إيران والطوفان… من الدعم إلى الفعل
موقع قناة الميادين-
محمد جرادات:
تأتي محاولة الربط الأميركي بين إيران والتحرك اليمني في حصار “إسرائيل” عبر البحر الأحمر، للضغط على إيران لدورها الأساس في محور المقاومة، ولكن ذلك بات يصب في صالح إيران والمحور.
وفّر القصف الإيراني لقاعدة الموساد الرئيسة في أربيل، جملة من المعطيات الميدانية، في ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة للشهر الرابع على التوالي، وما يواكبها من قتال متصل على امتداد جبهات محور المقاومة من جنوب لبنان حتى البحر الأحمر مروراً بالمقاومة في العراق، وهي معطيات أضفت على ميدان المواجهة تصاعداً من نوع مختلف، ما يطرح سؤالاً حول خلفية القصف الإيراني، ومدى ارتباطه بملحمة “طوفان الأقصى”، وتأثيره على صمود المقاومة وجبهاتها؟ وكيف ينظر إليه الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي؟
أربعة وعشرون صاروخاً باليستياً وطائرة مسيّرة، أطلقها حرس الثورة الإيراني ضد أهداف معادية في أربيل وإدلب، جرى فيها التخطيط للهجوم الدموي الانتحاري المزدوج، ضد المدنيين من زوّار مرقد الشهيد الفريق قاسم سليماني في مدينة كرمان الإيرانية مع حلول الذكرى الرابعة لاغتياله في مطار بغداد الدولي، حيث استهدفه قصف أميركي غادر وهو يزور العراق في زيارة رسمية بصفته مسؤولاً إيرانياً رسمياً، بما يجعل الاعتراض العراقي الرسمي على هذا الثأر الإيراني، مدعاة للسخرية، في وقت يسرح فيه الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي في كردستان العراق، وبعض القواعد العراقية، من دون حسيب ولا رقيب.
وجاء هذا الاستهداف الإيراني، تبعاً للوعد الذي قطعه كل المسؤولين الإيرانيين بالرد على من يقف خلف الهجوم الدموي في كرمان، وقد تجاوز عدد ضحاياه المئة شهيد من الأطفال والنساء والرجال، فالرد طبيعي في سياق الهجوم والرد عليه، ولكن المسار العام لميدان الحرب على غزة، وتصاعد القتال على كل جبهات المواجهة مع أضلع المحور، أخذ الرد الإيراني في اتجاه ترددات “طوفان الأقصى”.
وكان الهجوم الدموي في كرمان، من حيث رمزية استهداف مرقد الشهيد قاسم سليماني، وطبيعة دوره الرئيس في فيلق القدس، إذ كان الداعم الأساس للمقاومة في فلسطين، والذي اغتاله الأميركي بسبب هذا الدور، يضاف إلى ذلك أن هجوم كرمان، جاء في خضم عمليات اغتيال إسرائيلية-أميركية، طالت في الفترة ذاتها القائد الإيراني سيد رضي الموسوي في دمشق، وهو رفيق الفريق سليماني، ثم الشيخ صالح العاروري، والشهيد وسام طويل (الحاج جواد)، في لبنان، فالقائد العراقي مشتاق السعيدي، فالهجوم على مرقد سليماني في كرمان.
كان واضحاً أن هجوم كرمان تم أميركياً، في سياق الرد على إسناد محور المقاومة، لـ”طوفان الأقصى” في مواجهة الحرب المستعرة على غزة والضفة، وهو ما فهمته إيران جيداً، ولم ينغص على هذا الفهم، كون الهجوم تم على يد انتحاريين “دواعش”، خاصة أنهم قدموا من خارج إيران، وتحديداً من مناطق آسيا الوسطى، التي تضم طاجيكستان وأفغانستان وباكستان، و”داعش” بالأساس ثبت أنها مخترقة أميركياً، وباتت بقاياها تنفذ أجندات أميركية محددة، سواء بعلمها أو من دون علمها.
فالتوجيه الأميركي لـ”الدواعش” عبر الاختراقات الأمنية العميقة، أصبح من الوضوح بما لا يتطلب أدلة إضافية، خاصة مع تفعيل دوره في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وعقب نقل بعض قادة “داعش” من سوريا إلى أفغانستان، ليتم تحريكها هناك في خلط الأوراق عبر اغتيال قادة وعلماء طالبان، أو عبر تفجير عدد من مساجد ومدارس الشيعة والصوفية.
