إرتفاع الدولار لعبة ذات أبعاد أميركية وأهداف سياسية!

موقع العهد الإخباري-

حسن شريم:

جملةٌ من الأزمات يعيشها اللبنانيون وكأنّ المواجهة المستمرة قدرهم. كسفينة دون ربّان يُبحرون وسط أمواج عاتية لا أفق معها للحل. اضطراب غير مسبوق في السوق النقدي يصاحبه انهيار دراماتيكي لليرة. تفلّت من الضوابط القانونية، وأسعار فالتة من عقالها لم تنجُ سلعة من “شرّها” والشواهد كثيرة. ارتفاع في أسعار الدّواء وكلّ المواد والسّلع من الخبز والأغذية المستوردة بغالبيتها، مرورًا بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة، إلى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين صارم في التيار، وصولًا إلى استنزافٍ خطيرٍ للموارد البشرية عبر هجرة الأدمغة والكفاءات الطبيّة والعلمية واليد العاملة الشابّة.

الأزمات المذكورة ليست وليدة الصدفة طبعًا. ثمّة سياسات نقدية ومالية خاطئة أوصلت الحال الى ما هو عليه. تلك السياسات تناغمت مع دوامة من المؤامرات الخارجيّة التي عصفت بلبنان ما دفع بشرائح واسعة من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر. السِّمة الأكثر وضوحًا بالمشهد القاتم في الوطن الذي دخل قلب العاصفة، وسط عجز السلطات الرسمية اللبنانية عن تقديم حلول للجم الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يفاقم مأساة المواطنين ومعاناتهم.

ووفقًا لتقرير “مرصد الاقتصاد اللبناني” الصادر عن البنك الدولي، من المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وفي مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الانقاذية وغياب سلطة تنفيذية -تقوم بوظائفها كاملة- الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلًا والسَّلم الاجتماعي خصوصًا مع وصول سعر صرف الدولار الى عتبة الثلاثين ألفًا وذلك للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، ما يطرح الأسئلة عن المنحى الذي يتّجه اليه سعر صرف الدولار في لبنان، والأسباب الحقيقية لارتفاعه، فضلًا عن خطط المعنيين لكبح جماح الإرتفاع؟.

ناصر الدّين: أزمة الدولار تصاعديّة

بدوره، يعلّق الكاتب والباحث الإقتصادي زياد ناصرالدين على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، فيعتبر “أنَّ الأزمة المالية في لبنان مزمنة، وأنَّ عام 2021 كان عام انهيار الدولار بامتياز وهذا ما سيشهده عام 2022 إذ سيستمر الدولار بنفس المسار التصاعدي مما سيؤدي إلى انهيار العملة أمام الدولار أكثر وهذا سينعكس على انهيار الواقع الانتاجي وسيؤدي إلى استغلال بواقع المضاربة للدولار إضافة إلى انخفاض تغطية الخسائر بالمصرف المركزي والمصارف”.

ارتفاع الدولار لعبة ذات أبعاد أميركية وأهداف سياسية!

وأضاف ناصر الدّين: “الواقع المذكور كانت له انعكاساته السلبية فخلق حالة من اللاإستقرار ما وضعنا في خانة الفوضى المالية والنقدية معَ غياب أي إجراء لمنع وردع انهيار الدولار، وقد أصبح هناك “قوّة مشكّلة” تستفيد من انهيار الدولار من المضاربين فضلًا عن واقع الحكومة الغائبة عن تحديد الخسائر وإقرار الموازنة، لأنه كلّما انهار الدولار تصبح الالتزامات على الدولة والمصرف المركزي والمصارف التي تدور في فلكه أخف وبالتالي يتحمّل المودع العبء ويدفع الثمن بشكل مباشر”.

الأزمة نِتاج تحالف الفساد الداخلي معَ الحصار الأميركي الخارجي

ورأى الكاتب والباحث الإقتصادي أنَّ” أسباب الأزمة الاقتصادية في لبنان عديدة أهمّها “تحالف الفساد الداخلي معَ الحصار الأميركي على لبنان، إضافةً إلى انعدام الثقة الداخلية بالقطاع المالي والمصرفي في ظلِّ غياب المراقبة الفعليّة والمعالجة الجذرية وعدم اتخاذ أي إجراءات رادعة لانهيار العملة أمام سعر صرف الدولار”.

