مخطط التآمر على سورية وصل إلى ذروته.. فماذا بعد؟

صحيفة الوطن السورية ـ
محمد سعيد إبراهيم:
لقد مضى على الحرب الكونية المعلنة على سورية من دول الشر والبغي في العالم بزعامة الولايات المتحدة الأميركية زهاء الثمانية عشر شهراً دون توقف أو هوادة، بل تتعاظم وتشتد وتعد سيناريوهات جديدة في كل مرحلة بعد إخفاق سابقتها وسورية صامدة شامخة بشعبها وجيشها وقيادتها لا تلين ولا تيئس. كان الهدف المرسوم منذ بداية الحراك الذي شهدته سورية في آذار من العام الفائت هو إسقاط الدولة السورية كلياً وإخراجها من المعادلة السياسية والعسكرية في المنطقة. فكانت البدايات بالعمل على تنظيم مظاهرات شعبية في جميع المناطق السورية تسعى لإسقاط النظام تحت شعار (سلمية). فباءت تلك المحاولات بالفشل بعد أن تبين للقسم الأكبر ممن خرج للتظاهر بأن مطالبهم التي خرجوا من أجلها قد استجابت الدولة لها وبدأت بمعالجتها وتحقيقها.

وبعد أن انكشف المستور انتقل المتآمرون إلى أعمال العنف المسلح وبدأت أعمال القتل والإبادة والخطف والتخريب تمتد إلى كل جزء من الوطن بأيدي عصابات إجرامية إرهابية مدربة وممولة ومسلحة من الخارج لإيصال سورية إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وعلى التوازي من هذه الحرب القذرة التي يشارك فيها عدد كبير من دول العالم بشكل أو بآخر، كانت أشكال الحرب الأخرى حاضرة وبقوة من حرب دبلوماسية سياسية تشن على سورية من الدول المتآمرة مباشرة أو من خلال منظمات الأمم المتحدة، وحرب إعلامية نفسية من مئات الأقنية الفضائية العالمية بهدف تحطيم الروح المعنوية للشعب السوري، وحرب اقتصادية تفرض على سورية من معظم دول العالم بهدف إنهاكها وتركيعها.
فتصدت سورية الأبية لهذه الحرب الكونية بشعبها وجيشها وقيادتها وبكل ما تملك من مقدرات وإمكانيات لإسقاط هذا المخطط الإجرامي الذي يستهدف سورية سياسياً واجتماعياً وجغرافياً.
لقد فشلوا في كل ما خططوا له، وخلال مراحل هذه الحرب التي مضى عليها أكثر من سنة ونصف السنة، لم تتوان دول الحرب والعدوان بقيادة أميركا من التفكير بالحل الأنجع والأجدى بالنسبة لهم لإنهاء المشكلة في سورية وهي القيام بالحرب المباشرة وتكليف حلف الناتو بتنفيذ هذه المهمة، أو فرض مناطق عازلة في بعض المناطق السورية على غرار ما حصل في ليبيا فقاموا بالتخطيط لذلك وهيؤوا الخطط والسيناريوهات اللازمة. لكنهم وصلوا إلى طريق مسدود يصعب تجاوزه لدرجة الاستحالة وذلك لأسباب عديدة لا يمكن الرهان عليها:
1- قدرة سورية وإمكانياتها في التصدي لأي عمل عسكري ومن أي جهة كانت فهي تملك جيشاً قوياً متمرساً ولديه قوة تسليحية لا يمكن الاستهانة بها برية وبحرية وجوية تحوي أحدث الأسلحة من الصواريخ البرية القريبة والبعيدة، ودفاعات جوية غير مسبوقة وطيراناً حربياً يضاهي معظم طيران دول المنطقة بالكم والنوع، يدعم هذا الجيش شعبا مؤمنا بوطنه وأمته وجاهز للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل ذلك ويمكن للدولة السورية من تجنيد مليون مقاتل إذا اقتضت الضرورة، يقود هذا الجيش والشعب قيادة حكيمة شجاعة مؤمنة باللـه والوطن والشعب على رأسها الرئيس المقاوم بشار الأسد.
2- وقوف كل من روسيا والصين إلى جانب سورية إضافة إلى مجموعة دول (البريكس) في المحافل الدولية وخصوصاً مجلس الأمن واستخدام حق النقض (الفيتو)، إذا دعت الحاجة لذلك وهذا ما حصل فعلاً عندما أراد المعسكر المعادي لسورية إصدار قرارات تسمح بالتدخل العسكري الخارجي بشؤون سورية أو إقامة مناطق عازلة أو ممرات إنسانية حسب زعمهم، ولم تكتف روسيا بذلك بل حذرت من اللجوء إلى أي تدخل في شؤون سورية من خارج الشرعية الدولية، وكذلك الموقف المتخذ من إيران تجاه سورية حيث اعتبرت أن أمنها من أمن سورية ولن تسمح بكسر عمود المقاومة وهذا يعني الكثير لمن يريد أن يفهم.
3- تخوف دول الاستكبار بزعامة أميركا من نتائج أي تدخل عسكري في سورية لأن ذلك قد يشعل المنطقة بأكملها بما فيها إسرائيل، وربما يمتد ليشمل العالم، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها دول حلف الناتو، رغم أن السعودية وقطر مستعدتان لتحمل أعباء هذه الحرب المادية. وكذلك تخوف هذه الدول من شعوبها عندما تتزايد أعداد التوابيت المتوقعة لجنودهم العائدة إلى بلادهم.
