“صناعة الجهل” حرب العصر

وكالة مهر للأنباء –

نسرين نجم*:

يعتبر البعض ان الجهل هو مركب قيمي سلبي عابر لا يعرونه الاهمية المطلوبة، بينما تحول عند البعض الآخر الى علم يتم دراسته وتدريسه وتوجيهه، وله قواعد وشروط ومنهجية محكمة ودقيقة، وقد اثبت فعاليته في العديد من المجتمعات التي حققت النتائج المتوخاة منه لمن عمل عليه، ولعل اهمها الهيمنة والسيطرة الفكرية والثقافية والنفسية.

فكما هو معلوم الحرب في عصرنا الحالي تحولت من عسكرية الى نفسية اعلامية ثقافية، وذلك لانها اكثر ربحا واقل خسارة مادية واقتصادية وبشرية. ففي الحرب الآنية السلاح الوحيد والفعال هو استثمار العقل واستخدامه اما بطريقة شيطانية كما تفعل دول الاستكبار والاستعمار لوضع يدها على ثروات البلاد، واما بطريقة ايجابية كما تفعل العديد من الدول وعلى رأسها الجمهورية الاسلامية من خلال تطوير العلوم والمعارف، والتحفيز على الابتكار والابداع والاكتشاف والاختراع لصالح الانسانية جمعاء.

اذن في خضم هذا النوع من الحرب يبرز “علم الجهل” ليكون متسيدا على الكثير من العلوم، أدواته بسيطة وخطيرة في آن معًا، فهي تحتاج بالدرجة الاولى الى دراسة المجتمع دراسة تفصيلية لمعرفة نقاط القوة والضعف فيه، لتعمل على تنشيط وزيادة نقاط الضعف، اضف الى ذلك دراسة اتجاهات الرأي العام وتوجيهها نحو عناوين مصنوعة بأفكار ” ملغومة” عن الحرية والسيادة والاستقلال.

ويكون ظاهرها ملفت ومضمونها قاتل، ومن ثم العمل على زيادة الهوة بين ابناء الشعب الواحد، او بين الشعب والسلطة، وتقنيات هذا العلم التي تستخدم لبث السموم الفكرية والثقافية والعمل على استيلاب العقول سيما الشباب، عبر منصات التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلامية المختلفة، والامثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

تصوير ان ايران دولة ارهابية تسعى لامتلاك سلاحا نوويا للقضاء على نصف العالم، وهذا ما دأبت عليه بعض الصحف الاعلامية والاقلام المأجورة على نشره لتكوين صورة مشوهة عن ايران امام الرأي العام العالمي، لكن من يتابع ويقرأ الحقيقة يتبين له ان الجمهورية الاسلامية لا تسعى الى كل هذا ليس من باب انها لا تستطيع ان تمتلكه.

ولكن من باب شرعي ديني اخلاقي انساني، هذا الجانب الذي يفتقده من يعمل على شيطنة صورة ايران، الى جانب التغاضي عن واقع هام يعمل الاعلام العالمي على اخفائه والذي يتمثل بأن من يمتلك رؤوس نووية هي “اسرائيل” وهي التي تشكل خطرًا على البشرية، وهي التي لا تخضع لأي قرارات دولية سيما تلك التي تتعلق بوكالة الطاقة الذرية.

او مثلا عبر تسويق دراسات وابحاث “ملفقة” من شأنها ان تولد الاحباط والاستسلام والانهزام لدى المواطنين، تمامًا كما فعلت في لبنان مستغلة الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، فعملت كما فعلت جريدة التايمز البريطانية على تسويق ان لبنان سيتعرض لمجاعة كبيرة وخطيرة، وان اللبنانيين سيلجأون الى بيع “كلياتهم” ليبقوا على قيد الحياة، بالطبع مقالة من محض الخيال لا يوجد فيها اي مهنية، بل هي عبارة عن دس السموم، كجزء من الحرب النفسية التي يحاصرون بها الناس ويألبوهم ضد المقاومة لانها تبعا لسياساتهم الخبيثة هي السبب في وصول لبنان الى ما هو عليه اليوم، متناسية ان اللبناني كشجرة الارز لا يمكن ان ينكسر، فجذوره ممتدة في هذه الارض التي روتها دماء الشهداء لتحصد نصرًا وعزة وكرامة.

ولا يمكن ان نغفل ان هذه المقالات والدراسات والابحاث ازدادت في هذه الايام بعد ان نجحت المقاومة بدعم من الجمهورية بكسر الحصار الاميركي الجائر على لبنان.. الامر الذي اصاب الاميركيين وعملائهم بالداخل بصدمة قاسية، دفعت السفيهة (السفيرة) الاميركية في لبنان دوروثي شيا الى اتخذ قرار سريع بفتح الممرات لنقل الغاز المصري والاردني عبر سوريا، متراجعة بذلك عن قانون قيصر الظالم على سوريا.

اذن علم الجهل علم قائم على تزييف الحقائق، واختراع الاضاليل، وابتكار الاكاذيب، وتشويه الوقائع، وتلفيق اخبار وهمية بأسلوب نفسي_ اعلامي فيه حرفية، تماما مثلما تدعي اميركا بأن قواتها في سوريا تقصف مراكز الارهابيين من داعش والقاعدة، الا ان الواقع عكس ذلك، فهذه ضربات افتراضية نفذت فقط عبر الاعلام. ولا ننسى ان هذه المنظمات الارهابية هي صنيعة المخابرات الاميركية.

بالعودة الى علم الجهل يمكن مواجهته ومقاومته بالوعي والقراءة الدقيقة، والثقافة، وعدم تصديق كل ما يشاع ويقال، والاهم اعمال العقل بالطريقة السليمة والصحيح لكي لا يقع الفرد في براثن الجهل، وبالطبع ان يكون هناك اعلام شفاف يمتلك اسلحة الادلة والاثباتات لمواجهة كل الاباطيل وفضح ما ينشرونه، وان كان عبر لقاءات، حوارات، افلام قصيرة، اضف الى ذلك تحويل منصات التواصل لساحات مواجهة ورفض ما يبثه صناع علم الجهل في مجتمعاتنا.

معركة تتطلب نفسًا طويلًا وعميقًا، وصبرًا وتخطيطًا ووعيًا، بالتوازي والتساوي مع تثقيف كل فئات المجتمع حول خطورة وابعاد هذه الحرب، وسبل معالجتها ومواجهتها ومقاومتها.
مهما حاولوا ومهما اخترعوا انواعا من الحروب، ما النصر الا من عند الله ولرجال الله.

* اختصاصية في علم النفس الاجتماعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.