سيمور هيرش: مسؤولو أردوغان يقفون وراء الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في آب الماضي

Seymour-Hersh

وكالة الأنباء السورية ـ سانا:

كشف الكاتب الأميركي سيمور هيرش في مقال نشرته مجلة لندن ريفيو اوف بوكس أمس الدور الخطير الذي لعبه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولوه في الهجوم الكيميائي الذي نفذته المجموعات الإرهابية المسلحة في الغوطة الشرقية قرب دمشق في الحادي والعشرين من اَب الماضي وذلك في محاولة منه لدفع الولايات المتحدة لشن عدوان على سورية في أعقاب الهزائم التي منيت بها المجموعات الإرهابية المسلحة التي يدعمها أمام الجيش السوري.

وأضاف هيرش في المقال الذي حمل عنوان “الخط الاحمر وخط الجرذ” أن الانقلاب في موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما وعدوله عن مهاجمة سورية يعود إلى حقائق تكشفت في مخبر بورتون داون في ويلتشاير ببريطانيا وذلك مع حصول مسؤولي الاستخبارات البريطانية على عينات من غاز السارين الذي استخدم في هجوم الغوطة حيث اظهر التحليل بما لايقبل الشك ان الغاز المستخدم في الهجوم لايتفق ابدا مع أي مواد كيميائية يمتلكها الجيش السوري وقد وصلت الرسالة بشكل سريع إلى هيئة الأركان الأميركية بأن أي قضية ضد سورية بهذا الشان لن تصمد.

ولفت هيرش إلى أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكيين والقادة العسكريين في الولايات المتحدة الذين كانوا قد رفضوا الدخول في مغامرة عسكرية جديدة خلف أوباما واعتبروا أن الحرب على سورية غير مبررة وكارثية انتابتهم الشكوك بشأن الدور الذي يلعبه جيران سورية في الحرب وخصوصا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحاشيته.

واستطرد الكاتب الأميركي قائلا “إن أردوغان معروف بتقديمه الدعم المطلق لـ “جبهة النصرة” إضافة إلى المجموعات الاسلامية المتطرفة الاخرى التي تقاتل في سورية” وقد كشف له مسؤول رفيع في الاستخبارات الأميركية على اطلاع بالمعلومات الجديدة قائلا “نحن نعلم أن هناك مسؤولين في الحكومة التركية كانوا يعتقدون انهم يستطيعون استخدام غاز السارين في سورية لاجبار أوباما على تنفيذ تهديداته بشأن الخط الأحمر”.

ونقل هيرش عن مسؤول استخباراتي أميركي سابق قوله إنه ومن خلال المعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات الغربية كان من الواضح أن المجموعات المسلحة تتكبد الهزائم في سورية أمام الجيش السوري وهو ما اثار حنق أردوغان الذي شعر بانه ترك وحده معلقا من رقبته.. فالأموال التي تدفع للارهابيين أمواله واعتبر أن الرفض الأميركي لتزويد هؤلاء المسلحين بالصواريخ الثقيلة المضادة للطائرات يشكل خيانة له ولجهوده.

وأضاف المسؤول الاستخباراتي السابق انه في ربيع العام الماضي علمت الاستخبارات الأميركية أن حكومة أردوغان ومن خلال عناصر في وكالة المخابرات التركية ام اَي تي وأجهزة الجندرمة كانت تعمل بشكل مباشر مع “جبهة النصرة” وحلفائها لتطوير قدرات لشن حرب كيميائية حيث تقوم الـ ام اَي تي بدور عميل اتصال سياسي مع المسلحين فيما تضطلع قوات الجندرمة بالتعامل مع الخدمات اللوجستية العسكرية وتقديم النصح والتدريب للمسلحين ومن بينها التدريب على الحرب الكيميائية.

وأوضح المسؤول “أن تصعيد الدور التركي في الربيع الماضي يشكل مفتاح مشاكله هناك فهو يدرك انه في حال اوقف الدعم للجهاديين سينتهي كل شيء.. فالسعوديون عاجزون عن دعم الحرب بسبب البعد الجغرافي وصعوبة نقل الأسلحة والمعدات لافتا إلى أن امل أردوغان الوحيد لمتابعة خططه في سورية كان اشعال حادثة يكون من شانها اجبار الولايات المتحدة على تجاوز الخط الأحمر غير أن أوباما لم يتجاوب معه في سلسلة الهجمات الكيميائية في آذار ونيسان من نفس العام.

ففي مؤتمر صحفي في السادس عشر من أيار الماضي بين أوباما وأردوغان كان جواب الرئيس الأميركي على سؤال فيما اذا كانت الحكومة السورية قد تجاوزت الخط الأحمر بالقول “إن هناك أدلة على استخدام هذه الأسلحة لكن من المهم التأكد باننا حصلنا على المزيد من المعلومات بشأن ما حدث بالفعل” وهو ماشكل خيبة امل لأردوغان فالخط الأحمر مازال سليما ولم يكسر.

