حرب غزة.. ماذا وراء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق؟
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
بات واضحاً أن بايدن، بعد كل هذه التطورات، بدأ ينزل عن الشجرة، وما إرسال رئيس استخباراته إلى المنطقة، وإدارة المفاوضات مع حركة حماس في القاهرة، سوى مؤشر كبير على أن إدارة بايدن لم تعد ترغب في استمرار الحرب.
على رغم ما أحدثه “جيش” الاحتلال الإسرائيلي على مدار ستة أشهر من قتل وتدمير وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وارتفاع تكلفة الحرب في قطاع غزة، فإن الناظر بعين ثاقبة إلى المشهد يدرك تماماً أن فشل “إسرائيل” هو عنوان لهذه الحرب المستمرة، في وقت باتت تعيش عزلة دولية غير مسبوقة، وساء وضعها من كل زاوية وجانب، إذ تشهد انهياراً دبلوماسياً وضائقة اقتصادية وتعقيداً أمنياً وانقسامات اجتماعية وسياسية كبيرة.
من الجدير هنا التوقف عند كثير من التصريحات الناقدة لاستمرار الحرب، والتي تؤكد حقيقة سوداوية المشهد في “إسرائيل”، فلقد شخّص ضابط كبير في “جيش” الاحتلال مؤخراً، في تصريحات حديثة له، حال “إسرائيل” بعد 180 يوماً من الحرب، فقال: “نحن نعيش حالاً سيئة جداً، ونعيش مصيبة كبيرة عسكرياً واجتماعياً، ولا نستطيع تحمل العبء وحدنا، فنحن في خطر وجودي حقيقي”.
زيادة حدة المواجهة في الجبهة الشمالية مع حزب الله، وإصراره على الاستمرار والمشاركة في معركة طوفان الأقصى وتشكيله جبهة إسناد مهمة، ورفضه كل الحلول الوسط من دون توقف شامل وكامل للعدوان على قطاع غزة، شكلت كلها حال تخبط وإرباك كبيرين لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي، وزادت في ارتفاع منسوب سيناريو نشوب حرب مفتوحة لا تستطيع “إسرائيل” تحمل تبعاتها، وتعجز عن خوضها منفردة، في وقت باتت متعثرة في غزة، وغارقة في وحلها، بعد أن ظنت أنها، عبر تحالف الغرب معها، سوف تحقق إنجازات وأهدافاً وهمية.
لجوء “إسرائيل” إلى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قيادات إيرانية رفيعة المستوى، قبل أيام قليلة، ليس بعيداً عما يدور في الجبهتين الشمالية والجنوبية، وتقع وراءه أهداف كامنة تقف وراءها “إسرائيل”، وتحديداً نتنياهو.
نتنياهو شخصية ماكرة، مراوغة، مخادعة وغادرة في الوقت نفسه. يستطيع أن يحرق الأخضر واليابس ليبقى ضامناً كرسي الحكم في “إسرائيل”، حتى لو كان الهدف إلحاق الضرر بأكبر حليف له، كأميركا. وما إقدامه على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتياله شخصيات إيرانية بارزة، إلا محاولة مكشوفة هدفها خلط الأوراق لتوسيع دائرة الحرب أكثر، بعد فشله الذريع في قطاع غزة، وفشله الآخر في إطفاء نار الجبهة الشمالية مع حزب الله. والهدف هو توريط أميركا في حرب كبيرة واسعة في المنطقة، وجلب بايدن إلى الحلبة ذاتها التي يصارع ويتعثر فيها منذ عدة أشهر، تضمن على الأقل إنقاذ رأسه من السقوط المحتّم الذي يعلمه وينتظره.
موازين القوى في المنطقة تغيرت وباتت أكبر من نتنياهو وحساباته الشخصية ومن يلتف حوله في ائتلافه اليميني المتشدد. وكل عوامل الهزيمة له باتت بارزة على السطح، سواء استمر وحده في حرب الجبهتين، أو نجح في توريط بايدن معه، ويوم يواصل عدوانه على الفلسطينيين يزيد في هزيمته، عسكرياً وأخلاقياً.
