متى يثأر العرب لكرامتهم؟

جريدة البناء اللبنانية-

جمال محسن العفلق:

منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تباينت المواقف واختلفت الآراء حول هذه العملية ولكن هذا التباين في المواقف تحوّل الى بيانات رسمية بين مؤيدة ومعارضة، وانبرى الإعلام العربي المعارض للحرب وفق طلب السفارات الأميركية في العواصم العربية التي صحّحت البيانات الوزارية وطالبت الحكومات العربية بتشديد اللهجة اتجاه موسكو، وكانت تلك البيانات الصادرة تمثل حالة خضوع وتبعية عمياء دون إدراك للنتائج وفهم انّ العملية العسكرية الروسية هي بمثابة تصحيح لواقع جغرافي وتاريخي وهذا بالنهاية هو شأن روسي تدرك موسكو هدفها منه ويعلم أيّ متابع أنّ الوضع العالمي التي سعت واشنطن لتثبيته من خلال سياسة القطب الواحد. يعني السيطرة على كلّ شعوب الأرض ومنع تقدّمها إلا بما يتوافق مع سياسة واشنطن ومصالحها فقط وما تفعله روسيا اليوم هو لوقف هذه الهيمنة.

ولكن اللافت في المواقف العربية تجاهلها لكلّ الإهانات السابقة والحالية وكشفت العملية العسكرية مدى هشاشة الإنسانية وأثبتت أنّ كلّ الشعارات التي فرضت على العالم ليست إلا صوره وهمية لا حقيقة لوجودها على أرض الواقع بدأت بالحديث عن لاجئين من نوع أخر لا يليق بالغرب معاملتهم بنفس مستوى اللاجئين القادمين من العراق او سورية أو أفغانستان، فهؤلاء اللاجئين من الدرجة الثانية بينما القادمين من أوكرانيا هم أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر، وهذا بالضرورة يستوجب معاملتهم معاملة مختلفة ومميّزة وعلى العالم كله ان يذرف الدموع من أجلهم!

وبدأت سلسلة الصور المفبركة والتي تصوّر حجم الدمار تنتشر عبر الوسائل الغربية والإعلام العربي الذي ينقل كلّ ما يوزع عليه من الوكالات الغربية دون تدقيق أو بحث فنشرت إحدى القنوات صورة لعائلة أوكرانية مسلمة تدفن طفلها الذي أصيب بالتهاب ذات الرئة نتيجة الهواء الفاسد في أحد الملاجئ، وتجاهلت تلك المحطة مئات الأطفال اليمنيين الذين طالتهم قنابل الطائرات السعودية الإماراتية في منازلهم ومدارسهم كما تجاهلت وتتجاهل وسائل الإعلام الغربية حجم الدمار في اليمن ويتجاهل المجتمع الدولي الحصار اللا إنساني الذي يعاني منه اليمن، وليست القضية في اليمن منفردة، فلو عدنا الى سبعة عقود مضت وجرائم قطعان الاستيطان الصهيوني في فلسطين وما فعلته تلك العصابات وما زالت تفعله والعواصم العربية تلتزم الصمت والإعلام العربي يتجاهل تلك الأنباء وإذا ما تحدّث عنها يصفها وكأنها حالة خلاف عادية على إشارة مرور.

وازدواجية المعايير هذه تجاهلت جرائم أميركا في العراق وسورية كما تجاهلت عواصم الغرب سرقة أموال المودعين في لبنان وهي تعلم تماماً أين ذهبت أموالهم، والانحطاط الأخلاقي والإنساني وصل بهم الى حدّ الاستخفاف بمصير أكثر من مئة مليون مصري وحرمان مصر من مياه النيل بدعمهم لبناء سد النهضة الذي دعم مالياً من دول الخليج وبرعاية أمنية من الكيان الغاصب.

ورغم حجم الإنفاق العسكري الضخم للدول العربية إلا انّ هذا الإنفاق هو لخدمة مصالح أميركا لا الشعوب العربية، فتحوّل الجيش السوداني الى مرتزقة لمحاربة أهل اليمن، ودعم الجيش المصري العملية العسكرية لتحالف العدوان على اليمن، ولكن هذه الجيوش لم تفكر بيوم حماية الأمن القومي العربي ولا الكرامة العربية التي تهان كلّ يوم من الغرب! ومن منا لا يذكر صفقة اليمامة التي وقعتها السعودية مع الشركات البريطانية؟ صفقة ما زالت الأضخم في العالم حيث تجاوزت حينها مبلغ 75 مليار دولار، وكانت في تلك الفترة تساوي حجم إنفاق ثلاث جيوش مجتمعة وكان اللافت بتلك الصفقة أنّ هناك أسلحة بيعت على شكل تصاميم هندسية ولم تصنع بعد. والأموال التي دفعت حينها كانت مئات آلاف البراميل من النفط في وقت تمنع دول الخليج النفط والغاز عن الدول العربية حتى لو دفعت تلك الدول ثمن هذا المنتج.

وبعيداً عن الاسترسال في التاريخ العربي وحالة اللامبالاة التي تمارسها العواصم العربية فإنّ العملية العسكرية الروسية اليوم هي فرصة لا تعوّض للعرب ليتخذوا موقفاً مشرفاً بحق أنفسهم ويقولوا لأميركا لا.

لا للإملاءات الأميركية ولا للخضوع للسفارات الغربية ولا لازدواجية المعايير الإنسانية.

إنّ هذه الفرصة اليوم لن تتكرّر مره أخرى وإذا ما امتنع العرب عن طلب الاستقلال والخروج من تحت العباءة الغربية فإنّ مئة عام أخرى من الخضوع والهوان ستكون هي مصيرهم المقبل.

ولن تتردّد الولايات المتحدة عن التخلي عن كلّ تلك العواصم عندما تجد مصلحتها في ذلك فكما غادرت السفن الحربية مياه الخليج وكما تخلت أميركا عن حكومة أفغانستان بعد عقدين من الزمن فإنها ستترك المنطقة لمصيرها وخصوصاً أنّ الطاقة البديلة والتي يسعى العالم لها اليوم هي دافع مهمّ للتخلي عن المنطقة في المستقبل القريب، فكلّ ما يربط الغرب بهذه المنطقة هو المصالح الاقتصادية فقط وميزانها لصالح الدول الغربية.

فرغم حجم الثروات العربية إلا أنها لم تستثمر إلا في إطار الإنفاق الاستهلاكي…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.