طوفان الأقصى… بداية النهاية؟!
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
طوفان الأقصى في أسبوعه الثاني يعطي دلالة واضحة على أن حماس لم تكشف كل أوراقها بعد، وسلوكها على الأرض يشير إلى أنها تدير المعركة بحكمة عالية واقتدار.
ما جرى في طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر سجّل نجاحاً باهراً وعلامة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ونجاحاً عسكرياً تاريخياً حفرته المقاومة الفلسطينية في الذاكرة العربية والإسلامية، وكشف مدى الخداع الاستراتيجي الذي تعرّضت له مؤسسة “الجيش” الإسرائيلي، وعجزها عن قراءة نوايا المقاومة الفلسطينية، وهو ما عدّ فشلاً ذريعاً أفقدها هيبتها، ما جعلها تمعن في استخدام سياسة الأرض المحروقة ورفع تكلفة الخسائر البشرية والمادية في صفوف الفلسطينيين، والتلويح بحرب برية واسعة على قطاع غزة .
اختيار الاحتلال الإسرائيلي سيناريو كثافة النيران الذي وصل حدّ الجنون، في تركيزها على القصف الجوي العشوائي واستهداف الأحياء السكنية في قطاع غزة، يعكس تأثير الصدمة والارتباك الكبيرين الذين مني بهما جيش الاحتلال الإسرائيلي. وفي حقيقة الواقع فمثل هذا القصف الهستيري لن يغيّر شيئاً على أرض الواقع، أمام استمرار المقاومة الفلسطينية في إدارة المشهد والتحكّم، والسيطرة على مجريات الأحداث وتوجيه ضرباتها الصاروخية في العمق الإسرائيلي مع دخول معركة طوفان الأقصى أسبوعها الثاني، وقدرتها على الوصول إلى المستوطنات المحيطة في قطاع غزة ومهاجمة تجمّعات “جيش” الاحتلال ودباباته المحتشدة وإيقاع مزيد من الخسائر فيها.
كلّ المعطيات تشير إلى أنه ورغم حجم التضحيات والخسائر فإن “إسرائيل” لا تمتلك أدنى مقوّمات النصر في هذه الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني، وهي تسير نحو هزيمة كبيرة عسكرياً وأخلاقيّاً .
ثمّة معطيات عديدة تشير إلى أن هزيمة “إسرائيل” باتت مرتقبة في هذه المواجهة، فعلى الصعيد الفلسطيني تعدّ وحدة الفعل والميدان لفصائل المقاومة الفلسطينية، وإرادة القتال العالية والتحكّم والسيطرة، واستمرار القدرة على ضرب العمق الاستراتيجي في “إسرائيل”، ومهاجمة تجمّعات “جيش” الاحتلال على حدود غزة، وإيقاع خسائر مباشرة فيها مصدر قوة أساسياً يشير إلى قوة المقاومة ووحدتها في الميدان، كما أن تماسك الجبهة الداخلية في قطاع غزة وبداية تحرّك ساحة الضفة الغربية المحتلة بالهجوم والاشتباك تعدّ إشارات قوية تجاه توسّع دائرة المواجهة.
أما على صعيد المنطقة فبداية تسخين الجبهة الشمالية مع لبنان بعمليات عسكرية من المقاومة الإسلامية في حزب الله تشكّل ضغطاً كبيراً على “إسرائيل” هي لا ترغب به مطلقاً في هذا التوقيت، وبداية التحرّكات العملية والواضحة في عدد من العواصم العربية، وخروج الشارع العربي والإسلامي بمظاهرات ومواقف إدانة هي تعبير عملي عن رفض المزاج العربي لكلّ المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحقّ الفلسطينيين، وهذا ما يثير قلقاً كبيراً لدى العديد من الأنظمة العربية في المنطقة.
لعلّ فشل وزير خارجية أميركا في جولته للمنطقة والهادفة إلى انتزاع مواقف إدانة صريحة من الدول العربية، ورفض انتزاع موقف عملي تجاه الموافقة على مخطط تهجير الفلسطينيين تجاه سيناء المصرية شكّلا فشلاً لمخطط أميركا وجهودها، والتي هبّت لنجدة “إسرائيل” و”جيشها” خوفاً من الانهيار الذي تعرّض له بعد انهيار فرقة غزة في “جيش” الاحتلال فور تنفيذ عملية طوفان الأقصى.
ثمة عوامل أخرى مهمة تتمثّل في بداية تغيير المزاج الشعبي لعدد من العواصم الغربية، رغم التضليل الإعلامي الواسع الذي يمارسه اللوبي الصهيوني لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية من جهة، وارتفاع الحصيلة المدنية للشهداء الفلسطينيين والتي باتت ثقيلة على تحمّل الرأي العام الدولي، وخوف أميركا من توسّع دائرة الحرب أكثر، إذ إنّ أحد السيناريوهات التي تتحسّب لها الإدارة الأميركية هو اتساع بقعة المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة لن تكون في صالحها في هذا التوقيت وتنعكس بالسلب عليها قبل أي طرف آخر، في وقت كانت أسمى ما تطمح إليه خلال هذه المرحلة هو استمرار قطار التطبيع فقط.
