جرائم الحرب وضد الإنسانية: كيف تنطبق على المعارضة السورية المسلحة؟

nosrafront-syria

موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:
نسمع في حالات كثيرة ـ لاسيما منذ بدء حرب أفغانستان وصولاً إلى ما يحصل في الثورات العربية مؤخراً ـ أن هناك جرائم ترتكب خلال الحروب وتسمى بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والعمل العدواني.
بدأت هذه التسميات للجرائم تظهر شيئاً فشيئاً، بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال محكمة نورمبرغ التي أسسها الحلفاء لمقاضاة شاغلي المناصب العسكرية الألمانية والإيطالية، علماً أنها لم تكن محكمة دولية كما أنها لم تكن عادلة لأنها مؤلفة من قبل الحلفاء آنذاك فقط، ولم تلحظ الجرائم التي كان يرتكبها قادة الحلفاء، وكانت محاكماتها محدودةً بالزمان والمكان، كما أنها لم تلحظ الجرائم الأربع بمجملها.
وبدأ تأطير هذه الجرائم والمحاسبة عليها فعلياً، بعد إتفاقية “نظام روما 1998” التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، حيث أصبحت محكمة عالمية شاملة، وهي تقاضي كل مرتكب للجرائم الأربع المشار إليها أعلاه دون إستثناء، وبذلك أصبح للقانون الدولي الإنساني مرجعية تحاكم كل منتهك له (1) لاسيما إن المادة 25 من نظام المحكمة والمتعلقة بالمسؤولية الجنائية الفردية، تنص على أن:
1ـ للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي.
2ـ الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي.

سنحصر الحديث في هذه المقالة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وذلك بسبب ارتكاب هذه الجرائم على نطاق واسع في البلاد العربية، لاسيما في ليبيا والبحرين، وما نراه هذه الأيام من ارتكابات لمجازر وجرائم جسيمة تقوم بها المعارضة المسلحة في سورية، ما يجعلنا نتطرق إليها بشكل موجز.
فما هي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية؟ وهل تنطبق هذه الجرائم على الأعمال التي تقوم بها المعارضة السورية المسلحة؟

الجريمة في المفهوم القانوني بشكل عام هي كل فعل أو امتناع عن فعل يجرمه القانون، فالفعل أو السلوك بحد ذاته يقترن بأن يشار اليه في القانون باعتباره فعلاً غير مشروع وبالتالي فهو جرم.
أما جرائم الحرب فهي الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي. وعرّف ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية لسنة 1945 جرائم الحرب بأنها “انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم؛ قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم؛ قتل رهائن؛ سلب ملكية خاصة؛ والتدمير غير الضروري عسكرياً.(2)

وقد عرّف بروتوكول روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، جرائم الحرب من خلال المادة الثامنة، بأنها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/ أغسطس 1949 أي، أنه أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة مثل:
القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو أخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل أخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، الاختفاء القسري للأشخاص، جريمة الفصل العنصري، الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو أي أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، واضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلّم عالمياً أن القانون الدولي لا يجيزها. وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، بالإضافة إلى غيرها من الانتهاكات التي تنص عليها هذه المادة.

وكانت اتفاقيات جنيف لسنة 1949 قنّنت القانون الإنساني الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تحتوي في اتفاقياتها الأربع (حول جرحى ومرضى الحرب البرية، جرحى ومرضى الحرب البحرية، أسرى الحرب، والمدنيين) قائمتها الخاصة بالخروق القانونية الجسيمة.. ولاسيما ما تشير له المادة 147 بأن المخالفات الجسيمة التي تشير اليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقي: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمّد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمي على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقاً للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية.

