أفريقيا الشابة بحاجة إلى روسيا.. لكن كيف؟

موقع قناة الميادين:

أقاموا في جمهورية أفريقيا الوسطى نصباً تذكارياً للجنود الروس وقوات فاغنر. وبطبيعة الحال، ترغب الدول الأفريقية في الحصول على ضمانات على أعلى المستويات بأن روسيا (حتى بمساعدة أداة فاغنر) ستستمر في توفير الأمن للأفارقة.

أفريقيا نموذج مصغر للعالم، وهي اليوم تشهد صحوة أخرى. لماذا تصدّر الانقلاب في النيجر الأخبار العالمية؟ ماذا يعني بالنسبة إلى فرنسا؟ ماذا تريد “أفريقيا الشابة”؟ هل هي بحاجة إلى روسيا؟

يجيب عن هذه الأسئلة، في مقابلة تلفزيونية، رئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية” ومدير البحث العلمي في نادي فالداي الدولي للحوار فيودور لوكيانوف. المقابلة تحت عنوان “الصحوة الأفريقية” على شاشة قناة “روسيا 24″، ضمن برنامج “المراجعة الدولية”، لمقدمه الباحث في مركز مسائل التطوير والتحديث التابع لمعهد بريماكوف القومي لبحوث الاقتصاد الدولي سيرغي كرامايف.

فيما يلي نص المقابلة منقولاً إلى العربية:

– بدا لي أن الضجيج حول ما حدث في النيجر يفوق ما يحدث عادة في مثل هذه الحالات. ما سبب اهتمام الجميع؟

– هناك بالطبع أسباب كثيرة. أولاً: كانت النيجر تعتبر حليفاً موثوقاً للغرب حتى حدوث الانقلاب. إذا نظرت إلى الصحافة عامي 2021 و2022، فستجد إشادة مستمرة بالنيجر من الغرب. ومن الطبيعي أنه عند تغير الوضع، لم يمتدح الغرب من حل محلهم. ثانياً: يوجد مشروع مدّ خط أنابيب الغاز عبر الصحراء من نيجيريا إلى الجزائر ثم إلى أوروبا، وتقع النيجر بين نيجيريا والجزائر، ويعتمد عليها مصير تدفق الغاز الذي تحتاج إليه أوروبا. ثالثاً: توجد قاعدة تابعة للقوات الجوية الأميركية في النيجر، وهي ليست كبيرة جداً، لكنها موقع انطلاق للطائرات المسيرة، ولكن مع ذلك، يوجد نحو ألف مقاتل أميركي هناك. ومن الواضح أن أميركا تشعر بالقلق.

عام 2021، قال سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة صراحةً إن النيجر هي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. من الطبيعي أن يكون رد فعل الولايات المتحدة على الانقلاب في النيجر ملائماً لهذه التصريحات. النقطة التالية هي أن الموقع الجغرافي للنيجر مهم للغاية من وجهة نظر القضايا الأمنية في المنطقة. ليس سراً أن الجماعات الجهادية تعمل بشكل مستمر في غرب أفريقيا، وما يحدث في النيجر يؤثر بشكل مباشر في كيفية تطور الوضع في نيجيريا وتشاد وبوركينا فاسو وغيرها من البلدان المجاورة. وهكذا أصبحت النيجر فجأة نقطة محورية.

– أعلن أكثر من طرف أنه مستعد لبذل كل الجهود، كما يبدو، لكن لا يريد أحد التورط في النيجر، لأن النتيجة غير واضحة. هل تعتقد أن الرغبة في إظهار القوة ستتفوق؟

– من الصعب الإجابة. لا أريد التخمين الآن. في الحقيقة، على مدى العقدين الماضيين، فقدت العديد من البلدان الرغبة في التورط عبر التدخل العسكري النشط، لأن كل شيء يبدأ صغيراً مع قوات الشرطة أو عبر عملية حفظ السلام، وينتهي بحرب واسعة النطاق.

الحرب هي إنفاق هائل للموارد والمال والناس والقوى العاملة وكل شيء آخر لأهداف غير واضحة تماماً. لو كانت هناك ضمانة بأن التدخل سيكون عبر ألف مقاتل، ويتم ترتيب كل شيء بسرعة ويغادرون، بالطبع، في هذه الحال سيتدخل الجميع، ولكن عندما يكون الوضع غير واضح ويتغير كل يوم، إن لم يكن كل ساعة، فلا يمكن الاعتماد على التدخل العسكري المباشر. هناك طرق أخرى، منها على سبيل المثال القمع الاقتصادي، أي ببساطة حصار البلاد اقتصادياً. هذا الخيار يمكن أن يكون أكثر فعالية لهم.

– ماذا عن الحديث الذي يسمع في فرنسا نفسها عن أنها تفقد نفوذها؟ هل يخيفون أنفسهم أم أننا فعلاً نشهد ذلك؟

– لا توجد انهيارات مفاجئة، بل تراكمية، وهذا ما يحدث مع فرنسا. انطلاقاً من نظرة اقتصادية بحتة، في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حظيت فرنسا بنحو 10% من مجمل التجارة الأفريقية. أما الآن، فنصيبها أقل من 5%، في حين لدى الصين 17% من حجم هذه التجارة.

