«مجزرة» استخبارات المنطقة ومجازر سوريا الصراع الأميركي ـ الروسي بين الحرب والصفقة

صحيفة السفير اللبنانية ـ
سامي كليب:
منذ بداية الربيع العربي، قُتل أو توفي أو تغيّر مجموعة من رجال الاستخبارات في المنطقة. طرح الأمر أكثر من هاجس وسؤال: هل ما حصل هو محض صدفة وقضاء وقدر، أم أنه جزء من صراع خفي يمهد لرسم خطوط جديدة للسياسة الدولية في الشرق الأوسط؟
بالأمس تم تعيين الأمير محمد بن نايف وزيراً للداخلية السعودية. سبقته مناقلات مهمة في أجهزة الاستخبارات السعودية برئاسة الأمير بندر بن سلطان. جرى ذلك على خلفية عدد من التفجيرات التي شهدتها المملكة وبقي جزء منها طي الكتمان أو غُلف بغطاء لإبعاد الشبهات.
الاتجاهات الأمنية للأمير محمد معروفة، كان الرجل هدفاً لمحاولات اغتيال من قبل متطرفين إسلاميين. لكن من غير المعروف تماماً الاستعدادات الكبيرة داخل السعودية تمهيداً للمرحلة المقبلة. منذ بداية الربيع العربي ثمة سباق حثيث بين إقامة سد أمام رياح التغيير، وتهدئة الخواطر لأن الامتعاض لا يقتصر على المنطقة الشرقية. فاقم في الأمر مرض الملك عبد الله وغياب أميرين مهمين هما سلطان ونايف.
وفي لبنان تم تغييب اللواء وسام الحسن. لا يمكن مطلقاً إقصاء هذه التصفية الجسدية عن الجسر الرابط بين السعودية ولبنان والأردن وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية والعواصم الغربية والخليجية. ثمة تقاطع كان يمثله وسام الحسن أثار حفيظة كثيرين لأن له علاقة مباشرة ليس فقط بالنار التي تحرق سوريا، لكن أيضاً بصراع المحاور الدولية والإقليمية.
في خضم هذا الصراع، توفي رجل الاستخبارات الأول في مصر عمر سليمان. قُتل آصف شوكت نائب وزير الدفاع وقيادات أمنية في سوريا. ألصق اسم اللواء علي المملوك، مدير مكتب الأمن القومي، بالتهم الموجهة إلى الوزير السابق ميشال سماحة في لبنان. اغتيل نائب مدير الاستخبارات التركية هاكان فيدان. تم توقيف مدير الاستخبارات الأردني السابق محمد الذهبي بتهمة الفساد وغسل الأموال.
من الصعب فهم كل ما يجري من دون ربطه بـ4 ملفات رئيسة: إيران وسوريا والحركات السلفية الجهادية والتنافس السياسي والاقتصادي بين روسيا والولايات المتحدة. وصل صراع المحاور الإقليمية والدولية إلى ذروته. قدم الغرب والسعودية وقطر وأطراف خليجية دعماً كبيراً لأطراف من المعارضة السورية. يُحكى عن 11 مليار دولار قطري. صار السلاح والمسلحون في سوريا أكبر من أن يسمح لروسيا بقطف ثمار دعمها لنظام الرئيس بشار الأسد. لكن الأمر لم يصل إلى حد إسقاط النظام.
لم يعد وزراء روس كبار على غرار وزيري الدفاع والخارجية يترددون في المجاهرة بدعم الأسد والتأكيد على عدم القبول بإسقاطه. صارت موسكو في موقع المتراس الأمامي للنظام السوري. هي التي تتهم الغرب، وهي التي تنتقد المعارضة، وهي التي تقول أن لا حل من دون تفاوض يكون الأسد جزءاً منه.
نجحت واشنطن في استنزاف إيران في الأزمة السورية. شددت عليها خناق الاقتصاد والعقوبات مع بعض الدول الغربية. ساهمت مع بعض حلفائها في تعزيز مناخ التأجيج المذهبي ضد إيران و«حزب الله». ونجحت روسيا بالمقابل في صد المشاريع الغربية لتغيير النظام في سوريا. أنهى باراك أوباما ولايته من دون أن يحقق ما دعا إليه منذ أكثر من عام ونصف العام. لم يرحل الأسد وبقي الجيش السوري يقاتل بشراسة منذ نحو عامين.
حقق خصوم النظام السوري هدفهم في توريط تركيا بالحرب السورية. رد النظام ومعه حلفاؤه بنقل المعركة إلى قلب تركيا وعند حدودها عبر الأكراد والعلويين ولواء إسكندرون.
انعدمت سبل التفاهم بين دول الخليج والنظام السوري. قيل إن أمير قطر ذهب إلى غزة لاستعادة شعبيته العربية عبر فلسطين بعدما خبا جزء من هذه الشعبية في دول الربيع العربي. قيل أيضاً إن هذا الغطاء يراد منه التمهيد لعمل قريب في سوريا، سياسي وعسكري، قد يبدأ في الشمال عبر إقامة مناطق عازلة ورفع مستوى تسليح المعارضة وتشكيل حكومة منفى. وعد الأمير القطري الحلفاء الغربيين بتهدئة اندفاعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس نحو الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية.
في المقابل، فإن إيران وسوريا ومعهما روسيا نجحت في جذب العراق (بنسبة كبيرة). وكان القلق الخارجي والداخلي كافياً في تحييد الأردن (ولو بنسبة قليلة)، بينما غرق لبنان في تداعيات الحرب السورية حتى صار يدفع الثمن غالياً، وقد يدفعه أكثر إذا ما طال أمد الحرب.
في أوج محاولات خنق إيران وسوريا بالسلاح هنا والاقتصاد هناك، اهتز الوضع الأمني في 3 دول هي السعودية والبحرين وتركيا. اهتز الوضع السياسي في الأردن. رفع رجل الاستخبارات الأول في الإمارات الصوت عالياً ضد «الإخوان المسلمين». نصحت بعض دوائر القرار دولاً خليجية بالتروي في توسيع قاعدة «الإخوان المسلمين» إلى دول أخرى.
ازداد القلق من التمدد الإيراني في اليمن عند تخوم السعودية. تمدد الدعم الإيراني من الحوثيين إلى الجنوب.
في هذا الخضم اغتيل وسام الحسن وجرت تغييرات استخباراتية في السعودية ووصل الرصاص إلى مقر رئاسة الحكومة التركية.
هل في الأمر ثمار لصراع الأجهزة؟ ربما، لكن الأكيد أن الوضع الأمني في المنطقة على شفير الحرب. لا أحد يجرؤ على الضغط على الزناد، والأمور ما عادت تحتمل أكثر. من الصعب تصور إيران ساكتة طويلاً على خنقها اقتصادياً، ومن الأصعب انتظار وصول صواريخ مضادة للطائرات إلى أيدي المسلحين السوريين. وبين هذا وذاك لم تعد مسألة تمدد الحركة السلفية الجهادية من العراق إلى سوريا فشمال لبنان مروراً بالأردن وصولاً إلى سيناء المصرية أمراً مريحاً للغرب القلق على مصالحه وعلى إسرائيل.
لا بد من حرب أو صفقة. الاحتمالان واردان أكثر من أي وقت مضى خصوصاً بعد أن اختارت أميركا رئيسها الجديد. لا أحد يستطيع خسارة معركة المحاور، لأن من يخسر قد يخسر كل شيء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.