. فالجمهورية الإسلامية بالنسبة للإدارة الأمريكية يكتنفها غموض شديد، فهي لا تعرف دقائق الأمور داخل الجمهورية الإسلامية! هناك غموض معلوماتي كبير لدى الإدارة الأمريكية حتى من حيث توفر الردع النووي لدى إيران من خلال البلوتونيوم!
ولما كان السياسيون الخليجيون غير لماحين ولا قادرين على روز الوضع واقعياً، اضطرت السياسة الأمريكية لتجاوزهم، فلم يعلموا مسبقاً عن اتفاقات كيري فضلاً عن أنه لم يستشرهم، وكان لا بد للأنظمة الخليجية معرفة وضعها النسبي. فالولايات المتحدة هي التي تحركها وليس العكس، مهما كانت الحجج التي يتداولونها تقع في صلب السياسة الأمريكية وفي صلب المصلحة الأمريكية.
ما يسمى بالأنظمة الخليجية قام بخلقها وتكوينها الاستعمار البريطاني كجزء من منظومته، بمعنى أن المطلوب منها هو تحقيق أهدافه. ورثت أمريكا جزءاً منها فيما ورثت عن بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. بمعنى أن هذه الأنظمة جزء من المنظومة الصهيواستعمارية لتحقيق أهداف المنظومة وفق تعريف المنظومة لها. أنظمة في الخليج مثل عمان ما زالت إلى اليوم تحكم من قبل بريطانيا بشكل مباشر، أي تتخد قرارات تسيير دفة الحكم من قبل بريطانيا. فقرار الانتخابات البلدية الأخيرة هو قرار بريطاني لخلق نوع من الثبات في البيئة السياسية العمانية في مواجهة ربيع محتمل. كما أن قرار تنحي حمد بن خليفة آل ثاني هو قرار بريطاني بعد اتضاح مبكر لبريطانيا خسارتهم لمخرجات الفتنة على أرض الشام، للهروب بقطر من تحمّل نتائج هذا الفشل.
في المملكة العربية السعودية اعتمد الملك عبد العزيز سياسة التسليك أي التوافق السلبي أو التفاعل السلبي مع هذه الأهداف، وهي سياسة معقولة في إطار تناسب القوة بينه وبين بريطانيا أو أمريكا القوة الصاعدة آنذاك. كان يوافق على أي شيء وكل شيء، لكنه لم يكن ليقوم بخطوات عملية في هذا الاتجاه سواء مع أو ضد ولا يأخذ مبادرة في هذا الصدد. وقد تحولت سياسية المملكة على يد الملك فيصل من سياسة التسليك إلى سياسة المبادرة، أي التوافق الإيجابي أو التفاعل النشط مع هذه الأهداف، بتوفير الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف أو ذاك، بل وبتبني واقتراح أهداف كما راينا في انفصال 1961 وحرب 1967 والجهاد الأفغاني، والآن في الحرب على سوريا. لكن هذا الأمر لا يخلط الأوراق بالنسبة لدور كل فريق في المنظومة ومن صاحب القرار النهائي في الممارسة، وهو ما يعني أن تبني سياسة المبادرة لا يخولها الدخول على تفاصيل تعريف هذه الأهداف، وتبقى هذه الأنظمة هي المستقبلة لقرارات المنظومة.
فمتى تعي الانظمة الخليجية حجمها الطبيعي وتتصرف بمقتضاه حرصاً على سلامتها؟!