إذا لم يفلحوا بكل ما خططوا له في المراحل السابقة فهم عاجزون عن الخروج من هذه البوتقة ويريدون حلاً ولكنهم لن يعترفوا بهزيمتهم مهما كلف الأمر.
واليوم إلى أين وصلت هذه الحرب القذرة وهذا التآمر.. وماذا بعد، إن الخط البياني لهذه المؤامرة قد وصل إلى ذروته وربما يبقى محافظاً على هذه الذروة إلى حين ولكنه حتماً سيبدأ بالهبوط، عندما نعرف ماذا علينا أن نفعل وكيف نستطيع الاستمرار في إدارة هذه الأزمة باقتدار.
اليوم يطل علينا وجه جديد من وجوه السياسة وهو المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي.
فالمفترض أن نتعشم فيه الخير بصفته عربياً ومن الجزائر بلد المليون شهيد ولكني أرى كمراقب أنه بدأ بداية غير مرضية عندما صرح تصريحات غير مقبولة تجاه سورية قبل تسلمه لمهامه وقبل وصوله إلى موقع الحدث فهل اعتمد هذا الأخضر روايات التضليل التي تبثها الجزيرة وأخواتها؟
فإن كان كذلك فلن يبشر مجيئه بالخير وأعتقد أنه سيكون كسابقيه لن يقدم ولن يؤخر في مسار الأحداث طالما بقيت الولايات المتحدة لا تعتمده ولم تسوقه لحل الأزمة في سورية سياسياً.
بل تعتبره ورقة بيدها ربما تستخدمها عند اللزوم وعندما تجد أن الحل الوحيد في سورية أصبح حلاً سياسياً بامتياز ولا شيء غيره.
وعلى النقيض من ذلك نرى ونسمع في الحلف المعادي ارتفاع وتيرة التصعيد من السياسيين الأميركيين والأتراك وتكرار الحديث عن إقامة منطقة عازلة شمال سورية لإيواء المهجرين السوريين وتأمين الحماية لهم من خلال قوة عسكرية غربية تركية، وبالوقت نفسه تعلن بعض الصحف البريطانية والأميركية عن وصول مئات الجنود البريطانيين من الوحدات الخاصة إلى سورية أو على حدودها مع تركيا تتهيأ لعمل عسكري محتمل وبالتحديد حسبما ذكرت تلك الصحف حماية مراكز ومواقع الأسلحة الكيميائية الخاصة بالجيش السوري حسب زعمهم ومنع نقله أو وصوله إلى أيدي جهات أخرى.
إن هذا السيناريو الجديد يحمل في طياته الهستيريا التي أصابتهم في صمود سورية والعجز الذي وقعوا فيه وإفلاسهم من عدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم ولكننا كمراقبين نرى أن أي عمل عسكري أميركي أو بريطاني أو تركي أو أي جهة أخرى سوف يبوء بالفشل من خلال الرد السوري فقط وسيخسر أي من هذه الدول سمعتها وهيبتها في العالم إذا ما أقدمت على مثل هذا الجنون.
لذلك أرى أن كل هذا التهويل هو جعجعة بلا أي طحن، أما ماذا علينا فعله فأنا أرى كمواطن ومن خلال الوقائع على الأرض أنه علينا القيام بالتالي:
– متابعة الحسم العسكري حتى القضاء على تجمعات الإرهابيين والمرتزقة أينما وجدت ومهما بلغت التضحيات. بعد ذلك السعي الحثيث وبكل الأساليب والإمكانات للعمل على حماية الحدود من الجهات الأربعة حيث يتم تشكيل حزام أمن يمنع تسلل المسلحين من الخارج بأي شكل.
– على التوازي من ذلك العمل على تحقيق المصالحة الوطنية بأسرع ما يمكن والسعي لاستقطاب بعض الفئات المسلحة التي تورطت ولا تجد مخرجاً لها ولديها رغبة بالعودة إلى حضن الوطن.
– التواصل مع معارضي الداخل والخارج الوطنيين ممن لم تثبت علاقته بالدعوة إلى التدخل الخارجي ولم يعمل على تسليح المجموعات الإرهابية أو يمدها بالمال والسلاح والعتاد.
– الدعوة إلى حوار وطني يشمل كل الفئات الوطنية بالداخل والخارج يكون حواراً مفتوحاً على كل قضايا الوطن طالما ستكون الكلمة الأخيرة هي للشعب السوري من خلال استفتائه وموافقته.
إضافة لذلك يجب أن ننوه بأن الساحة الدولية الآن مواتية إلى حد كبير بالشروع في تنفيذ هذه الإجراءات وخاصة بعد مؤتمر حركة عدم الانحياز الذي انعقد في طهران.
فربما تتبلور بذلك مبادرة تجاه حل الأزمة في سورية تصب في النهج نفسه الذي ندعو إليه وعندها سيكون ذلك دعماً لسياسة الدولة الذي تنتهجه لتحقيق الحل السياسي الوطني الذي يتمناه كل مواطن شريف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.