وكشف خبير في شؤون السياسة الخارجية الأميركية على علاقات قريبة مع مسؤولين في واشنطن وأنقرة أن عشاء لاحقا بين أوباما وأردوغان بحضور وزير الخارجية جون كيري ومستشار الأمن القومي الأميركي توم دونيلون إضافة إلى أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي وحقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركي ام اَي تي سيطر عليه الاصرار التركي بأن سورية تجاوزت الخط الأحمر وشكواهم من رفض أوباما اتخاذ أي خطوة بهذا الشأن.

وأشار الخبير إلى أن أردوغان كان يرغب من وراء احضار فيدان الذي يعتبر داعما متطرفا للمجموعات الإرهابية في سورية إلى العشاء باقناع أوباما برايه وتعزيز قضيته أمام الرئيس الأميركي غير أنه وكلما اراد أردوغان ادخال فيدان في الحديث كان أوباما يقاطعه قائلا “نحن نعلم” وفي النهاية قال موجها خطابه لفيدان “نحن نعلم ماتفعله مع المتطرفين في سورية”.

وقال هيرش إن القرار الأميركي بايقاف دعم الـ سي اَي ايه وشحنات الأسلحة ترك أردوغان مكشوفا سياسيا وعسكريا وبدون الدعم الأميركي فان حلم رئيس الوزراء التركي بالحصول على دولة زبون وموالية له في سورية بدأ يتبخر.. وقد القى بالمسؤولية على الأميركيين فهو يعلم أنه ولدى تحقيق سورية الانتصار الكامل في الحرب سيعود هؤلاء الإرهابيون إلى تركيا وسيكون لديه آلاف المتطرفين في ساحة منزله الخلفية.

وقال مسؤول استخباراتي سابق قابله هيرش إنه وقبل بضعة أسابيع من الهجوم الكيميائي على الغوطة اطلع على ايجاز سري للغاية تم اعداده لـ مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية ووزير الدفاع تشاك هاغل يصف حالة القلق الكبير الذي يعانيه أردوغان بشان تضاؤل قوة المسلحين ويحذر الايجاز من ان الاخير اعرب “عن الحاجة لفعل شيء يستجر الرد العسكري الأميركي ضد سورية”.

وأضاف المسؤول “أنه وفي صيف العام الماضي كان الجيش السوري لايزال يحقق الانتصارات على المسلحين ووحدها القوة الجوية الأميركية يمكن ان تقلب الأمور براي الأتراك”.

ورأى المسؤول الاستخباراتي الذي كان يعمل على المعلومات بشأن الهجوم.. أن سورية لم تنفذه وانما العصابات المسلحة هي التي فعلت.. وكان المتهم الاقرب هم الأتراك لأنهم يمتلكون كل القدرات التي يمكن ان تساعد في وقوع الهجوم.

ويقول المسؤول.. بعد جمع المعلومات بشكل كامل فاننا “نعلم الآن بأن الهجوم الكيميائي كان عملا سريا خطط له رجال أردوغان لدفع أوباما لتجاوز الخط الأحمر.. لقد كان عليهم تصعيد الأمور باتجاه هجوم الغاز داخل او قرب دمشق لدى وصول مفتشي الأمم المتحدة للتحقيق في الهجمات الكيميائية السابقة”.

وقد علم قادة رفيعون في الجيش الأميركي من وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية بأن غاز السارين وصل إلى المسلحين عبر تركيا ولايمكن ان يكون حدث ذلك سوى بدعم الأتراك الذين قدموا كذلك التدريب لهم على استخدام الغاز.

وأشار هيرش إلى أن الدليل الأول على التورط التركي جاء مباشرة بعد الهجوم من خلال الفرح الكبير الذي ابداه الأتراك.. مضيفا “قد تجري عملية التخطيط لأي عمل بشكل فائق السرية غير ان شيئا لايمكن ان يفضح مرتكب العمل كرغبته فيما بعد بالتبجح بانتصاره .. وقد اعتقد أردوغان أن مشاكله مع سورية انتهت ومعادلته في ذلك هي “اطلق غاز السارين وسيسارع أوباما لمهاجمة سورية قائلا إن الخط الأحمر تم تجاوزه”.

ويقول المسؤول الاستخباراتي إن أيا من المعلومات الاستخباراتية التي تكشفت بعد الهجوم لم تصل إلى البيت الأبيض فلا احد يرغب بالحديث عن ذلك فهناك رفض واسع لمناقضة ما يقوله الرئيس الأميركي “ولم تعد حكومتنا قادرة على قول أي شيء.. فقد تصرفنا بشكل غير مسؤول وبما اننا القينا باللوم على الرئيس بشار الأسد لم يعد بامكاننا لوم أردوغان”.

وأشار هيرش إلى أن الرغبة التركية في التلاعب بالاحداث في سورية لصالحها ظهر بشكل واضح اواخر الشهر الماضي فقبل بضعة أيام من الانتخابات المحلية في تركيا نشر موقع يوتيوب الالكتروني تسجيلا لاجتماع لكبار مسؤولي الحكومة التركية وعلى راسهم داوود أوغلو وفيدان يظهر مخططا تركيا لخلق ذرائع لشن عدوان تركي على سورية ودعم المجموعات الإرهابية المسلحة في مواجهة الجيش السوري في بلدة كسب بريف اللاذقية.