الأرقام تتحدث عن ذاتها. بصرف النظر عن مدى صعوبة محاولة ماكرون إثبات العكس، لا يزال الفرنسيون يحافظون على موقف أبوي تجاه أفريقيا، كما لو أن الأفارقة يافعون ويحتاجون إلى الرعاية. ولأنهم يحتاجون إلى الرعاية، يقول الفرنسيون إنهم سيبقون. لقد اعتادت فرنسا النظام الحالي، فهي تحصل على الموارد الأفريقية بأسعار زهيدة، وتبيع البضائع لأفريقيا. وبفضل هذا، تشعر بالهدوء، لكن الأفارقة لا يحبون ذلك.

ويجب ألا ننسى أن أفريقيا قارة شابة وحيوية للغاية ومليئة بالشباب، والجيل الشاب يتفاعل مع مثل هذه الأمور بشكل أكثر حدة من كبار السن. الشباب يريدون التغيير، ويرون أن الأمور لا تناسبهم، وبالطبع سوف يحتجون. لم يبدأ الأمر بالأمس، ولا يمكن القول أيضاً إنه كان مفاجئاً. ولا يمكن حل المشكلة دفعة واحدة، لكن الناس يريدون التغيير، الآن وعلى الفور، ويقول الجيش: “نحن موجودون وسنستعيد النظام”.

لذلك، أقول إن الثورات لم تنتهِ، بل لن تزول. سيقل عددها بالطبع، لكنها ستستمر في التفاعل. الغربيون سيبقون في أفريقيا حتى يتم التحول الذي يضمن بعض الاستقرار، وستستمر الانقلابات.

– لماذا كان رد فعل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على هذا النحو؟ لماذا انزعجوا وبدؤوا فجأة بهز قبضاتهم؟

– المسألة الأفريقية حساسة. قبل الانقلابات الأخيرة، على سبيل المثال، هناك ما حدث في زيمبابوي. لا أعتقد أن انقلاباً حدث هناك، ولكن كانت هناك مشاركة نشطة للجيش، فقد جرت الاستعدادات الدبلوماسية في الكواليس. وأوضح الانقلابيون: “أيها الرفاق الأعزاء، قد يكون لدينا تغيير طفيف في السلطة هنا، فلا تتفاعلوا كثيراً”، فقيل لهم: “نعم، حسناً، لقد أخذنا علماً”.

أما الانقلاب في النيجر، فكان بمنزلة صاعقة مفاجئة بالنسبة إلى الجميع، سواء بالنسبة إلى فرنسا أو أفريقيا. وبطبيعة الحال، رد الفعل الأول هو: “كيف يمكن أن يكون؟ لماذا حدث؟”.

النقطة الثانية هي أن الانقلاب في النيجر تسبب برد الفعل هذا بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مرتبكة إلى حد ما ولا تعرف ببساطة ما الذي يجب عليها أن تفعله. والآن، تجري مفاوضات هادئة خلف الكواليس، كما يحدث في الشؤون الدبلوماسية، ومعظمها سري. وتحاول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التوصل إلى كيفية بناء علاقات مع الحكومة الجديدة.

وفي أفريقيا، يعتبر الانقلاب ناجحاً إذا استمرت الحكومة الجديدة أكثر من أسبوع. لقد استمروا بالفعل أكثر من شهر بقليل، ما يعني أننا بحاجة إلى بناء علاقات معها بطريقة أو بأخرى. لم يكن من الممكن إخضاعها بقوة السلاح. لذلك، كان عليهم بحاجة إلى صياغة جدول أعمال وتحديد كيفية التصرف.

– يُعتقد أن الشركات العسكرية الخاصة لدينا (وفاغنر وأمثالها) هي التي تملأ الفراغ هناك. ما دورها الفعلي؟ هل نبالغ؟ لقد سمعت آراء مختلفة من الأفارقة، ويعتقد البعض أن فاغنر، على وجه الخصوص، أدت دوراً سلبياً في تشكيل صورتنا في أفريقيا.

– لنقل فقط أنه لا توجد إجابة واضحة هنا. في البداية، ما هي شركة فاغنر؟ ما طبيعتها؟ على مستوى القيادة السياسية لدينا، لم يصرح أحد أن شركة فاغنر تعمل في أفريقيا. يقولون ببساطة: “نحن نقدم المساعدة بالطريقة المناسبة”، إلا أن فاغنر تعمل بنجاح في جمهورية أفريقيا الوسطى، لكنها، على سبيل المثال، لم تتمكن من العمل في موزمبيق.

