بعد “جبهة النصرة”.. إسرائيل تصنع “غزوة دمشق الثالثة”!

syria-israel-war

موقع الاستشارية للدراسات الاستراتيجية ـ
نادر عزالدين:

قبل أن تبلغ الأزمة في سوريا عامها الثاني بأيام، اقتحمت إسرائيل بشكل مفاجئ المشهد السوري بطيرانها الحربي، مسقطة ورقة التوت عن الأهداف الحقيقية للعديد من العمليات العسكرية التي نفذها المسلحون منذ حوالي 9 أشهر حتى الأمس القريب، واستهدفت قواعد الدفاع الجوي السورية والرادارات والمطارات.
هذا التطوّر الدراماتيكي في الأحداث السورية جاء بعد فشل المسلحين أكثر من مرة في الوصول إلى أحد المختبرات التابعة للمعهد العالي للبحوث التطبيقية، وهو أحد أهم مراكز البحث العلمي المسؤولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس الواقع في وادي بردى في منطقة جمرايا في ريف دمشق، والذي وضعه “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” ضمن أهدافهما الرئيسية منذ بداية الأحداث، وخاصة أثناء “غزوتي” دمشق الأولى والثانية.
ونتيجة لهذا الفشل، اضطرت إسرائيل أخيراً للتدخل بشكل صريح ومباشر لتنفيذ المهمة التي عجز عنها “ثوار سوريا”، في وقت كانت فيه الأزمة السورية تتجه إلى بداية حلحلة سياسية بعد موافقة المعارضة على الجلوس حول طاولة الحوار. فهل نجح العدو في تحقيق الأهداف المرسومة لـ”غزوة دمشق الثالثة”؟
تؤكد مصادر مطلعة على الملف السوري أن إسرائيل فشلت في تحقيق أي هدف أمني في عمليتها العسكرية الأخيرة في ريف دمشق، لافتة إلى أن تل أبيب وقعت مرة أخرى في فخ المعلومات غير الدقيقة، كما حصل في العام 2006 أثناء عدوانها على لبنان، حين قصفت أهدافاً سرعان ما اكتشفت أن لا قيمة فعلية لها. وليس صوم الإسرائيليين عن التصريح والإصرار، من خلال معلومات مسربة، على أن الهدف كان قافلة سلاح متجهة إلى “حزب الله”، سوى دليل على فشل المهمة.
وتوضح المصادر أن المعلومات التي تمتلكها إسرائيل عن مواقع السلاح الإستراتيجي السوري ومراكز الأبحاث والتطوير العسكرية أصبحت جميعها من دون فائدة بعد أن تأكدت دمشق من تعرضها لخيانات داخلية، جعلتها مكشوفة أمام العدو، ما استدعى إدخال تعديلات شاملة على خططها العسكرية ونقل جميع الأسلحة الإستراتيجية، وما هو مرتبط بها من مخططات تطوير وتحديث، إلى أماكن آمنة، لكنها أبقت المراكز الرئيسية تحت حماية مشددة كي لا تكشف مخططها. وما الكلام الروسي عن أن الأسلحة الكيميائية السورية أصبحت في مكان آمن إلا دليلاً على ذلك.
وتضيف المصادر بأنه منذ أن باشرت المجموعات المسلحة باعتداءاتها على قواعد الدفاع الجوي والرادارات من دون أن يكون هناك جدوى من ذلك، علمت دمشق أن ما يحدث مرتبط بمخطط استراتيجي لشن عدوان خارجي منظم يستهدف مراكز عسكرية حساسة في البلاد، بالإضافة إلى كشفها عملية تسريب معلومات بالغية الأهمية.
ففي 18 آذار العام 2012 ألقى أحد فروع الاستخبارات المتخصصة بأمن المعلومات (الفرع 291) القبض على الدكتور محمد علي السيد علي، أحد علماء هيئة البحوث السورية وخبير في اختصاص “النانو تكنولوجي”، وهو من كفرتخاريم في أدلب ويقيم في العاصمة السورية، بعد أن صادر حاسوبه الشخصي قبل أربعة أيام من تاريخ التوقيف، كما داهم منزله وصادر جميع الأجهزة الالكترونية.
