كيف أصبحت “إسرائيل” الطفل الفاسد للعالم؟!
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
قال الرئيس جو بايدن ذات مرة: لو لم تكن هناك “إسرائيل”، فسيتعيّن على الولايات المتحدة أن تخترع واحدة. أدلى بايدن بهذا التعليق لأول مرة في عام 1986 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، حيث أوضح أنه من مصلحة أمريكا دعم “إسرائيل” في هذه المنطقة الحيوية من العالم التي تنتج أكثر من 31 في المائة من النفط، الذي تتعطش إليه الولايات المتحدة دائماً، فهي تستورد ما يقدّر بنحو 12 في المائة من إجمالي وارداتها من الشرق الأوسط. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال في حاجة إلى الوجود في المنطقة، حتى لو كان ذلك فقط لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وهذا أقرب إلى الواقع من الادّعاء التالي الذي قدّمه مؤخراً.
في تعليق أدلى به في 24 تشرين الأول من هذا العام، قال بايدن: إن الولايات المتحدة تدعم “إسرائيل” بناء على “مبادئنا ومثلنا وقيمنا. إنها القيم نفسها”.
لا يتحدث بايدن هنا عن المصالح، بل عن القيم والمثل العليا، الأمر الذي يعطي انطباعاً خاطئاً بأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تتقاسمان المثل والمبادئ النبيلة للحرية، وتقدّران الديمقراطية على قدم المساواة، حيث تحظى حقوق الإنسان والقانون باحترام كبير. وهذا التعليق بعيد عن الواقع، ويجعله، كرئيس، متواطئاً فيما تفعله “إسرائيل “في قطاع غزة بالغزاويين.
عندما هاجمت المقاومة الفلسطينية “إسرائيل”، جعل بايدن مهمته المقدسة تكثيف دعمه لـ”إسرائيل” من خلال تقديم دعم مالي وسياسي وخبرة غير مسبوقة للكيان المحتل، حيث أعلن لأول مرة، وحصل على موافقة الكونغرس على مبلغ 14.5 مليار دولار. ويعطي هذا المبلغ الهائل من المال الانطباع بأن “إسرائيل” الصغيرة تقاتل قوة عظمى أخرى، وليس “الإرهابيين”، كما تسمّي واشنطن المقاومة الفلسطينية. وبطبيعة الحال، هذا فضلاً عن المساعدات العسكرية السنوية التي تحصل عليها “إسرائيل” من دافعي الضرائب الأمريكيين والتي تبلغ 3.1 مليارات دولار. وجاءت بعض المكاسب الإضافية في شكل معدات عسكرية، بما في ذلك القنابل التي تستخدمها “إسرائيل” لقتل وتشويه وتهجير الفلسطينيين في جميع أنحاء قطاع غزة.
إن فكرة القيم “المشتركة” بين الطرفين تثير سؤالاً واحداً: ما هي العظمة والقيم النبيلة المشتركة التي يشتركان فيهما؟. علاوة على ذلك، وتماشياً مع تعليق بايدن، ما هي المصالح الأمريكية التي تجبرها على دعم “إسرائيل”؟ وما هي المصلحة الأمريكية الوحيدة في موت أكثر من 15.000 فلسطيني، وما هي المصلحة الأمريكية في التهجير المتكرّر لأكثر من مليون فلسطيني بعد حرمانهم من الغذاء والدواء والمياه والرعاية الطبية والمأوى الآمن؟ من الصعب إيجاد ولو قيمة واحدة!.
على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية من تاريخها الدموي، لم تتمتع إسرائيل بالتزام عسكري من جانب الولايات المتحدة فحسب، على حدّ تعبير بايدن، بل تمتعت أيضاً بحماية سياسية على أي مسرح دولي حينما يتم توجيه الاتهام لها، مهما كان سبب الكارثة التي ارتكبتها، فهي لا تتوقف أبداً عن ارتكاب هذا النوع من القبح الذي لا يمكن تصوّره في القرن الحادي والعشرين، مثل ما تفعله في غزة.
من خلال رعايتها وتدليلها واحتضانها وتمويلها من الولايات المتحدة، نشأت “إسرائيل” مثل طفل سيّئ السلوك وطفل مدلل يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ، لكنه يصرّ على فعل الشيء الخطأ للغاية وتكراره دائماً، معتمدة على مساعدة “أمربكا الأم”. على مر السنين، أصبح هذا الطفل مصدر إحراج لحاميته الولايات المتحدة وغيرها، وإهانة مخزية للجنس البشري بأكمله، وآلة للأكاذيب والموت والأخبار الكاذبة والعقاب الجماعي.
