صقر فريسة مصالح الأمم… وتسوياتها

جريدة الجمهورية ـ
جوني منيّر:
حدثت التسجيلات الصوتية للنائب عقاب صقر رد فعل كبير، ليس لانّ ذلك يشكل “اكتشافاً” حول تورط فرقاء لبنانيين بالنزاع الدامي الحاصل في سوريا بشكل مباشر، بل لانه يُعتبر بمثابة الدليل القاطع غير القابل للدحض او التشكيك، وذلك بخلاف التصاريح والمواقف المعلنة والتي كانت تنفي ذلك ومنها للنائب صقر نفسه الذي ذهب بعيداً في نفي ايّ دور له في هذا الاطار، وذلك خلال مقابلته التلفزيونية الاخيرة مع الزميلة بولا يعقوبيان، لدرجة انه ابدى استعداده لوضع رصاصة في رأسه في حال ثبت تورطه في هذا المجال.

لكنّ ردة الفعل الكبيرة التي حصلت في لبنان تركزت حول الصراع السياسي الحاد الدائر بين فريقي الموالاة والمعارضة، وبالتالي استثمار ذلك في اطار اللعبة السياسية الداخلية وتسجيل النقاط الانتخابية. لكن المتابعة الخارجية لهذه الحادثة انما جاءت من زوايا اخرى مختلفة لناحية فك “القطب المخفية” التي احاطت بهذه المسألة.

وبات معلوماً انّ احد المقربين من النائب صقر والذي تعاون معه بدرجة عالية من الثقة وهو سوري الجنسية، اجرى تواصلاً مع الزميلة جريدة “الاخبار” عارضاً ما لديه من تسجيلات وعازياً سبب مبادرته لخلاف مادي مع صقر وطالباً مبلغ 250 الف دولار في بداية الأمر.

لكن اللافت انه بعد مفاوضات حصلت، وافق على تخفيض مطلبه المالي كثيراً ليصل تقريباً الى حوالى “خمس” المبلغ المطلوب. في الشكل بدت المسألة “تجارية” بحتة لكن جهات دبلوماسية مهتمة بسبر اغوار ما حصل، “هزأت” من هذا التبسيط لعملية بهذا الحجم.

ففي الاساس بات معلوماً ان تركيا وفي تفاهمها مع دول الخليج حول كيفية تنسيق المهام تجاه سوريا، ابدت استعدادها لتولي مسألة تأمين الدعم اللوجستي وتوفير ملاذ آمن للمعارضين والتحكم بخطوط التواصل الامني الى العمق السوري.

لكن الحكومة التركية رفضت ان تتولى هي مسألة شراء السلاح او ما يعرف بتولي مسؤولية التجهيز على اساس ان يكون ذلك من مسؤولية وتمويل دول الخليج، على ان تتولى هي مسؤولية تأمين كل المتطلبات اللوجستية لايصال السلاح، ذلك ان تركيا ربما كانت تخشى ان يجري القاء هذا العبء عليها وحدها مستقبلاً.

من هنا جاءت الحاجة للدور الذي لعبه صقر خصوصاً بعدما اضطر الى مغادرة لبنان بسرعة حيث كانت له منذ ذلك الحين بداية اتصالات مع المعارضين السوريين انطلاقاً من لبنان وتحت رعاية ومساعدة اللواء وسام الحسن.

يومها جرى اقتحام صندوق البريد الالكتروني للنائب صقر وسرقة كل بريده على رغم أنه كانت قد جرت طمأنته بان “الفايسبوك” هو غير آمن فيما البريد الالكتروني غير قابل للخرق.

وفي احد الايام ابلغ اللواء الحسن النائب صقر بوجوب مغادرته لبنان فوراً، لان معلومات اكيدة وصلته حول وجود تحضيرات لاستهدافه.
ويروى انّ من بين المعلومات التي وصلت الى شعبة المعلومات صور دقيقة للمنزل الذي كان يشغله صقر في وسط بيروت، اضافة الى صور لسيارته من الداخل.