وقال هيرش “إن مسؤولي الأركان المشتركة الأميركية كانوا يعلمون أن ادعاءات الإدارة بان الجيش السوري هو الوحيد القادر على الحصول على غاز السارين كاذبة” فالاستخبارات الأميركية والبريطانية تعلم ومنذ ربيع عام 2013 أن بعض المجموعات المسلحة في سورية كانت تطور أسلحة كيميائية.

وفي العشرين من حزيران الماضي اصدر محللون من وكالة الاستخبارات الدفاعية دي اَي ايه الأميركية موجزا فائق السرية من خمس صفحات يتضمن نقاطا موجهة لنائب مدير الوكالة ديفيد شيد يثبت أن جبهة النصرة حصلت على غاز السارين حيث يعتبر برنامجها المؤامرة الأكثر تطورا بغاز السارين منذ الجهود التي بذلها تنظيم القاعدة لتطوير أسلحة كيميائية في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة عام 2001.

وجاء في الملف واعتمادا على معلومات استخباراتية من عدد كبير من الوكالات “أن تركيا والاشخاص الذين سهلوا هذه العملية ومقرهم السعودية كانوا يحاولون الحصول على كميات من غاز السارين بالجملة بما يقدر بعشرات الكيلوغرامات استعدادا لما يمكن ان يكون انتاجا على نطاق واسع للغاز الكيميائي في سورية”.

ولفت الكاتب الأميركي إلى أنه وبعد اعتقال أكثر من عشرة عناصر من جبهة النصرة في جنوب تركيا في ايار الماضي وبحوزتهم نحو كيلوغرامين من غاز السارين تم اطلاق خمسة منهم بعد احتجازهم لفترة قصيرة جدا لتعود السلطات التركية لتطلق سراح الاخرين ومن بينهم هيثم قصاب الذي طلب المدعي العام حبسه خمسا وعشرين عاما بانتظار محاكمتهم التي لم تجر.

وانتشرت في وسائل الإعلام التركية تقارير تشير بأصابع الاتهام إلى أردوغان ومحاولته التغطية والتعتيم على مدى تورطه فيما كان هؤلاء ينوون فعله في سورية من خلال اطلاق سراحهم.

وأشار الكاتب الأميركي هيرش إلى أن شخصا مقربا من بعثة الأمم المتحدة الخاصة في سورية وعلى اطلاع باعمالها اخبره بأن البعثة المكلفة بالتحقيق في سلسلة الهجمات الكيميائية التي وقعت في آذار ونيسان من العام الماضي عثرت على ادلة تربط بين المجموعات المسلحة والهجوم الأول بغاز السارين على بلدة خان العسل في ريف حلب في آذار من العام الماضي وبالتحقيق مع ضحايا الهجوم والاطباء الذين عالجوا الجرحى كان من الواضح ان المسلحين هم من نفذ الهجوم لكن هذه المعلومة الخطيرة لم تخرج الى العلن لان احدا لم يرغب بذلك.

وبحسب هيرش فان مسؤولا رفيعا سابقا في وزارة الدفاع الأميركية اخبره أنه وقبل شهور من بدء الهجمات الكيميائية في سورية كانت وكالة الاستخبارات الدفاعية تصدر تقريرا سريا يوميا تحت اسم سيروب بشان المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالأزمة في سوري غير أنه وبعد بدء الهجمات الكيميائية في الربيع الماضي تم وضع قيود صارمة لعرقلة توزيع التقرير بناء على اوامر من رئيس فريق البيت الأبيض دينيس ماكوناف.

وأشار المسؤول الاستخباراتي السابق إلى أن قرار حظر توزيع التقرير وتحديده باشخاص معينين جاء في الوقت الذي كانت فيه هيئة الأركان تدرس امكانية تهيئة الأرضية لهجوم على سورية بهدف زائف معلن هو التخلص من الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها.

كما كشف هيرش في مقاله أن وكالة الاستخبارات الأميركية أصدرت في كانون الثاني من العام الماضي تقريرا بشان الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في ليبيا في أيلول من عام 2012 حيث تضمن ملحق فائق السرية لهذا التقرير معلومات بشان اتفاق سري بين ادارة اوباما واردوغان تتعلق بما يدعى خط الجرذ.

وبحسب نص الاتفاق فان تمويل المجموعات الإرهابية سياتي من تركيا والسعودية وقطر فيما تضطلع الاستخبارات الأميركية والبريطانية بنقل الأسلحة الليبية إلى سورية وقد تم توظيف جنود أميركيين متقاعدين للقيام بعمليات شراء الأسلحة والشحن وذلك دون أن يعلموا لأي جهة هم يعملون.

وكانت المجموعات الإرهابية المسلحة قد شنت هجوما بالغازات السامة في الحادي والعشرين من آب الماضي على الغوطة الشرقية أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.