فـ”إسرائيل”، رغم كونها فتى أمريكا المدلل، لا تتردّد في إهانتها والإضرار بمصالحها كلما كان ذلك يخدم مصالحها. لقد تجسّست على الولايات المتحدة، وخانت ثقتها، وقتلت جنودها، وقتلت مواطنيها، وخرقت قوانينها الداخلية وجرّتها لتصبح داعية للحرب ورمزاً للإرهاب الذي ترعاه الدولة، ومع ذلك تظل طفل واشنطن المدلل. وذلك لأن الأطفال المدللين، في مرحلة ما، لم يعودوا يحترمون قيم ومبادئ أولياء أمورهم ويكبرون وهم يسخرون منهم، بينما يحدّدون مبادئهم وقيمهم الملتوية ويحاولون فرضها مرة أخرى على الأقرب إليهم. هذا هو وضع “إسرائيل” والولايات المتحدة اليوم، على الرغم من كل المجاملات التي ردّدتها واشنطن مراراً وتكراراً حول المبادئ والقيم المشتركة.
على مر السنين، كبر هذه الطفل “اللقيط”، وأصبح قوة لا يُستهان بها داخل أمريكا. يمكن لأي سياسي أمريكي أن ينهي مسيرته السياسية بزلة لسان إذا اعتُبرت منتقدة لـ”إسرائيل”. وفي مجال الأعمال التجارية، قد يعني ذلك أيضاً الطرد الفوري لأي مدير تنفيذي إذا دفعه سوء الحظ إلى القول، على سبيل المثال: “لقد قتلت “إسرائيل” عدداً كبيراً جداً من الأطفال”، وهي حقيقة واقعة. وحتى المسؤولون السابقون الذين يتطلعون إلى العودة إلى قوائم جداول الأجور الحكومية يبذلون قصارى جهدهم للتفاخر بدعمهم لـ”إسرائيل”.
وخير مثال على ذلك، جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي السابق الذي توسّط في أول وأكبر اتفاق سلام لـ”إسرائيل”، وصفته “إسرائيل” بأنه “متعصّب” لمجرد أنه التقى أحد قادة المقاومة الفلسطينية في عام 2008. وفي الآونة الأخيرة، خضعت عضو الكونغرس الديمقراطية، رشيدة طليب، إلى الرقابة لمجرد دعوتها إلى فلسطين حرة.
وبالعودة إلى بايدن، نائب الرئيس، هذه المرة. وفي عام 2010، خلال زيارته لـ”إسرائيل”، تعرّض للإذلال العلني من نتنياهو الذي اختار الإعلان عن التوسّع الاستيطاني بينما كان بايدن في المدينة يدعو على وجه التحديد إلى تجميدها. كان أنتوني بلينكن، وزير خارجية بايدن، يزور “إسرائيل” كل أسبوع تقريباً خلال شهر تشرين الثاني الماضي، وناشد جميع المسؤولين الإسرائيليين قتل عدد أقل من المدنيين في غزة. وعلى الرغم من كل ما فعله من أجل “إسرائيل”، فقد تم رفض مطالبه وإعادته إلى وطنه بخيبة أمل، من هذا الطفل المدلل الذي يُدعى “إسرائيل”، والذي أصبح فوق أي لوم أو حتى توبيخ.
لقد أجبر نتنياهو بايدن على الكذب، حيث أخبره أن مقاتلي المقاومة الفلسطينية يقطعون رؤوس الأطفال. وبسبب خوفه من اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة نفسها، أصبح الرجل، الذي يُتوقّع منه في مثل هذا العمر أن يكون أكثر حكمة وحساسية للغاية، غير حساس تجاه مأساة غزة. فهو لم يشكّك فقط في حصيلة القتلى والجرحى التي أعلنتها السلطات في غزة ونقلتها كل وكالات الأمم المتحدة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتبرئة “إسرائيل” من قصف المستشفيات، عندما اتهم المقاومة الفلسطينية باستخدام الأنفاق تحت مستشفى الشفاء.
لقد أصبح مفلساً أخلاقياً إلى درجة أنه حاول تبرير قصف المستشفيات، وقطع الكهرباء عن أقسام الأطفال حديثي الولادة، وقطع إمدادات المياه عن غرف غسيل الكلى، وقام القناصون برش الرصاص في أقسام الأورام. ومرة أخرى، فإن الطفل المدلل المسمّى “إسرائيل” لا يقدّر أبداً أياً من ذلك من خلال مكافأته، على سبيل المثال، بمجرد الوعد بقتل عدد أقل من الفلسطينيين في الضفة الغربية أو تدمير عدد أقل من المنازل في قطاع غزة، وهو السلوك الأنموذجي لعائل مفرط في تربية طفله.