تاريخياً، قامت أميركا بعدة حروب بالوكالة، وكلها كانت تصب في مصلحة “إسرائيل”، في الدرجة الأولى، لكن الحسابات الأميركية هذه المرة تتباين، ولن يكون في مقدورها الانجرار إلى حرب لا تريد التورط فيها مباشرةً، فهي متورطة في حرب أوكرانيا وعينها في الوقت نفسه على الصين، التي تعدّها الخطر الأكبر على مصالحها في المنطقة، وبالتالي ستحرص على حل الصفقة مع إيران كأولوية بدلاً من الانجرار وراء ما خططه نتنياهو في هذا التوقيت.
من يراقب المشهد بعد عملية اغتيال الشخصيات الإيرانية في قنصلية إيران في دمشق، وأمام ارتفاع حدة التهديدات الإيرانية بالانتقام والرد على جريمة الاغتيال التي حدثت، يصل إلى نتيجة، مفادها أن سلوك أميركا يشي بأنها تسابق الزمن لمنع التصعيد في المنطقة أكثر، وهي من يدير عملية تفاوضية مع كل الأطراف، وتضغط بقوة للوصول إلى صفقة وقف إطلاق نار، وباتت معنية أكثر بإنهاء كل الحرب، وتعمل على حل يضمن إطفاء النار التي أشعلها نتنياهو في المنطقة، فهي تتباين حساباتها كثيراً.
العدوان على غزة بدأ يتفكك، وكثير من الجهات الدولية تزيد في مساعداتها قطاع غزة، وأخرى ترفض بيع “إسرائيل” السلاح، وأخرى استأنفت دعمها المالي للأونروا.
أما نتنياهو فيقود “إسرائيل” إلي مستقبل أسود وصراعات غير محمودة، في وقت تطغى خياراته الشخصية على المشهد. ورفضه وقف الحرب على غزة، بصورة كاملة، سيزيد في عزلة “إسرائيل” الدولية، وسيفعّل خيارات الملاحقة القضائية لـ”إسرائيل” وقادتها في كثير من المحافل، في وقت باتت تتحدى كل القرارات الأممية.
وستأتي اللحظة التي ينكشف فيها الغطاء الدولي، شيئاً فشيئاً، وستصبح بلا حماية من مجلس الأمن، إذ إن القرار الأخير، والذي صدر بشأن وقف إطلاق النار، شكل صدمة وإرباكاً لنتنياهو، وانتقده بصورة لاذعة.
أما الصراع بين “إسرائيل” وواشنطن فلم يعد سراً، ويصعب إخفاؤه بعد أن طفا على السطح من جراء ارتكابه جريمة بحق مجموعة من العاملين الأجانب يعملون في مؤسسة المطبخ المركزي العالمي في قطاع غزة، ناهيك بأثر نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي صدرت في ست ولايات أميركية، وكشفت أنها ستصوت ضد الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهذا يعني أن خسارة كبيرة في انتظاره بسبب دعمه العسكري للحرب على غزة، بالإضافة إلى جملة من التقارير الأمنية، التي كُشف عنها في أوروبا مؤخراً، والتي تشير إلى انقلاب الرأي العام، أوروبياً ودولياً، ضد “إسرائيل”.
بات واضحاً أن بايدن، بعد كل هذه التطورات والأحداث المتلاحقة وغيرها، بدأ ينزل عن الشجرة، وما إرسال رئيس استخباراته إلى المنطقة، وإدارة المفاوضات مع حركة حماس في القاهرة، سوى مؤشر كبير على أن إدارة بايدن لم تعد ترغب في استمرار الحرب، وأن المنطقة باتت ملتهبة، وقد تتوسع في أيّ لحظة إذا لم يتم احتواؤها.
فهل ينجح بايدن في إنقاذ المنطقة من حرب كبرى، في وقت باتت الحرب على غزة متعثرة وبلا هدف، إذ إن خيار إفشال نتنياهو جولة المفاوضات الجارية في القاهرة ستكون تداعياته كبيرة، ليس على غزة فقط، بل على المنطقة برمتها أيضاً، أمام إصرار إيران على الانتقام لجريمة اغتيال مستشاريها.