ورغم أن القصف الإيراني شمل مناطق الجماعات التكفيرية في إدلب السورية، لاعتبارات تتصل بالاختراق الأميركي للحزب التركستاني، ودوره في هجوم كرمان، بيد أن تخصيص مقر الموساد في أربيل بغالبية الصواريخ، بالذات من نوع “كاسر خيبر” والإعلان الصريح عن استهدافه، يؤكد ارتباط الحدث بأصداء الحرب على غزة، في وقت ذكرت مصادر أمنية كردية، أن القصف الإيراني طال أيضاً، كلاً من القنصلية الأميركية ومطار أربيل الدولي، وأن ذلك أسفر عن مقتل خمسة أميركيين، وربما بعضهم إسرائيليّ يحمل جنسية أميركية، وقد سبق أن تحرك عناصر الموساد في العراق، خاصة في كردستان بجوازات أميركية.
ورغم النفي الأميركي والعراقي الرسمي، فإن ذلك متوقع كون الحديث يأتي عن إسرائيليين في بلد يجرّم التطبيع، وكونهم في مهمات تجسس غير رسمية، يحظون باحتضان أميركي، لما يتمتع به الأميركي من نفوذ عسكري وأمني في العراق منذ الاحتلال، خاصة وأن كردستان العراق تتمتع بشبه استقلال، وهي ترتبط بعلاقات قوية قديمة مع الكيان الإسرائيلي لا يخفيها الطرفان.
سواء صح مقتل خمسة أميركيين أو إسرائيليين، أو لم يصح، فإن المؤكد المعلن عنه كردياً أن رجل أعمال كردياً يدعى “بيشرو دزيي” لقي مصرعه، من جراء القصف الإيراني، وهو يقف على رأس شركة “فالكون” للأمن والحراسة، والتي تعمل كغطاء لعناصر الموساد لحمايتهم في أربيل، وتوفير الدعم اللوجستي لهم.
كما جاء هذا القصف الإيراني لمقر الموساد في أربيل، بعد حديث البنتاغون الأميركي، وقناة 12 الإسرائيلية، عن وقوف إيران خلف قصف السفينة الإسرائيلية “كيم بلوتو”، قرب السواحل الهندية بطائرة مسيّرة انطلقت من إيران، قبل أسبوعين من هجوم كرمان الدموي.
وتبع ذلك سيطرة القوات البحرية الإيرانية على سفينة “سانت نيكولاس” الأميركية، في بحر عمان واقتادتها إلى ميناء بندر جاسك الإيراني، وذلك بعد أقل من أسبوع على تفجير كرمان، إذ أكدت إيران احتجاز السفينة الأميركية رسمياً، بموجب حكم قضائي إيراني، لسرقتها شحنة نفط إيرانية، وهو ما رفضته الخارجية الأميركية، وطالبت بإطلاقها فوراً.
وبعد القصف الإيراني مقر الموساد بساعات، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها ضبطت في البحر العربي أسلحة تقليدية إيرانية متقدمة “كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن” في 11 كانون الثاني/يناير، وهو اليوم نفسه الذي سيطرت فيه البحرية الإيرانية على السفينة الأميركية “سانت نيكولاس”، واعتبر البيان الأميركي “أن هذه هي أول عملية ضبط لأسلحة تقليدية متقدمة فتاكة تقدمها إيران للحوثيين منذ بدء الهجمات الحوثية على السفن التجارية في تشرين الثاني/نوفمبر، وأن هذه الأسلحة تتضمن مكونات للصواريخ الباليستية متوسطة المدى وصواريخ كروز المضادة للسفن، وأن التحليل الأولي يشير إلى أن الحوثيين استخدموا الأسلحة المضبوطة نفسها لتهديد السفن في البحر الأحمر ومهاجمتها “.
تأتي محاولة الربط الأميركي بين إيران والتحرك اليمني في حصار “إسرائيل” عبر البحر الأحمر، للضغط على إيران لدورها الأساس في محور المقاومة، ولكن ذلك بات يصب في صالح إيران والمحور، باعتبار الفشل الأميركي-الإسرائيلي في كسر صمود المقاومة في غزة، مع تصاعد كل جبهات الإسناد، وتفعيل أدائها العملياتيّ، وتقدم الدور الإيراني الميداني، من مربع الداعم والراعي للمقاومة على كل المستويات السياسية والتسليحية والتمويلية، لما هو الشراكة الفعلية.
شراكة إيران الفعلية في مواجهة “إسرائيل”، خطوة إضافية في جبهات إسناد المحور، لكنها تبقى شراكة محدودة حذرة، ربما لخصوصية واقع إيران الرسمي في مواجهة “الحرص الإسرائيلي” على فتح جبهة أميركية ضدها، وهو الحرص الذي كشف عنه رئيس الموساد السابق يوسي كوهين في مقالة خاصة عبر صحيفة “هآرتس”، عنونها بالخطر الكبير، المتمثل بسعي نتنياهو لجر الأميركي للحرب على إيران، وهو ما يبدو أن إيران تستعد له، ولكنها لا تستعجله.