عندنا، يفضلون عدم تذكر الأمر. لقد وصل مقاتلو فاغنر إلى موزمبيق في الوقت المناسب، وفشلوا في القيام بالمهمة، وغادروا بعد شهرين. لذلك، لا أستطيع أن أقول إن هذا عامل خطر في جميع أنحاء أفريقيا. وبطبيعة الحال، في أفريقيا الوسطى يؤدون دورهم، ولكن لا ننسى أن الشركات العسكرية الخاصة هي أداة وفاعل، لكنها ليست دولة تأتي بمعاهدات واتفاقيات مبرمة وما إلى ذلك. بادئ ذي بدء، الشركة مشروع تجاري. كقاعدة عامة، تحمي الشركات العسكرية الخاصة بعض الأعمال، وتتلقى بالطبع أرباحاً. والأعمال التجارية بسيطة للغاية، ما دامت مربحة فهي تؤديها. وبمجرد اختفاء المنفعة، تغادر.

تحدث التشابكات المعقدة هنا على مستويات مختلفة. على مستوى الدولة وعلى المستوى الخاص. عندما نقول “حكومة جمهورية ما”، فإننا ندرك ضمنياً أنه قد يكون هناك لاعبون مختلفون في الحكومة لديهم مصالحهم الخاصة. من الصعب بالنسبة إليّ أن أقول أي شيء محدد عن فاغنر، لأنني أعتقد أنهم في فاغنر الآن لا يعرفون أو يفهمون حقاً كيفية التصرف. بالطبع، ستستمر المساعدة الروسية لأفريقيا، لأن العقود هناك طويلة الأجل، وستبقى فاغنر بالتأكيد بشكل أو بآخر، وربما في شكل أكثر تنسيقاً.

ترتبط فاغنر بروسيا، حتى إنهم أقاموا في جمهورية أفريقيا الوسطى نصباً تذكارياً لجنودنا. بطبيعة الحال، ترغب الدول الأفريقية في الحصول على ضمانات على أعلى المستويات بأن روسيا (حتى بمساعدة أداة فاغنر) ستستمر في توفير الأمن للأفارقة. إنهم يرغبون في ذلك، والطلب مرتفع.

– هل أفريقيا بحاجة إلى روسيا؟

– بالطبع، إنهم بحاجة إلينا. السؤال هو: في أي مجال؟ وكيف؟

يوجد في أفريقيا طلب كبير جداً على قطاعات مختلفة. على سبيل المثال، الطاقة. مشكلة إمدادات الطاقة في أفريقيا متفاقمة للغاية. وإذا تمكنا من الذهاب إلى هناك وعرضنا تزويدهم بالطاقة، فإن الأفارقة سيرحبون بنا. لكن هناك مشكلات تتعلق بكيفية ضمان ذلك: هل عبر بناء محطات الطاقة النووية؟ على حد علمي، لدينا مشروع مع مصر وآخر مع جنوب أفريقيا. نحن بحاجة إلى توفير الأمن، وهذا لا ينطبق فقط على وجود الشركات العسكرية الخاصة، ولكن أيضاً على توفر الأسلحة وتدريب المتخصصين.

نحن بحاجة إلى تطوير التعاون في قطاع الطبابة، لأن أفريقيا فيها الكثير من الأمراض الاستوائية، وهناك مشكلات الصرف الصحي، وما إلى ذلك. إذا جئنا وقلنا: “لدينا أطباء رائعون سيساعدون في علاج الملاريا”. بالطبع، سيستقبلوننا بأذرع مفتوحة في أفريقيا، لكن لدينا مشكلة كبيرة في تدريب الموظفين. لا يوجد الكثير من الأفارقة في روسيا اليوم. لدينا “معهد الدراسات الأفريقية” ومعاهد أخرى وباحثون أفراد، ولكن بشكل عام، مقارنة بالاتحاد السوفياتي، فإن هذا كله يمثل قطرة في محيط.

بالطبع، في الطب والأطباء، ليس لدينا الكثير من المتخصصين في أمراض المناطق المدارية، لذا ينصح بتدريبهم. ليس الأطباء فحسب، بل يجب توفير البنية التحتية أيضاً. لا يمكنك أن تأتي بحقيبة سفر وتفتح مركزاً طبياً في قرية. نحن بحاجة إلى المختبر وإلى المواد والموظفين. وحتى فيما يتعلق بمجرد التدريب والتبادل. نعم، زاد عدد الطلاب الأفارقة في جامعاتنا، لكن هذا لا يكفي. وهكذا الأمر في جميع المجالات.

النقطة الأساسية هنا هي أن روسيا لا تستطيع حتى الآن صياغة ما الذي تريد بوضوح، لأن لدينا هياكل مختلفة تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة. وزارة الخارجية لها أهدافها، ووزارة الصناعة والتجارة لها أهدافها، ووزارة التربية والتعليم لها أهدافها. إنها لا تتطابق دائماً ولا تتقاطع دائماً. إذا ما دمجت هذه الأهداف بطريقة أو بأخرى في تيار مشترك، فسنحقق حضوراً جيداً في أفريقيا بالطبع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.