أوتوسترادات لبنان: موت متجول

otestrad - lebanone

صحيفة السفير اللبنانية –

زينب ياغي :

هل تعلم بأن الممارسات الأكثر عنفاً لدى الشباب في لبنان هي حوادث الصدم والاصطدام بالسيارات على الأوتوسترادات؟ ذلك ما توصل إليه عميد كرسي اختصاص السلامة المرورية في “جامعة القديس يوسف” الدكتور رمزي سلامة، خلال دراسة أجراها في العام 2010، واستند فيها إلى الإحصاءات التي تجريها القوى الأمنية لجميع أنواع الحوادث في لبنان سنوياً.

وقد تفوّقت تلك الحوادث على نسب السرقات، وتعاطي المخدرات وجرائم القتل والدعارة. وفاق عدد ضحاياها أعداد ضحايا المتفجرات وجرائم القتل والسرقات مجتمعة. وللتأكيد مجدداً، فقد وصل عدد ضحايا حوادث السير في العام 2013 إلى ستمئة قتيل، استناداً إلى إحصاء غير نهائي صادر عن قوى الأمن الداخلي، بينما تفيد “منظمة الصحة العالمية” بأن عدد الضحايا قد يصل إلى تسعمئة قتيل، لأن نظام رصد الضحايا لدى قوى الأمن الداخلي غير دقيق، فهي لا تتابع وضع الجرحى الذين يدخلون المستشفيات ومنهم من يتوفى في ما بعد، بالإضافة إلى حوادث تحصل في القرى ولا يتم التبليغ عنها. وبسبب عدم دقة الإحصاءات الرسمية، تقوم “منظمة الصحة العالمية” بزيادة العدد سنوياً بين عشرة وخمسة عشر في المئة.

واستناداً إلى الدكتور سلامة، هناك أربعمئة ألف سيارة، من أصل مليون وأربعمئة ألف سيارة، لا تخضع للمعاينة الميكانيكية. وقد تكون هي الأكثر حاجة الى المعاينة. بينما في دولة مثل كندا هناك وفاة واحدة بين كل سبعين إصابة، لأن جميع السيارات مجهزة بأحزمة الأمان، والوسادات الهوائية الأمامية والجانبية، وجهاز “أ بي أس” الذي يساعد السائق على الفرملة. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تكون جميع السيارات حديثة وتخضع للمعاينة الميكانيكية.

تداخل

يسمي المختصون الحوادث بالموت المتجول، لأن السير في لبنان يفتقد ثلاثة شروط رئيسية هي: الحصول على إجازة قيادة من دون معرفة قانون السير، عدم توافر الأمان في العديد من السيارات، وعدم سلامة الطرق الرئيسية.

وتعتبر مشاكل الطرق الأبرز في التسبب بحوادث السير. وتبدأ تلك المشاكل من لحظة التصميم التي تغيب فيها مراعاة السلامة المرورية، وهي تشمل: نوعية المواد المستخدمة في تعبيد الطرق، عدم وجود إشارات للسير على امتداد شبكات المواصلات، غياب الصيانة أو نقصانها، وجود الأماكن السكنية في محاذاة الطرق السريعة، وعدم وجود مواقف خاصة للنقل العام، فيصعد الراكب من أي مكان، يضاف إليها ورش العمل التي تفتقد إرشادات تتعلق بالسلامة المرورية.

تبعا لذلك، تزيد النقاط السوادء على الطرق بدلا من أن تنقص مع الأسف. وتسمى عالمياً بالنقاط السوداء، نظراً لتكرار حوادث السير عليها، وما تؤدي إليه من قتلى.
ويقول رئيس قسم الإعلام في هيئة إدارة السير النقيب ميشال مطران إن الحوادث تتكرر في أماكن ثلاثة رئيسية هي:

الأوتوسترادات التي تربط العاصمة بالضواحي، مثل أوتوستراد ظهر البيدر- بيروت، الشمال – بيروت، الجنوب – بيروت. فلا توجد عليها ضوابط لجهة السرعة، ولا حواجز هندسية لتهدئة المرور، عند المداخل والمخارج.

التقاطعات التي تربط الضواحي بالعاصمة، لأن السيارات تكون مسرعة، ثم تدخل فجأة إلى المدينة، فتضطر إلى التخفيف من السرعة، مثل ما يحصل عند تقاطع مستديرة سامي الصلح – الدورة – الكرنتينا.