أما بالنسة للجرائم ضد الإنسانية فهي الجرائم المشار إليها في جرائم الحرب، لكن إذا ارتكبت على نطاق واسع، وتنص المادة 7 من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن “أي فعل من الأفعال المشارة، يشكل “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم.(3)

لقد اعتبرت الامم المتحدة ومنظمة العفو الدولية أن الاعدام التعسفي لجنود في الجيش السوري من جانب مقاتلين معارضين، كما بدا في شريط فيديو بثه ناشطون، قد يعتبر بمثابة “جريمة حرب”. وقد حضّت الولايات المتحدة  المقاتلين السوريين المعارضين على احترام القوانين الدولية التي تحكم النزاعات. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند “ندين أي انتهاك لحقوق الانسان من جانب أي طرف كان في سوريا. ليس هناك أي مبرر لهذا السلوك. ينبغي محاسبة أي طرف يرتكب فظائع مماثلة”.
وقال الناطق باسم المفوضية العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة روبرت كولفيل “حتى الآن (…) كل ما يمكن قوله إنه شريط صادم جدا”. وأضاف: “يبدو أنها جريمة حرب على الارجح، جريمة اضافية”.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان أن الجنود تم إعدامهم بدم بارد في هجمات شنّها مقاتلون معارضون على ثلاثة حواجز عسكرية قرب سراقب في شمال غرب سوريا.

والشريط الذي بثه ناشطون على موقع يوتيوب الالكتروني يظهر عدداً من المقاتلين المعارضين متحلقين حول نحو عشرة جنود نظاميين مستلقين على الأرض جنباً إلى جنب بعد أسرهم على حاجز.(4)

إلى ذلك، فقد قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، بعد زيارة قامت بها لمحافظة حلب بسوريا، إن مجموعات مسلحة من المعارضة قامت بإساءة معاملة وتعذيب معتقلين، ونفذت عمليات إعدام جماعية خارج نطاق القضاء في حلب واللاذقية وإدلب.

وأشارت إلى أن تعذيب المعتقلين وتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء في النزاعات المسلحة يعتبران ضمن «جرائم الحرب»، وقد تكون «جرائم ضد الإنسانية»، إذا تمت ممارستها على نطاق واسع وبشكل ممنهج.(5)

ونحن نرى بين الحين والاخر، قتل العشرات من المدنيين عبر وضع التفجيرات الإرهابية، كما نرى مدى فظاعة الجرائم التي ترتكبها ألوية المعارضة، وليس آخرها مجزرة حلب التي قامت بها بقتل عشرات الشباب والتنكيل بجثثهم.
لذلك فإن كل ما تقدم يؤشر ويؤكد أن المعارضة المسلحة ارتكبت جرائم حرب لأنها مارست كل ما ينضوي تحت جرائم الحرب من قتل عمد إو تهجيرٍ وإبعاد للسكان، كما أنها مارست التعذيب ليس فقط بحق عناصر النظام، بل أيضاً بحق المدنيين، وكذلك الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، والعنف الجنسي، الاختفاء القسري للأشخاص، حيث زادت حالات الاختطاق، كما قامت باضطهاد السوريين لاسيما المسيحيين. وهذه الجرائم ايضاً هي جرائم ضد الإنسانية، لأنها ترتكب ضد الدولة السورية وضد الشعب السوري باكمله، وإرتكابها لهذه الجرائم ليس مقتصراً على منطقة محدودة فقط، وبالتالي فإن إنتشار هذه الجرائم يعني أنها أصبحت تلحق كل الإنسان بشكل شامل في سورية.
وما يثير الريبة هو موقف المجتمع الدولي، ولاسيما الدول الكبرى، التي تقف في مكان المشاهد، وتدعم هؤلاء الإرهابيين، وكأن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تعني لها شيئاً سوى التنظير بها كلما كانت تخدم مصالحها.

هوامش:
1: من محاضرة للدكتور شفيق المصري عن المحكمة الجنائية الدولية في الجامعة الإسلامية في لبنان، بالتصرف من قبل الكاتب.
2: علي مطر، الثوار الليبيون هل ارتكبوا جرائم حرب؟، مقالة نشرت في موقع العهد الإلكتروني.
3: للإطلاع على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، يمكن الرجوع إلى نظام روما 1998.
4: 03/11/2012 http://www.france24.com/ar/20121102
5: http://www.aljazeera.net/news/pages/.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.