الحرب الأوكرانية… الصين التوازن بين الحياد والتحالف الإستراتيجي

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

تزايدت الروابط وأشكال التعاون بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة وخاصة أن كلتا الدولتين لهما مواقف سياسية مشتركة في التصدي للهيمنة الأميركية، وتتقاسمان حدوداً برية تتجاوز أربعة آلاف كيلومتر، وجاءت الحرب الأوكرانية لتفرض وقائع جديدة انعكست على مسار هذا التعاون.

ويلاحظ أن الصين اتخذت مواقف أقرب إلى الوسطية ضمن ما اعتبره محللون «سياسة منتصف العصا» مراعاة لتحالفاتها ومصالحها، ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بون الألمانية ماكسيميليان ماير، أن الصين تنظر إلى «الجغرافيا السياسية باعتبارها عاملاً حاسماً في العلاقات التي تربطها بروسيا.

ويضيف: إن معارضة الصين وروسيا للهيمنة الأميركية يعد أحد أشكال التعاون الإستراتيجي بين البلدين لتشكيل قطب معارض آخر في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

علما أن البيان الختامي الذي أصدره البلدان في الرابع من شباط الماضي، كان سلط الضوء على «التعاون الإستراتيجي» بين الصين وروسيا وتحدث عن صداقة بلا حدود.

من الناحية الاقتصادية، يتكامل الاقتصادان الصيني والروسي؛ فالتجارة بين البلدين تنمو بشكل مطرد ليصل حجمها إلى 147 مليار دولار العام الماضي، وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى بكين، أعلن البلدان أنهما سيعززان تجارتهما ليبلغ حجمها 250 مليار دولار بحلول عام 2024.

في العام الماضي كانت روسيا ثاني أكبر مورد للنفط للصين وثالث أكبر مورد للغاز، حيث بلغت الصادرات 41٫1 مليار دولار و4٫3 مليارات دولار على التوالي، وكشف بوتين مؤخراً عن صفقات نفط وغاز روسية جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117٫5 مليار دولار، كما تعد الصين أكبر مشتر للفحم الروسي، وتم التعاقد مؤخراً على صفقة جديدة قيمتها 20 مليار دولار.

أعلنت سلطات الجمارك الصينية رفع جميع القيود المفروضة على القمح والشعير الروسي في اليوم الذي بدأ فيه الهجوم على أوكرانيا.

في السنوات الأخيرة، تطورت أنظمة الدفع البديلة الخاصة بالصين وروسيا، لتقليل اعتمادهما على الأنظمة القائمة على الدولار مثل «سويفت».

لدى روسيا نظامها الخاص للدفع والحوالات المالية «STFM»، على حين تمتلك الصين نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود «CIPS»، وتعمل هذه الأنظمة بالعملات الخاصة لكل من البلدين.

خلال الحرب الأوكرانية سارت الصين فيما يسميه العديد من خبراء السياسة الخارجية، على حبل مشدود دبلوماسياً، فهي ترغب في مساعدة روسيا، بينما تحاول التمسك بمبادئ سياستها الخارجية حول السيادة وكذلك محاولة منع علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا من الانهيار التام.

وفي عملية توازن بين قربها السياسي من موسكو ودفاعها التقليدي عن «سيادة وسلامة أراضي» الدول، رفضت بكين الموافقة على قرارين لمجلس الأمن والأمم المتحدة يدينان العملية العسكرية الروسية لكنها لم تصوت ضدّهما أيضاً بل لجأت إلى الامتناع عن التصويت.

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن هناك مكاسب إستراتيجية واسعة لبكين من الحرب الأوكرانية أولها أن فرضية احتمال انتقال عدوى موسكو إلى بكين في تعاطيها مع تايوان، أي شن حرب لاستعادتها، وكذلك إدراك الصين أنها ستكون هدفا للحلف الأطلسي مستقبلاً كحال روسيا في الوقت الراهن، وأيضاً تعزيز بكين علاقتها مع موسكو للتقليل من تأثيرات العقوبات الاقتصادية.

الواقع أن الصين وروسيا ليستا حليفتين عسكريتين، وعندما يكون أحد الجانبين في حالة حرب، لا يتحمل الطرف الآخر أي التزام تعاهدي بالمساعدة، وهذا يختلف تماماً عن التحالفات العسكرية بين الدول.

خلال محادثة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ مؤخراً، أعرب الجانب الصيني عن دعمه لحل القضية من خلال المفاوضات، داعياً في الوقت ذاته الأطراف إلى احترام الرغبة المشروعة لجميع الدول في ضمان أمنها.

يمكن اعتبار نهج الصين بأنه «الحياد المؤيد لروسيا»، عبر تحقيق التوازن بين مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم استخدام القوة على المسرح العالمي، وقرار عدم انتقاد موسكو، أي حافظت الصين على «توازن صعب» واعتبرت مخاوف روسيا الأمنية حيال توسع الناتو في شرق أوروبا مشروعة.

الصين تساعد روسيا على الالتفاف على العقوبات الأميركية، بإجراء معاملات تجارة المواد الخام عن طريق البنوك المملوكة للدولة، وهو ما فعلته السلطات الصينية مؤخراً، كخطوة أولية، عندما أمرت بإزالة القيود المفروضة على استيراد الحبوب الروسية. وتساعد الصين روسيا على امتصاص شدة الصدمة التي أحدثتها العقوبات على الاقتصاد الروسي.

بالمقابل، اتهمت الخارجية الصينية، واشنطن بأنها «أججت التوترات وأشعلت تهديدات الحرب في أوكرانيا»، ورفضت استخدام مصطلح «غزو» لتوصيف الحرب في أوكرانيا. قال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، في وقت سابق إن روسيا هي الشريك الإستراتيجي الأكثر أهمية لبلاده، واصفاً العلاقات مع روسيا بالصلبة.

عملياً الوضع في الأزمة الأوكرانية متداخل بالنسبة للصين، بين ما هو إستراتيجي وما هو مبدئي، دون نسيان عامل ثالث متعلق بالمصالح الاقتصادية والتجارية المتشابكة وقد اختارت الصين الحياد في الأزمة الأوكرانية، وإن كانت من الناحية الإستراتيجية تقف في الخندق ذاته مع موسكو في مواجهة المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.