آسيا الوسطى: جبهة الصراع الجديدة بين الشرق والغرب

موقع العهد الإخباري-

حيّان نيّوف:

شكّلت آسيا الوسطى واحدًا من أهم المحاور الرئيسية للسياسات الدولية في الفترة الأخيرة في ظلّ الصراع والتنافس الذي يشهده العالم بين القوى العظمى والمخاض العسير لولادة عالم جديد يسعى فيه الغرب بقيادة الولايات المتحدة لاستمرار الهيمنة، بينما تسعى دول الشرق لتغيير شكله إلى عالم متعدد الأقطاب.

• الموقع الجغرافي

يعبّر مصطلح آسيا الوسطى عن جغرافيا تتشارك فيها خمس دول هي كازخستان، أوزباكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، وبمساحة إجمالية تقارب 4 ملايين كيلومتر مربع، تمتد بين الصين ومنغوليا شرقًا، وروسيا شمالًا، وايران في الجنوب الشرقي، وأفغانستان جنوبًا وغربًا إلى بحر قزوين الذي يفصلها عن جنوب القوقاز.

• الأهمية الجيوبوليتيكية

تشكّل آسيا الوسطى فضاءً شاسعًا بين قوتين عظميين هما روسيا والصين، وحديقة خلفية لكلٍ منهما تتداخل فيها الجغرافيا والديمغرافيا. كما شكّلت آسيا الوسطى ممرًا رئيسيًا لطريق الحرير القديم، واليوم فإنها تعتبر الممر الرئيسي لمشروع الحزام والطريق الصيني الذي يمتد من الصين شرقًا الى أوروبا غربًا. كما أنها تعتبر مجالًا حيويًا لطرق التجارة الجديدة الممتدة من بحر الصين الى البلطيق في ظل البحث عن ممرات بديلة لسلاسل التوريد خاصة بعد العقوبات الغربية التي طالت روسيا وايران وحتى الصين.

• التوجه والتشبيك

تتنافس القوى العظمى والإقليمية على التشبيك مع دول آسيا الوسطى وخاصة في ظل ما يشهده العالم من تمحورات جديدة وحثيثة لتشكيل نظام عالمي جديد.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا وكذلك الهند وإيران وتركيا، ومؤخرًا دول الخليج، جميع تلك القوى أدركت أهمية تلك المنطقة بشكل مبكر أو متأخر، وسعت للتشبيك مع دولها ومحاولة بناء تكتلات اقتصادية أو سياسية معها.

أميركيًّا، بدأ التدخل منذ حرب أفغانستان والاحتلال الأميركي لهذا البلد، والذي جعل دول آسيا الوسطى تحت ضغط الولايات المتحدة خوفًا من تبعات القوى الراديكالية المنتشرة في أفغانستان وباكستان، وكل ذلك قبل الانسحاب الأميركي المفاجئ وسيطرة “طالبان”، وهو الأمر الذي فسّر على أنه يرمي لإعادة خلق بؤرة توتر جديدة في المنطقة تهدف لتصدير التطرف وافتعال الأزمات في المحيط تمهيدًا لإعادة التدخل.

روسيًّا، شكلت دول آسيا الوسطى جزءًا من الاتحاد السوفياتي السابق قبل أن يتفكك، وتربطها علاقات تاريخية مع روسيا الاتحادية. ويشكل الروس القومية الثانية في تلك الدول بالإضافة إلى القومية الأوكرانية، وتعتبر اللغة الروسية هي اللغة الثانية في دول آسيا الوسطى، كما وتوجد قواعد عسكرية روسية وعلاقات أمنية وعسكرية عميقة مع دول آسيا الوسطى، وهناك دولتان من دول آسيا الوسطى هما (كازخستان وقرغيزستان) عضوان في الاتحاد الاوراسي الى جانب روسيا وبيلاروسيا.

إيرانيًّا؛ بالإضافة إلى القرب الجغرافي فإن إيران تشكل ممرًا لدول آسيا الوسطى إلى بحر العرب والخليج والمحيط الهندي، ومؤخرًا تسعى إيران إلى تطوير ممر شمال جنوب الإستراتيجي عبر خطين، الأول يمر عبر تركمانستان والثاني يربط آسيا الوسطى بدول الخليج.

