آفاق التقارب الصيني ـ السعودي

جريدة البناء اللبنانية-

بتول قصير:

اتجهت الأنظار للعاصمة السعودية الرياض التي استضافت 3 قمم، صينية سعودية، وصينية خليجية، وصينية عربية. مكتسبة أهمية كبيرة إذ تنعقد في ظروف إقليمية ودولية بالغة الحساسية.
في وقت يبدو فيه انّ الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص قد أدركت أنّ القبول بسياسة القطب الواحد لم يعد ممكناً، لا سيما بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية منذ نحو عام تقريباً، ما دفع بهذه الدول الى اعتماد خطة الاتجاه نحو الشرق لإعادة تموضع ‏يحقق لها مكاسب سياسية واقتصادية جمة.
فخلال السنوات الـ 20 الأخيرة برزت الصين، كقوة اقتصادية عالمية لا يمكن تجاهلها، بحيث يعدّ اقتصادها حالیّاً أكبر اقتصاد في العالم من ناحیة القوة الشرائیة، والثاني بعد الولایات المتحدة من حیث القیمة السوقیة. فالصعود المبهر للتنين الصيني مؤخراً، جعل منه مصدر إلهام لكثير من الدول، ومبعثاً للقلق لدول أخرى في آن، خاصة للولايات المتحدة الأميركية المتفرّدة بالهيمنة الأحادية.
أما في ما يخص الدول العربية فالأمر مختلف تماماً، فقد بات جليّاً أنّ صانعي القرار في معظم العواصم العربية ينظرون بعين الواقعية للنمو التصاعدي للصين، ما قد يجعل منها القوة العظمى الأولى في المستقبل؛ وبالتالي الحاجة الملحة لنسج علاقات استراتيجية مع هذه القوة الصاعدة. ومنذ أن طرحت بكين مبادرة الحزام والطريق كأضخم مشروع استراتيجي في التاريخ عام 2013، فقد انضمّت الدول العربية جميعاً إلى هذه المبادرة باستثناء الأردن وفلسطين.
وعليه فإنّ زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للمملكة العربية السعودية، لحضور القمة العربية الصينية، تأتي كـ تتويج لما تشهده العلاقات بين الجانبين من تنامي وتعاوناً كبيراً وتنسيقاً واضحاً، وانخراط جميع الدول العربية تقريباً في مبادرة «الحزام والطريق». ومما لا شك فيه أنّ هذه القمم الثلاث، تعدّ الأولى من نوعها في التاريخ الصيني الخليجي العربي المعاصر، من حيث ضخامة الحدث والشراكة، والتي تمثل علامة في مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين كافة الأطراف المشاركة فيها، إذ تعقد القمة الأولى بين الرئيس الصيني وملك السعودية، والثانية مع ملوك وأمراء الخليج العربي، والقمة الثالثة مع رؤساء وقادة الدول العربية. ما يدلّ على حالة التموضع الجيوسياسي لدول الخليج والدول العربية التي تقع في قلب العالم من جهة، وما للصين من مصالح تكمن في الحفاظ على علاقات قوية مع هذا التكتل الدولي لإنجاح مبادرة (طريق الحرير الصينية)، نظراً لامتلاك الدول العربية والخليجية أهمية جيوسياسية من المبادرة، لعدة عوامل والمتمثلة بالقارة الأفريقية وإطلالها على البحر الأحمر، والبحر المتوسط وقناة السويس، بالإضافة إلى حوض الخليج العربي.
وتبعاً للتطورات التي شهدتها الساحة الدولية، منذ جائحة كورونا، وبعيد الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وصولاً الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتداعيتها دولياً، وتصاعد حدة التوترات بين بكين وواشنطن، في ظلّ سعي الأخيرة لاحتواء الصين بوصفها العدو الإستراتيجي للولايات المتحدة. فإنّ القمة تأتي لترسيخ التعاون الاقتصادي والتنموي العربي الصيني، فاتحة لآفاق تنموية كبيرة في ظلّ الظروف والأزمات الراهنة، من ناحية أخرى هي بمثابة حث الأطراف لبذل المزيد من الجهود لرسم استراتيجية تعاونية تؤسّس لمستقبل جديد للعلاقات العربية الصينية، مما سيساهم في صناعة المستقبل الدولي الجديد بأقطاب متعدّدة، وبنظام دولي جديد يتأسّس على قيم الحرية والعدالة، بعدما عجز النظام الدولي القائم الآن الذي تهيمن عليه أميركا والغرب عن تأسيس ركائزه.
ولأنّ الدول العربية هي أرضية خصبة للسوق الاستهلاكية، فإنّ ذلك سيكون بمثابة المشجع الأول للصين للاستثمار وهذا ما ترنو اليه بكين من خلال القمم الثلاث التي ستعقد، كـ الحصول على عقود في مجال الطاقة طويلة الأجل كي لا تتأثر بالمتغيّرات السياسية الدولية المستجدة. أضف إلى ذلك فإنّ بكين تسعى بناء على تجربتها في تنفيذ المشاريع الخاصة بمونديال قطر 2022 وما حققته من نجاح فيها، الى الاستثمار اللامحدود بمشاريع البنية التحتية، مما سيسهّل عملية التوسع في مشروع الحزام والطريق الذي تبني الصين آمالاً كبيرة عليه. إضافة الى محاولة الرئيس الصيني السعي لإيجاد حلّ لبعض قضايا المنطقة على أكثر من مستوى في ما يخص علاقة المملكة بإيران الحليف الاستراتيجي للصين، والتوسط لحلّ أزمتي اليمن وسورية (الأمر الذي سيعزز موقف الصين اقتصادياً في عملية إعمار الدول المنكوبة).
ختاماً، من المرجح أن تكون القمة العربية الصينية الحالية نقطة تحوّل كبيرة في العلاقات في ما بينهما، بما يرتقي بمستوى العلاقات المتبادلة، ويعزز التعاون في مختلف المجالات، هي تحقيق تنمية حقيقية في المنطقة العربية من خلال توسيع الاستثمارات الصناعية والزراعية، وتوطين التكنولوجيا والتعاون العلمي لتحقيق طفرات تنموية اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية حقيقية بما يحقق المنافع المتبادلة والفوز المشترك، مع العلم انّ هذا التقارب لا يمكن أن يؤثر على شراكات المملكة بالولايات المتحدة الأميركية أو الدول الغربية، حتى وانْ كانت المواقف المتتالية من الإدارة الأميركية خلقت فجوة وجفاء بينها وبين الدول الخليجية. ما يعني حرص الدول الخليجية والعربية على خلق حالة من التنويع في الاقتصاد، وزيادة الاستثمارات مما سيحقق رؤية المملكة 2030.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.