يومها غادر صقر بيروت على عجل بعد ساعات معدودة لتنبيه الحسن حيث استقر في بروكسيل. يومها قيل ان صقر طوّر علاقته بالداخل السوري من خلال اشراف اللواء وسام الحسن مع اضافة تطور اساسي وهو فتح علاقة مباشرة مع الامير بندر بن سلطان الذي كان قد عين حديثاً رئيساً للمخابرات السعودية والذي كان يتولى الاشراف المباشر على الملف السوري بتفاصيله كافة.

لكن المسألة ان النائب صقر الذي بات يلعب دوراً متقدماً في مجال التنسيق ما بين المسؤولية السعودية في تأمين السلاح والدور التركي اللوجستي، انما كان موضوعاً تحت حماية امنية خصوصاً عند وجوده في تركيا وحيث انه من المفترض ان تكون العناصر التي هي على تواصل مباشر معه “موثوقة” امنياً.

وهذا ما يطرح السؤال البديهي الاول ما اذا كان “المسرّب” السوري هو عميل مزدوج طالما ان فرضية الكسب المادي تصبح سخيفة وفق ما تقدم. وفي حال كان ذلك صحيحاً، فهل تكون ردة الفعل من خلال فضح صقر كما حصل، ام من خلال عمل اكثر جديّة وفق المفهوم الامني.

اما الملاحظة الثانية فهي ان التسجيلات كلها على ما ظهر انها حصلت على الار اضي التركية، وان هذه التسجيلات كانت “نقية” لجهة صوت النائب صقر ما يعني ان هذه التسجيلات حصلت من خلال هاتفه الخاص.

وهو ما يعني ان “المسرّب” السوري كان يستطيع الاحتفاظ بهاتف صقر بسبب الثقة الكبيرة بينهما والقيام ببرمجته ليصبح قابلاً لتسجيل مخابرات صقر على ان يقوم بنسخها في مرحلة لاحقة. وهذا الامر يتطلب دراية تقنية وثقة بالنفس لا بل اكثر، اطمئناناً بالحد الادنى. وهذا ما فتح الاجتهادات على انواعها وابعادها كافة، لا سيما لجهة ما يعتقده البعض بان قرار “التسريب” جاء بضوء اخضر لجهة استخباراتية “حليفة”.

ذلك ان مرحلة المفاوضات تمهيداً لاقرار تسويات كبرى في سوريا قد بدأت، وان تركيا شهدت لقاءين في غاية الاهمية واحد مع المسؤول الايراني لاريجاني والثاني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث جرى على ما يبدو التداول بافكار جديدة كما وصفها بوتين، وتقول مصادر دبلوماسية انها ترتكز على ادخال قوّة متعددة الجنسيات الى سوريا عمادها الاساسي قوات روسيا وتركية. واذا ما صح ذلك فانه يستوجب غسل ايدي تركيا من الاعمال “الوسخة” والتي تتعلق بالاسلحة والمتفجرات.

ومن هنا يعتقد البعض انّ “ظهور” دور صقر الى العلن يصبح مفيداً في بعض اوجهه، على رغم ان ذلك سيعني ادخاله في دهليز مظلم بكل مخاوفه ومخاطره وغموضه. في اي حال بدا تنصل تيار المستقبل بداية ومن ثم دخوله على الخط مسألة غير مفهومة.

وصحيح ان لصقر من يناصبه العداء من داخل تياره السياسي بدافع الحسد منه كونه كان يطمح لان يلعب الدور البارز الذي يلعبه صقر، الا انّ “للتنصل” الذي حصل بداية قصة اخرى ذلك انه كان يعكس بداية موقف الرئيس الحريري او على الاقل حال الضياع التي مرّ بها.

لكن هنالك من يعتقد ان الامير بندر بن سلطان فهم رسالة صقر بانها موجهة اليه مباشرة كونه المسؤول الذي يتولى مباشرة تفاصيل الملف السوري، ولذلك فهو الذي قرر التحرك “الى الامام” بعد صدور ما صدر وشجع الحريري على التبني العلني لصقر، خلال لقائه بمسؤولي المعارضة السورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.