التأويل الثقافي

الثقافة
الخليج الإماراتية ـ ثقافة ـ عثمان حسن:
تؤشر القراءات الأولى لأي مفهوم ثقافي، على اختلافات متباينة بين الدارسين والكتاب على تعدد اختصاصاتهم الأدبية، وربما يكون هذا الاختلاف ضرورياً، حين يحفز عند الدارسين رغبة في مواصلة البحث والقراءة، تمهيداً لبلوغ منطقة وسطى أو متجاورة من التعاطي المرن في فهم الأشياء، لكي تمهد بدورها لمنجز متفق عليه، وليس خارجاً عن السياق، أو بعيداً عن حدود الفهم والاستيعاب .

وربما يشكل موضوع التراث واحداً من الموضوعات التي لا تزال تشكل نقاشاً ثقافياً جاداً، لجهة البحث عن صورة تلتقي عندها الآراء ضمن آليات الأسلوب المرن التي تشكل أرضية لنقاش جاد حول هذه القضية بعيد عن التطرف والبعد والمجافاة .

ولأن التراث هو سياق إبداعي، أو هو الاختراع على غير مثال سابق، كما سبق وأشار إليه الناقد والمثقف علي العبدان خلال إدارته لإحدى الندوات التي تتحدث عن التراث،

فإن ذلك مدعاة لاستدعاء خبرة ثقافية سواء كانت منقولة من خلال المشافهة والحكايات المروية على ألسنة البعض، أو كانت مدونة في كتب وموسوعات متفرقة هنا وهناك، غير أن ما يمكن الإشارة إليه، لدى كثير من الباحثين هو الربط العضوي بين التراث والهوية، ولا شك أن مثل هذه النتيجة هي نتيجة صحيحة، ولكنها تحتاج إلى تفصيل لجهة ربط التراث بالحالة الإبداعية عند البشر، بل أن تأويل التراث يرتبط بعلاقة وثيقة مع مفهوم الإبداع، وإذا افترضنا أنه لا شيء مقدس سوى ما جاءت به الشرائع والأديان، فمن باب أولى أن نعمل على إزالة بعض اللبس الذي يتعامل مع التراث بوصفه ثابتاً، ذلك الذي يتنافى مع قابلية الفهم والتأويل بحسب ما يشير الفيلسوف الألماني وصاحب مدرسة التأويل هانس جورج غادامر .

وفي مسألة التأويل ينبغي الإشارة أيضاً إلى مجموعة الضوابط والشروط الأخلاقية لهذا التأويل كما يجب أن يتجه إلى المقاصد والمعاني بغية التعرف إلى معنى شيء ما وتفهمه على نحو يزيل غموضه، ومن ثم يزيل الاغتراب عنه .

ومثل هذه العملية لا تقبل تفسيراً واحداً لأي منتج ثقافي ومن بينه التراث .

فالتراث في النهاية هو نتاج إنساني مرتبط بحركة تطور الوعي التاريخي، كما أن تجاوز التراث لا يعني إلغاءه أو إسقاطه، أو إحداث قطيعة معرفية معه، وهذا الأمر لا بد وأن يحيلنا إلى أهمية التراكم المعرفي، وإيلاء الجانب الفكري والفلسفي أهمية خاصة، كما يتطلب حضور البحث الأكاديمي وتنبه الجامعات والمعاهد العربية لأهمية الحضور الثقافي في المجتمع وعدم وضع قيود على التفكير الحر والخلاق .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.