اعتقدت الأوساط الإسرائيلية وبعض الأوساط العربية أن حركة حماس تبحث عن سلطة هدوء في قطاع غزة وبعض من الهبات المالية لحكومتها، بعد أن كانت تعتقد أن مقياس النصر لديها توقّف في معركة سيف القدس في أيار/مايو2021 الذي يكمن في ضرب “تل أبيب” بالصواريخ، لكنها تفاجأت وصُدمت بل وذهلت بعد أن وجدت مقياس النصر في قاموس المقاومة عندها قد تغيّر استراتيجياً نحو سياسة جديدة عنوانها الاقتحام للأراضي الفلسطينية المحتلة وهذه سابقة لم تمرّ من قبل، لتفرض معادلات جديدة وحدثاً كبيراً تجاوز فعله الاستراتيجي ما جرى في حرب عام 1973.
هي معادلة مفادها أن المقاومة في غزة والتي أرادوا لها تصوّراً محدوداً للعيش بسياسية التنقيط والتسهيلات الاقتصادية فقط، هي اليوم بعد عملية طوفان الأقصى أصبحت تمثّل قاعدة للتحرير، وشكّلت بداية النهاية للاحتلال، بل وأعادت الرواية الحقيقية لشعب يرزح تحت الاحتلال لأكثر من 75 عاماً، كما أعادت بناء القضية الوطنية الفلسطينية كقضية الأقصى والأسرى بمركبات جديدة بعد أن تفكّكت بفعل الاحتلال والتطبيع والمشاريع السياسية والاقتصادية الاستسلامية.
لتكتمل الصورة بشكل أكبر، ثمة عوامل أخرى تدفع وتؤكد حتمية الهزيمة المرتقبة لـ “إسرائيل” في عدوانها، وذلك انطلاقاً من حال التفكّك الذي تعيشه الجبهة الداخلية الإسرائيلية على خلفية تصاعد الصراع السياسي في “إسرائيل، وإنّ ما تسمّى بحكومة الطوارئ هي بالأساس حكومة حرب وحالة مؤقتة لن تستمر طويلاً، فالمعركة ستنتهي وسينجلي غبارها وفور الانتهاء ستتفاعل كل الأطراف وستعود الصراعات من جديد ولكن بشكل أشرس وأعمق.
ثمّ إن الفشل الاستخباري الكبير الذي منيت به مؤسسة “الجيش” والاستخبارات وانكشاف حال الترهّل لقوات المشاة والدروع، وانعكاس ذلك على تراجع الدافعية القتالية وضعف الحاضنة الشعبية لـ “جيش” الاحتلال في “إسرائيل”، وتورّطها في جرائم بشعة وصلت إلى مستوى جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، وافتضاح الموقف الغربي الداعم لـ “إسرائيل” بالسلاح يجعلها في موقع عدائي وبلا أي غطاء سواء كان أخلاقياً أو حتى سياسياً.
ارتفاع حدة الجرائم الإسرائيلية واستخدامها القوة المفرطة والقصف الوحشي والهمجي والهستيري، بدأ يبلور موقفاً جامعاً ورافضاً ومعارضاً لها في الرأي العام العالمي وفي كلّ المحافل الدولية جمعاء، وهذا سينعكس سلباً على موقعها وصورتها أمام الدول الغربية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.
الفلسطينيون بدأوا يستوعبون صدمة الجنون الصهيوني مع ارتفاع مستوى جرائمه، ورقعة الغضب العالمي ضد “إسرائيل” بدأت تتسع كل ساعة، وبالتالي ووفق هذه المعطيات، وفي ميزان الربح والخسارة ستكون الغلبة للشعب الفلسطيني ومن وقف معه وسانده، والهزيمة الحتمية تهرول نحو الاحتلال الإسرائيلي. فالتفاعلات السياسية ليست في صالح الاحتلال في وقت باتت خياراته تضيق مع كل يوم جديد من أيام العدوان على قطاع غزة، وسط تخبّط كبير بين الساسة والعسكر في “إسرائيل” أمام خوض معركة برية من عدمها من جهة، وبشأن الهدف من الهجوم البري في غزة من جهة أخرى.
طوفان الأقصى في أسبوعه الثاني يعطي دلالة واضحة على أن حماس لم تكشف كل أوراقها بعد، وسلوكها على الأرض يشير إلى أنها تدير المعركة بحكمة عالية واقتدار، وهذا واضح من خلال الردود خلال الأيام الماضية، ويقرأ على أنه استعداد للمقبل والأهم، لكن المؤكد هو أن اللحظة التي يقرّر فيها “جيش” الاحتلال الإسرائيلي دخول غزة برياً ستكون حرباً ضروساً، ربما لم يعرفها العدو من قبل.