حرب فاشلة لم تحقّق أياً من أهدافها
موقع قناة الميادين-
أيمن الرفاتي:
عودة “إسرائيل” إلى القتال في غزة ستقابَل بمقاومة أكثر شراسة، بعد ترتيب أوراقها بعد القتال الشاق، وأماكن توغل الاحتلال باتت معروفة، وسيكون الوضع فيها أصعب على قوات الاحتلال التي لا تعرف شيئاً عما أعدته المقاومة.
على الرغم من ضراوة القتال وشراسة المقاتل الفلسطيني في مواجهة أعتى قوة عسكرية، أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على إفشال مخططات الحرب بعد أن منعت الاحتلال من الوصول إلى تحقيق أي من أهدافه، التي حصل على ضوء أخضر أميركي وأوروبي في الأسابيع الأولى من أجل تحقيقها.
الهُدن المتتالية، التي وافقت عليها المقاومة، ترسخ بما لا يدع مجالاً للشك فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، فلا هو استطاع كسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإنهاء حركة حماس، ولا هو استطاع استعادة أسراه عبر القوة العسكرية، وأقصى ما استطاع تحقيقه اختراقات ميدانية في شمالي غزة وغربيها، بفعل سياسة الأرض المحروقة، التي تجرف بالقوة النارية الضخمة كل ما هو أمامها من الحجر والبشر.
لقد أثبتت الحرب في قطاع غزة أن العالم أمام جيش همجي بربري، يضع، بغطاء أميركي، كل دول العالم تحت قدميه، وأُولاها الدول العربية التي قال رئيس وزراء “دولة” الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لقادتها “اصمتوا، لا أريد أن أسمع صوت أحد منكم”.
وأثبتت الحرب أن الشيء الوحيد، الذي يمكن أن يردع جيش الاحتلال، يتمثل باستخدام القوة وايقاع الخسائر الكبيرة فيه، وهو باعتقادي الشيء الذي دفع الاحتلال، بعد 48 يوماً من الحرب، إلى قبول الهدنة الموقتة، فلقد أدرك الجيش الإسرائيلي وحكومته أن شلال الخسائر العسكرية والبشرية بات كبيراً، وأن الاستمرار في التكتم بشأن الخسائر لن يفيد في ظل عدم القدرة على تحقيق أي من الأهداف العسكرية.
الاحتلال حاول طوال أيام الحرب تقليل حجم الخسائر الكبيرة التي وقعت لديه، عبر عدة وسائل، أبرزها استخدام المرتزقة والجنود البدو والدروز ويهود الفالاشا غير المعترف بيهوديتهم، ودفع أعداداً كبيرة منهم ضمن القوات المقتحمة لقطاع غزة، لكنه لم يستطع تحقيق أهدافه، ولم يتمكن من إخفاء الخسائر الفادحة لديه في الآليات العسكرية والضباط الإسرائيليين الكبار، والذين كانوا يقودون الجنود والمرتزقة.
على رغم ما حدث فإن القيادة السياسية في “إسرائيل” ما زالت تتحرج من النزول عن شجرة الأهداف الكبيرة التي كبلت نفسها بها في بداية الحرب، بعد أن غرّها الدعم لها، داخلياً وخارجياً وأميركياً. فبعد أن أدركت فشل عمليتها العسكرية، أصبحت تناور بكل ما أوتيت من حيل من أجل إظهار أن الهُدن جاءت لتحقيق أهداف الحرب، والقول إن حماس قبلت الإفراج عن جزء من الأسرى تحت الضغط العسكري، على الرغم من أن الحركة عرضت الافراج عن جزء منهم في الأيام الأولى للحرب.
التعنت الإسرائيلي مؤخراً يأتي في ظل مخاوف سياسية داخلية لدى أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً رئيس الوزراء نتنياهو ووزير حربه غالانت، الذين يدركون أن نهاية الحرب ستكون نهايتهم وتقديمهم إلى المحاكمة مع عدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين بعد الهزيمة المدوية في السابع من أكتوبر في منطقة غلاف غزة.
في المقابل، تتعاظم الضغوط الخارجية والدولية على “إسرائيل” في ظل تأثيرات كبيرة في الاقتصاد العالمي والهدوء في منطقة الشرق الأوسط، وثبات الأنظمة السياسية في الدول العربية، وتضرر المصالح الأميركية في المنطقة، ناهيك بخطر الحرب الإقليمية الذي يخشاه كثير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى “إسرائيل”.
عودة “إسرائيل” إلى القتال في غزة ستقابَل بمقاومة أكثر شراسة، بعد ترتيب أوراقها بعد القتال الشاق، وأماكن توغل الاحتلال باتت معروفة ومدروسة، وسيكون الوضع فيها أصعب على قوات الاحتلال التي لا تعرف شيئاً عما أعدته المقاومة للقتال المرن والمركّز في مناطق التوغل، وخصوصاً في شمالي غزة وغربي مدينة غزة، بالإضافة إلى زيادة في وتيرة الاشتباك مع الاحتلال عند حدود لبنان، وفي البحر الأحمر، وفي العراق وسوريا.
وهذا الأمر لا يمكن لواشنطن أن تقبله خلال الفترة المقبلة. ولهذا، تشير كل الترجيحات إلى أننا سنكون خلال الأسابيع المقبلة أمام صفقة شاملة من أجل إنهاء الحرب العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والإفراج عن أسرى الاحتلال، وتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى الاتفاق على حل للقضية الفلسطينية برمتها.
يوماً بعد يوم، ومع استمرار الهُدن بين المقاومة والاحتلال، تتراجع فرص الاحتلال في استخدام المناورة البرية في قطاع غزة. ولهذا، قد نكون خلال الأسبوعين المقبلين أمام هُدن متتالية، قد يتخللها أيام قتالية ضارية كجزء من عض الأصابع ضمن مفاوضات إنهاء الحرب وفرض شروط الصفقة الكبرى بين المقاومة والاحتلال.