هل للأمم المتحدة و1701 شرعية بعد فيتو أميركا القاتل؟
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
منذ ان تشكَّل مجلس الأمن في 14 شباط من العام 1945 وأنيطت به مهمة ما يسمّى حفظ الأمن والسلام في العالم وهو مرتهن بقراراته لنفوذ الأعضاء الخمس الدائمين الذين أعطي لهم الحقّ في تعطيل إصدار أيِّ قرار لا يتماشى مع مصالحهم، هذا المجلس زرع كياناً بدون ايّ وجه حق على أرض فلسطين، وبات منذ العام 1948 مصدر القلق والتنكيل والإجرام وعدم الاستقرار في منطقة ما يسمّى الشرق الأوسط. بل أصبحت انتهاكاته تحظى بغطاء أممي كامل نتيجة لتلطيه خلف الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك «حق «النقض الفيتو وأصبحت مستفردة في رسم السياسات الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وتتصرّف على أنها القطب الأوحد وقراراتها وحدها الناجزة والسائدة ولا ترى في هيئة الأمم المتحدة إلا عاملاً مساعداً لتنفيذ أجنداتها، وإذا ما تعارض ذلك مع رؤيتها تضرب بها عرض الحائط كحال غزو العراق وقانون قيصر وتشجيعها للصهاينة في ضمّ القدس وهضبة الجولان الى كيانهم الغاصب.
السؤال الذي يطرح نفسه حول ماهية الأمم المتحدة؟ وهل انّ ما تدّعيه انّ من أولوياتها الأساسية حفظ الامن والسلام في العالم هو امر حقيقي؟ الحقيقة تقول وبقراءة موضوعية محايدة انها لم تنصف مظلوماً ولا أعطت حقوقاً قط منذ إنشائها بل هي أداة طيّعة يمتطيها ويتلطى بها الأميركي حين تتوافق مع مصالحه ويستغني عنها حين لا يجاريه أعضاؤها ولا ضير عنده في إشهار الفيتو لمنع قرارات إدانة شكلية للكيان الإسرائيلي ولو ارتكب أشنع الجرائم كمجزرتي قانا واجتاح لبنان وفلسطين ولم ينفذ ايّ من قرارات ما يسمّى الشرعية الدولية في الانسحاب من أراضي فلسطين التي احتلها في العام 1967 .
لحقيقة الساطعة تقول انّ هناك دولة تتحكم في مصير الشعوب تحت غطاء «شرعية دولية» مستندة الى ادّعاء منحها إياه منطق القوة والتسلط حول «حقها» في النقض والفيتو. وهذا ما ينزع عن مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي الشرعية وبخاصة بعد الفشل والعجز عن اتخاذ قرار وقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة للمرة الثانية والسبب عينه انه «الفيتو الأميركي القاتل» المشرعن أممياً…
أمم متحدة ومجلس أمن يريان بأمّ العين الانتقائية في تطبيق القوانين وفقاً لهوية الجلاد والضحية، ازدواجية معايير في تصنيف المدنيين وفقاً لسياسات عنصرية تجيش العالم، ومؤسسات إعلامية وأمنية وقضائية خدمة لقضايا وهمية كادّعاءات المعاداة للسامية وغيرها من الفبركات لاعتداءات مزعومة هنا وهناك، بينما في المقلب الآخر تُراق دماء عشرات الألوف بين شهيد وجريح وضحايا تحت الانقاض فيعجز مجلس الأمن الدولي عن وقف المعتدين بل يساهم وفقاً لقوانينه في إعطاء الحق للاستمرار في القتل وارتكاب المجازر عبر فيتو أشهرته الولايات المتحدة الأميركية الشّريك الفِعلي في العدوان وهي التي سارعت اثر عملية طوفان الأقصى الى إرسال آلاف الجنود من المارينز خشية انهيار الكيان الغاصب وإقامت جِسْراً جويّاً لنقل معدات القتل العسكرية بأشكالها المتنوعة اليه لتساهم في كلّ جرائم الحرب التي تمّ ارتكابها سواء كان ذلك بشراً او حجراً أو شجراً، فضلاً عن تهجير مئات الآلاف الذين باتُوا مُشرّدين دُونَ مأوى في غيابِ أبسطِ أُسس الحياة الأوّليّة من استشفاء ودواء، وغذاء وماء، وكهرباء، ووقود، واتّصالات…
في سياق متصل يعزز النقاش عن مدى شرعية القرارات الدولية الصادر عن هيئة أمم يُناط بها مسؤولية ضمان الأمن والسلام في العالم تواتر الحديث عن ضرورة تنفيذ القرار الأممي رقم 1701 كرمى لسلامة مستوطنين يهابون العودة الى مستعمراتهم خشية من رجال المقاومة الإسلامية في وقت لا يحرّك هذا المسمّى مجتمعاً دولياً ساكناً حين يرى الاستباحة الدائمة للأجواء اللبنانية من قبل الطائرات الاسرائيلية الى احتلالها لأجزاء من الأراضي اللبنانية، فضلاً عن ذلك غضّ البصر عن استعماله للأسلحة المحرّمة دولياً ومنها القذائف الفوسفورية والعنقودية التي للمفارقة يتزوّد بها من قبل الولايات المتحدة الأميركية بشكل علني وسافر دون ايّ اهتمام او اكتراث.
بناء على ما تقدّم هل يمكن الحديث بعد اليوم عن شرعية أمم؟ وماذا جنى أطفال غزة من تصريحات أمينها «العام أنطونيو غوتيريش الذي دان «الفيتو الأميركي» الجائر معتبراً انه حالَ دون توقف استمرار المجازر في حقِّ أطفال غزة؟ ومن جهة ثانية ماذا استفاد الفلسطينيون من تنديد لويس شاربونو مدير مكتب الأمم المتحدة في منظمة «هيومن رايتس ووتش» الذي حذر الولايات المتحدة بأنها من خلال الاستمرار في الغطاء الديبلوماسي لإسرائيل تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب؟ وماذا تغيّر في مسار الأحداث حينما وصفت «أنييس كالامار» الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو بالوقاحة وهل صدمة «منظمة أطباء بلا حدود» حول استخدام الولايات المتحدة الفيتو القاتل يعيد الأطفال وللمستشفيات المستباحة في غزة حمايتها وحصانتها؟ الجواب واضح وجلي انه كلام إنشائي لا طائل منه ولا يجنى الا السراب…
وقائع ومتغيرّات أفرزتها عملية طوفان الأقصى نتجت منها معادلات جديدة نتيجة لسقوط المنظومة الأخلاقية والحقوفية الغربية التي لطالما تلطى خلفها ما يسمّى المجتمع الدولي الذي حينما عجز عن منع إبادة الأطفال والمدنيين سقط وسقطت معه شرعية القرارات الأممية التي باتت حصان طروادة يمتطيه الأميركيون خدمة للصهاينة ومشاريعهم الاستعمارية.
يبقى الرهان الأول والأخير على بناء القدرة وتعزيز مكامن القوة لأن العالم لا يحترم إلا الأقوياء…