أهكذا تُترجم “سياسة النأي بالنفس”؟

Syrian child refugees who have fled from Homs city with their parents, sit in a group in Wadi Khaled village in northern Lebanon

مجلة الثبات اللبنانية ـ
حسان الحسن:

لاريب أن استقبال النازحين السوريين الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم قسراً، هرباً من أعمال القتل ومختلف أنواع الإرهاب، هو شأن إنساني محض، أقرّت به أيضاً المواثيق والأعراف الدولية.
فلا يجوز أبداً إغلاق الحدود في وجه النازحين، جراء التجاوزات الأمنية التي أقدم عليها بعضهم، خصوصاً أن بين لبنان وسورية روابط تاريخية وجغرافية، إضافة إلى أواصر قربى تربط عدداً كبيراً من العائلات اللبنانية بعائلات سورية استقبلت هي بدورها عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين نزحوا عن ديارهم إبان الحرب اللبنانية في القرن الفائت، وجراء الاعتداءات “الإسرائيلية” على لبنان، والتي كان آخرها عدوان تموز 2006.
وعندما حاولت مجموعات “فتح الإسلام” النيل من استقرار لبنان وجيشه وعيشه الواحد، وإقامة “دولة وهابية” في شمال لبنان، لم تنأَ سورية بنفسها عما يجري في لبنان آنذاك، وقدمت الدعم اللوجتسي اللازم للجيش اللبناني، حتى تمكّن من استئصال البؤر الإرهابية من الشمال، خصوصاً المعقل الرئيسي “لفتح الإسلام” في مخيم نهر البارد.
اليوم، وبعد اندلاع الأزمة السورية، لم تتبع الحكومة اللبنانية سياسة المعاملة بالمثل، بل قررت النأي بنفسها عما يجري في الجارة الأقرب، تفادياً لأي انعكاسات خطرة قد تتهدد الوضعين الأمني والاجتماعي في لبنان.
وقد نالت سياسة “النأي بالنفس” موافقة غالبية القوى اللبنانية، على اعتبار أنها تجنب لبنان الانزلاق في أتون النار السورية، لكن هل انتهجت الحكومة السياسة المذكورة قولاً وفعلاً؟ وهل تشمل أماكن وجود النازحين السوريين في لبنان أيضاً؟ وهل لدى الأجهزة المختصة قوائم عن الأعداد الدقيقة للنازحين وعن أماكن إقامتهم، وتقارير أمنية عن أنشتطهم على الأراضي اللبنانية بحسب ما تقتضي الأنظمة والقوانين؟
في هذا الصدد، تقوم بعض البلديات القربية من الأكثرية في إجراء عمليات مسح لتبيان عدد النازحين وأماكن إقامتهم، في وقت تتغاضى البلديات التابعة للأقلية عن هذا الأمر.
فمن المؤكد أنه لا يوجد لدى الدوائر المختصة قوائم تحدد أعداد النازحين بشكل دقيق، ولا يخضعون أيضاً للمراقبة الأمنية الدقيقة، وإلا كيف اشتبك بعض المسلحين السوريين مع الجيش اللبناني في منطقة قصقص غداة اغتيال اللواء وسام الحسن؟ وقبلها كيف شنوا هجوماً على مقر “التيار العربي” في طريق الجديدة؟ وراهناً تتحدث تقارير صحافية فرنسية عن وجود ثلاثة آلاف مسلح تكفيري في طرابلس، من جنسيات غير لبنانية، غالبيتهم من التابعية السورية، أهكذا تترجم “سياسة النأي بالنفس”؟
الأخطر من ذلك، وتحت ستار “إنساني”، خصصت بعض الجمعيات التي تدور في الفلك الخليجي مدارسها لتدريس التلامذة النازحين وفقاً للمناهج التعليمية السورية خلال فترة بعد الظهر، وقد تحولت هذه المدارس إلى أشبه بمراكز إعداد “عقائدي” للفكر التطرفي، وللتحريض المذهبي، في سبيل ضرب النسيج الاجتماعي السوري، وزرع الشقاق بين السوريين، كل ذلك يجري في لبنان في ضوء سياسة “النأي بالنفس”!
في المحصلة، مشكلة النازحين السوريين باتت أكبر من قدرة لبنان على تحملها، وهناك معايير عدة في القانون الدولي تفرض على المجتمع الدولي الالتزام بهذه المسؤولية، ومساعدة لبنان على تخطيها، فكم من مرة اعتبر مجلس الأمن تدفق اللاجئين تهديداً للسلم والأمن الدولييْن؟ وهناك من القواعد العديدة التي تجعل النازحين مسؤولية دولية، فلماذا لا يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته؟ وهل يكون التقاعس عن هذه المسؤولية مقصوداً، وهدفه إيجاد صاعق تفجيري للساحة اللبنانية يكون مصدره النازحين السوريين هذه المرة؟
على اللبنانيين الوعي لهذه الخطورة، وعلى المهتمين بشؤون النازحين، والمتولين المسؤوليات الأمنية في البلاد، منع تحول النازحين إلى بؤر لتغلغل الإرهابيين وإيجاد بيئة حاضنة لمن يحاول تفجير لبنان أو استخدامه منطلقاً لدعم الإرهاب في سورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.