بعد الانسحاب: كيف سترد الصين وتركيا وروسيا على طالبان؟

وكالة أنباء آسيا-

رؤى خضور:

“عدو عدوي صديقي”

مَثَلٌ قديم وصحيح في أغلب الأوقات، وقد يكون عنواناً للمرحلة الراهنة في أفغانستان مع ردود الفعل الإيجابية لكل من روسيا والصين تجاه استيلاء طالبان على البلاد، والتي تُرجمت إلى عبارات الإشادة والمديح بعقلانية طالبان واستعدادها للحوار، أو قد لا تكون هذه الردود الإيجابية سوى محاولات لاستمالة الجماعة الإرهابية القوية عسكرياً وجغرافياً، وتفادي شرورها.

الصين وطالبان: اغتنام الفرص؟

ظهر اعتراف الصين بحركة طالبان في عديد من الرسائل التي أرسلتها بكين، ففي 19 آب/أغسطس، أثنت وزارة الخارجية على “السلوكيات الجيدة والإيجابية والدبلوماسية لطالبان”، ودعت المجتمع الدولي إلى التخلي عن تصوراته النمطية عن المنظمة.

ويبدو أن بكين استندت في موقفها على أمرين، أولهما انتصار طالبان، والثاني يتعلق بما اعتبرته تحسن سلوك الحركة.

من ناحية أخرى، ترى الصين في فشل الولايات المتحدة فرصة لبكين لإثبات أن نهجها الحيادي في السياسة وتركيزها على التنمية الاقتصادية، قد يكون نهجاً أفضل من بناء المعسكرات.

ويرى خبراء صينيون فرصة ذهبية للصين لتوسيع نفوذها، كما جادل تشو بو، العقيد المتقاعد بجيش التحرير الشعبي الصيني، فإن الصين مستعدة للتدخل لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة واستغلال الموارد الطبيعية لأفغانستان والموقع الهام لمبادرة الحزام والطريق، ووفقاً لهذا المخطط، إذا استغلت الصين الوقت ودعمت طالبان، فهناك احتمال لخلق ولاء لها في أفغانستان.

لكن عديداً من الخبراء لديهم تحفظات كبيرة على هذا الاقتراح الجريء، ويدعون إلى الحذر من أي مغامرة متسرعة في أفغانستان باعتبارها “مقبرة للإمبراطوريات”، إذ جادل مي شينيو، الاقتصادي البارز في وزارة التجارة، بأنه لا ينبغي للصين أن تبتهج بالاقتصاد الأفغاني، ويجب أن تمتنع عن الاستثمار بأسهم كبيرة.

تركيا: اللاعب الوسيط في أوروبا؟

رفضت طالبان عروض أنقرة بالاحتفاظ بقوات في مطار العاصمة كابول، وبدأت القوات التركية انسحابها في 25 آب/أغسطس، لكن القيادة التركية تواصل التفاوض مع طالبان حول الاحتفاظ بوجود في المطار مع بعض الدعم الدولي.

لا شك أن اعتراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحكم الأمر الواقع لطالبان هو جزء من استراتيجية أوسع مرتبطة بالسياسة الخارجية التركية طويلة الأمد ومرتبطة بالمواقف المحلية السلبية بشأن الهجرة غير النظامية.

وبالرغم من أن غالبية الشعب التركي يعارض وجود الجيش التركي في أفغانستان، إلا أن أردوغان عازم على تعميق الروابط مع طالبان واستخدام الحوافز الاقتصادية لمحاولة تحقيق الاستقرار في العاصمة، ومن الواضح أن الحكومة التركية تتكيف مع الواقع الجديد في كابول، لذا من المرجح أن تسعى أنقرة إلى إقامة علاقاتها الخاصة مع طالبان.

نهج مزدوج المسار من موسكو: الاحتواء والمشاركة

بعد الترحيب، إلى حد ما، باستيلاء طالبان على السلطة، كشفت روسيا عن شماتة واضحة بتأثر واضح للمكانة الدولية للولايات المتحدة.

لم تعترف موسكو بعد بطالبان كحكومة شرعية، بل ما زالت الجماعة مصنفة كمجموعة إرهابية في روسيا، لكن القيادة الروسية أوضحت أن سياستها هي سياسة المشاركة، وبالرغم من أنه من غير المرجح أن تثق روسيا كثيراً في حكام أفغانستان الجدد، لكن ليس لديها خيارات بديلة للتعامل مع طالبان، مع الأخذ بالاعتبار أن طالبان عادت أقوى في العام 2021 مما كانت عليه في العام 2001، بالتالي فإن التحدي الذي تواجهه موسكو هو التوفيق بين الاستجابات الإقليمية المتباينة في آسيا الوسطى لاستيلاء طالبان على السلطة، والمساعدة على تبني نهج مشترك.

صحيح أن روسيا فقدت نفوذها الاقتصادي في آسيا الوسطى، خاصة لصالح الصين، لكنها ما زالت الضامن الأمني ​​الرئيس في المنطقة، مع الجيش الأكثر خبرة والأفضل تمركزاً، ومن خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع دول آسيا الوسطى وتركيا وإيران والصين، فإن موسكو في وضع جيد لتنسيق استجابة إقليمية على طالبان ومن المرجح أن تحاول القيام بهذا الدور.

استنتاج

تتبنى البلدان الثلاثة استراتيجيات حذرة مع الوضع الجديد في أفغانستان، وتبدو الصين الأكثر حذراً من المغامرة، يليها حرص تركيا على الاحتفاظ بوجود لها في المطار، فهي الوحيدة من بين الدول الثلاث التي تتوق إلى وجود عسكري في البلاد، لكن الإجراءات التعاونية بين هذه الدول لا تبدو وشيكة، فموسكو لن تعود موسكو في أي وقت قريب، فالانسحاب السوفياتي عام 1989 ما زال حاضراً في ذاكرتها، لذا ستكتفي بنهج الاحتواء وتنسيق الاستجابة الأمنية الإقليمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.