تركيًّا؛ تسعى تركيا إلى احياء ما بات يعرف بالعالم التركي، والذي يضم الدول التي تنحدر شعوبها من أصول تركمانية، وتعتبر شعوب دول آسيا الوسطى بمعظمها من بين تلك الدول، ولأجل ذلك عملت تركيا على تشكيل منظمة الدول التركية التي تضم الى جانبها دول آسيا الوسطى وأذربيجان، كما وتسعى تركيا لتكون حلقة الوصل بين دول آسيا الوسطى وأوروبا.

خليجيًّا؛ برز الاهتمام الخليجي مؤخرًا بدول آسيا الوسطى، وخاصة من قبل السعودية وقطر، ولا يمكن الجزم إن كان تحرك دول الخليج باتجاه تلك المنطقة قد جاء بدفع أميركي أو أنه نابع عن خيارات ذاتية، والمعروف أن السعودية وقطر لعبتا في السابق وما زالتا دورًا مهما في الساحة الأفغانية.

• إلى أين وصل التنافس؟

شكّل الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان ضربة كبيرة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، قبل أن يتبع الانسحاب محاولة انقلاب في كازخستان “الدولة الأكبر في آسيا الوسطى” حيث سارعت روسيا إلى التدخل عسكريا في حينها وحسم الموقف وإفشال الانقلاب، حيث تعتقد روسيا أن تلك المحاولة لم تكن بعيدة عن العبث الامريكي في حديقتها الجنوبية الشرقية وخاصة قبيل الحرب الأوكرانية وخلالها.

في القمة الصينية الروسية التي عقدت منذ عدة أشهر بين الرئيسين بوتين وجينبينغ، حرص الزعيمان على التأكيد على أهمية آسيا الوسطى ومقاومة الثورات الملونة التي يدعمها الغرب لإسقاط الأنظمة. وفي قمة الدول الصناعية السبع في هيروشيما اليابانية جرى أيضًا التأكيد على أهمية منطقة آسيا الوسطى، وتم إيفاد الرئيس الفرنسي ماكرون الى “منغوليا” المحاذية شرقًا للمنطقة حاملًا معه ما قال عنه إنه “مشتركات الديمقراطية والليبرالية”.

وبالتزامن مع قمة هيروشيما كان الرئيس الصيني يعقد قمة مع زعماء دول آسيا الوسطى الخمس في الصين طارحًا مبادئ الشراكة والاقتصاد. أما إيران فقد أعلنت مؤخرًا عن مشاريع عدة مع دول المنطقة، منها ما هو متعلق بالممرات والعبور، وأخرى متعلقة بإنشاء مركز إقليمي للغاز الى جانب تركمانستان وقطر على شواطئ الخليج.
وفي زيارة بلينكن الأخيرة للسعودية جاء الطرفان على ذكر أهمية آسيا الوسطى وهو ما يؤكد التنسيق بينهما في ذلك الإقليم، أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد كان الأكثر وضوحًا بقوله “إن الولايات المتحدة تسعى لفتح جبهة ثانية ضد روسيا في آسيا الوسطى”.

بالمحصلة، وانطلاقًا من كل ما سبق فإنه يمكن الجزم بأن منطقة آسيا الوسطى ستشكل ساحة الصراع والتناقس الرئيسية المقبلة بين الشرق والغرب، وأن الفوز بتلك المنطقة سيكون متوقفًا على طبيعة تمحور المتنافسين واصطفافهم قبل التفكير بمن سيفوز منهم بهذا الكنز الآسيوي.

أخيرًا؛ فإنه لا بد من التذكير بأن استراتيجية الإدارة الأمريكية تقوم على تطويق أوراسيا انطلاقًا من البلطيق وشرق أوروبا إلى البحر المتوسط والأحمر والمحيط الهندي والهادئ، ثم الانتقال الى تفجيرها من الداخل، وهذا التفجير هو ما أكد عليه المنظر والمفكر الأمريكي زبغينو بريجنسكي في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” واعتبره شرطًا لازمًا للتدخل واستمرار الهيمنة الأمريكية على العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.