تهويد مصر

34810

الخليج:

في عالم السياسة تأتي المناسبات بالمواقف المتفقة والمتعارضة وما بينهما، وتتسبب الأحداث بردود الفعل المؤيدة أو الرافضة وما بينهما . لكن أن تصدر مواقف من دون مناسبة فهذا أمر يثير الريبة والشك ويعطي المشروعية للتأويلات التي تبحث لها عن مناسبة وسياق . شيء من هذا القيبل ينطبق على تصريحات نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري عصام العريان الذي خرج بدعوة مفاجئة لليهود بالعودة إلى مصر وتأييده منحهم “تعويضات” بسبب ما أسماه طردهم من مصر . لم يعثر أحد على رابط واضح ودامغ بين هذه التصريحات ومناسبة تأخذ مكاناً في الدماغ، ولم يكن توضيح حزب الحرية والعدالة وحصره التصريحات في قالب شخصي لمطلقها، كافياً لإطفاء زر الجدل .

لم تكد تمر بضعة أيام على تصريحات العريان حتى خرجت صحيفة “معاريف” الصهيونية بتصريحات منسوبة للسفيرة الامريكية في القاهرة آن باترسون تتحدث فيها عن “أحقية اليهود بمصر” باعتبارهم “بناة الأهرامات . كان يمكن لهذه التصريحات أن تخرج بطريقة تبدو فيها “مقطوعة من شجرة”، لولا مجيئها بعد أيام من تصريحات العريان . وهنا يمكن للتأويلات الاتهامية أن تشيّد جسراً من التنسيق أو التناغم القصدي بين تصريحات العريان والسفيرة الأمريكية . وإذا كان هذا التأويل بلا دليل، فإن هناك استنتاجاً يفرض نفسه وحيداً، وهو أن العريان بتصريحاته، بوعي أو من دون وعي، فتح شهية أصدقاء “إسرائيل” للبناء عليها وصياغة مزاعم لا تكتفي بالربط بين بعض اليهود كأفراد ومصر، إنما بين اليهود كجماعة وربما ك “شعب” ومصر كأرض ووطن .

لا يقلل من خطورة هذه التصريحات صدور نفي عن السفارة الأمريكية، ليس فقط بسبب نشر النفي على صفحة السفارة في موقع “فيسبوك”، إنما لأن هذه التصريحات تنتمي إلى ذلك النوع الذي تتشكل مفاعيله من ثنائية الإعلان والنفي . هذا النوع من المواقف لا يفعل نفيها شيئاً إلا في الشق القانوني، لكنها في الوقت نفسه تفعل فعلها السياسي والنفسي الذي يؤسس لعملية إحياء مؤجّلة للوقت الأكثر ملاءمة .

إذا كانت هذه التصريحات قد أثارت آثاريين مصريين لينبروا دفاعاً عن الإهرامات وبراءة اليهود من تهمة بنائها، فإنها في الوقت ذاته نجحت في تحويل قضية مبدئية إلى مسألة نقاشية تدخل في إطار الجدل، في حين أن من المفروض تحريم النقاش فيها . وإذا كانت باترسون تلوّح بعدوان ثلاثي جديد، أطرافه أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل” لتطويب مصر لليهود، فإن على المصريين، ومعهم العرب، أن يتجنّبوا النقاش في هذا الهراء وأن يقولوا بصوت واحد “يا أهلاً بالمعارك”، ولن يكون مصير العدوان الثلاثي الملوّح به ل ،2013 أفضل حالاً من العدوان الثلاثي في 1956 .

وفي الجانب المصري، يغدو حزب الحرية والعدالة أمام وقائع جديدة لا تكفي معها شخصنة تصريحات العريان، وذلك في ضوء التصريحات الأخيرة التي إن لم تكن فعلاً صادرة عن السفيرة الامريكية، فإنها ستكون صادرة عن “معاريف”، أي أن رصاصة ما أطلقت بغض النظر عن السلاح . جماعة الإخوان المسلمين في مصر مطالبة إجراء تحقيق فوري وإخضاع العريان للإجراءات الانضباطية واتخاذ ما يلزم بحقه في ضوء نتائج التحقيق، ذلك بأننا أمام خيوط متجمّعة لا يمكن حشرها في زاوية الصدفة، بدءاً بتصريحات العريان وانتهاء بتصريحات “معاريف”-باترسون، مروراً بمبالغة الرئيس محمد مرسي في تبرئة نفسه من تصريحات مستخلصة من النبش في دفاتر قديمة، لإدانته ب “اللاسامية” .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.