ولفتَ ناصر الدِّين إلى أنَّه “أصبح لدينا اقتصاديات بديلة عن الاقتصاد الواحد مما أثَّر على التفلت في الإسراع بانتشار الأزمة المالية والتي تُعتبر الفريدة من نوعها بالواقع النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي بالعالم وبالمنطقة على وجه الخصوص”.

مشروع كبير يستهدف محاصرة لبنان وإفقار اللبنانيين

وفي السياق، أشار ناصر الدِّين الى “أنَّه لا يمكن طلب الحلول أو الإصلاحات من الذين أوصلوا البلد إلى هذه الأزمة، فهم جزء أساسي من المشكلة والمستفيدون الأوائل من هذا الوضع المالي المتفاقم”.

وأضاف: “في لبنان هناك من لديه مشروع ذو أبعاد سياسية لتحقيق أهداف سياسية”، وبيَّن أنَّ “هذا المشروع يستهدف الواقع الاجتماعي في لبنان كما يستهدف إفقار اللبنانيين ومحاصرة لبنان من أجل التطبيع مع العدو “الإسرائيلي” ويستهدف محاصرة سلاح المقاومة وإضعافها لردعِ لبنان من الاستفادة من مصادر الطاقة لا سيما النفط والغاز”.

إضافة لذلك، رأى ناصر الدِّين: “أنَّ مشروعهم يمتد ليخدم أهدافهم بأن يسلِّم لبنان لترسيم الحدود ويخضع لشروط صندوق النقد الدولي ويسلِّم لموضوع تثبيت اللاجئين والتوطين وإقفال الحدود مع سوريا، ويصبح الحال بأن لا مفرّ أمام لبنان إلّا بالتطبيع والخضوع الكامل للشروط السياسية الأميركية التي تخدم مصالح “تل أبيب” الاقتصادية خاصة في موضوع النفط والغاز”، وأسِف إلى أنَّه “تمَّ إنهاء دورنا الاقتصادي اليوم في المنطقة وأصبحنا نفتّش عن هوية سياسية جديدة كي تمنحنا واقعًا اقتصاديًا جديدًا”.

لا ثقة بالليرة اللبنانية إلا بإصلاحات جذريّة وحقيقيّة

وتابع ناصر الدِّين: “هناك فقدان للثقة بالسلطة النقدية وبالليرة اللبنانية، ولتعزيز الثقة لا بدَّ من التوجّه لمشروعاتٍ إصلاحية حقيقية وتغيير واقع سياسة مصرف لبنان وسياسة المجلس المركزي إضافة إلى توجه لإصلاح ملف الكهرباء بشكل أساسي، فالإجراءات الصغيرة من الصعب أنَّ تؤدي لحلول فعلية إذ يجب اتخاذ إصلاحات واسعة وجذريّة، فإجراءتهم التي اتبعوها والتعاميم التي أصدروها ساهمت في ارتفاع سعر صرف الدولار أكثر”.

وأضاف: “كل ارتفاع في سعر صرف الدولار سيؤدي إلى التّضخم وإلى ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين وهذا أسلوب ومسار متّبع يساعد المحتكرين والمضاربين على تحقيق أرباح كبيرة على حساب الناس وعلى حساب محدودية مداخيلهم”.

أما في ما يتعلّق بالقروض فقال: “إنَّ القروض بالدولار ستلحقها الزيادات أما القروض بالليرة اللبنانية فمن الفترض أنها ستبقى ثابتة دون أن تلحقها أية زيادات مع ارتفاع الدولار”.

وختم ناصر الدِّين: “ما تقوم به الحكومة اليوم أشبه “بمريض مصاب بمرض القلب فيصفوا له دواء مسكِّن”، مؤكّدًا أن لا حلول في الأفق، فالاقتصاد في لبنان هو اقتصاد سياسي بامتياز ومرتبط باتفاق سياسي داخلي ودولي أهمّها ملف المقاومة بشكل أساسي، وموضوع ترسيم الحدود، والخضوع للتطبيع معَ الكيان الصهيوني”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.