وفي التفاصيل أن الأجهزة المختصة اكتشفت أن السيد علي، الذي يعمل في المركز الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية، بقوم بتسريب معلومات مهمة عن أسرار علمية عسكرية لصالح “المجلس الوطني السوري”، ما دفعها إلى تكليف أحد الحواجز الأمنية في 14 آذار 2012 إلى مصادرة حاسوبه الشخصي، وهاتفه الذي أعيد له في الحال بعد التدقيق في محتوياته. وبعد أربعة أيام اتصل به “الفرع 291” واستدعاه كي يتسلم الحاسوب، فاعتقل فور وصوله، بعد أن كانت الجهات المختصة قد تثبتت من تسريبه معلومات خطيرة عن مركز البحوث الذي يعمل فيه في جمرايا وعن برنامج خاص بأحد البحوث التكنولوجية العسكرية التي كان يعمل عليها شخصياً إلى “المجلس الوطني السوري”.
أما الشخص الثاني المسؤول عن تقديم غالبية المعلومات عن مركز البحوث العلمية لإسرائيل، فهو رئيس المجلس العسكري لـ”الجيش السوري الحر” العميد المنشق مصطفى الشيخ، الذي عمل كضابط أمن للمركز المستهدف بين العامين 1984 و2005.
ويعتبر الشيخ، المتخصص في الحرب الكيميائية، والذي أعلن انشقاقه في كانون الثاني العام 2012، خزان معلومات عن البرنامج السوري المتعلق بالأسلحة الإستراتيجية وبشكل خاص الصواريخ بعيدة المدى، خاصة وأنه بالإضافة إلى ما ذكرناه، فقد عمل لأكثر من خمس سنوات في وحدات صناعية عسكرية مسؤولة عن تطوير برامج الأسلحة الصاروخية وتزويدها برؤوس غير تقليدية في منطقة السفيرة في حلب، كما عين رئيساً لفرع الكيمياء وضابط أمن المنطقة الشمالية، وبقي في هذا المنصب حتى تاريخ انشقاقه.
وبناء على ما تقدّم، فإن القيادة السورية كانت منذ آذار الماضي بانتظار الغارة الإسرائيلية المنسقة مع المعارضة المسلحة التي فشلت، مع داعميها، في تنفيذ مهماتها. فأتت الغارة بعد أسابيع من إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن مشكلة بلاده ليست داخلية بل إنها تواجه عدواناً خارجياً، كما جاءت بعد يوم واحد من إحداث خروقات في جدار الحوار السوري الداخلي بين النظام وأطراف أساسية في المعارضة، وذلك بعدما تبيّن من خلال التصريحات الأميركية والفرنسية أن الأمور تتجه نحو حل سياسي مستند إلى “بيان جنيف”، وبعد تأكيد المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أن النظام قادر على الصمود والمواجهة.
إذاً، دخلت إسرائيل كلاعب أصيل بدلاً من الوكيل محققة فشلاً ذريعاً في الهدف الأمني لـ”غزوة دمشق الثالثة”، ولكن هل يكون الهدف السياسي من العدوان هو تحويل التسوية الدولية المنتظرة من الداخل السوري لتشمل كافة الملفات في المنطقة من أفغانستان إلى العراق وملف إيران النووي ولبنان، وعلى رأس القضايا تحريك عملية السلام المتوقفة وإشراك فلسطين أرضا وشعباً؟ وهل جاءت دعوة الولايات المتحدة إلى اجتماع بين نائب رئيسها جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس “الائتلاف الوطني السوري” المعارض احمد معاذ الخطيب والإبراهيمي في ألمانيا، لتحقيق هذا الهدف والضغط نحو تسوية شاملة؟ خاصة وأن أميركا وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية الإسرائيلية ولم تمنعها.
وأخيراً، هل تحاول موسكو إسقاط الأهداف السياسية لـ”الغزوة الثالثة” بإعلانها عدم المشاركة في الاجتماع؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.