الطرق السريعة التي تتلاقى مع الأحياء السكنية والمجمعات التجارية، مثل اوتوستراد رياق وصولاً إلى الهرمل، حيث توجد مداخل ومخارج القرى، ناهيك بوجود قرى يمر الأوتوستراد في منتصفها، بينما لا يوجد على طول الأوتوستراد سوى جسر مشاة واحد: أوتوستراد المنية – الضنية، والمدفون – شكا في الشمال.

بدوره، يرى الدكتور رمزي سلامة أن الكلام لم يعد عن وجود نقاط سوادء، وإنما عن اوتوستراد كامل يمتلئ بالنقاط السوداء، مثل أوتوستراد جل الديب – حالات، حيث تكثر المحال والمداخل والمخارج على جانبي الطريق، بينما وضعت أعمدة الكهرباء عند الفواصل بين الذهاب والإياب، فيمر المشاة بمحاذاتها. وعند أتوستراد المنية – الضنية، حيث تجد السيارات صعوبة في الفصل بين المسربين ذهاباً وإياباً، بسبب قرب التقاطعات إلى بعضها، وندرة وجود المستديرات، باستثناء مستديرة العبدة. لذلك، يقود عدد من السائقين عكس السير. ويصعب الفصل بين السيارات والحافلات، وبين المشاة، فتتلاقى ببعضها.

يضيف سلامة أن المشكلة في البقاع أقل سوءا، لأنه توجد فتحات عند الأوتوستراد، لكن توجد مستديرات. والمسافات بين الفتحات على طريق البقاع أكثر طولاً من الشمال. ويروي أن رجلاً في الثمانين من العمر كان ضحية أحد الحوادث في جل الديب لأنه أراد عبور الطريق من جهة إلى أخرى. وكذلك العمال الأجانب الذين يجدون صعوبة في تقدير المسافات الفاصلة بين السيارات، بسبب عدم اعتيادهم عليها.

إقفال كامل

تكمن المشكلة الرئيسية في بناء الأتوسترادات في وضع مخططات لها منذ العام 1960، من دون وجود تقدير لزيادة، بما يتناسب مع الزيادة السكانية، وانتشار المحال التجارية على جانبيها. وفي المناطق التي حصلت فيها استملاكات لتوسعة الطرق، لم تكن المساحات كافية، بالإضافة إلى أن المساحات غير متوافرة أصلا في مناطق عدة لاستملاكها.

ويمكن لأي لبناني سافر إلى الخارج أن يلاحظ كيف تقام الأتوسترادات من دون وجود مسارب وتحويلات تدخل منها السيارات والمشاة. ولا يمكن كما يؤكد سلامة المقارنة بين السرعة على اوتوسترادات لبنان وبينها في الدول الأخرى، لأنه توجد في تلك الدول ثقافة مرورية وضوابط، تبدأ بتعلم القيادة بشكل سليم. بينما يشير مطران إلى أن النقاط السوداء توضع على نظام “جي بي إس” في الدول التي تهتم بسلامة مواطنيها، وعندما يتكرر الحادث في نقطة معينة، ترسل الوزارة المعنية فريق خبراء لدرس المشكلة وحلها.

لا يوجد حل كما يؤكد سلامة، إلا بإقفال جميع الفتحات على الأوتوسترادات، وإقامة مفارق ومستديرات عند مداخل القرى، وطرق جانبية للمشاة، تدخلها أيضا السيارات والحافلات التي تريد نقل الركاب، لأنه لا يمكن الجمع بين الأوتوستراد والركاب والمشاة في الوقت نفسه. ويضيف أنه يجب وضع شباك معدنية فوق حواجز الباطون، بحيث لا يستطيع المشاة العبور فوقها. ويورد مثالاً على الخطر المحدق عند الطريق البحرية الموازية للأوتوستراد في أنطلياس، إذ يترتب على كل من يريد الانتقال إلى البحر أن يقطع الأوتوستراد.

جسور المشاة

بلغت نسبة الضحايا من المشاة في العام 2102 تسعة وثلاثين في المئة من مجمل عدد ضحايا حوادث السير. وتلك هي النسبة الأعلى بين فئات الضحايا الأخرى، وتأتي قبل نسبة الضحايا الشباب التي بلغت سبعة وثلاثين في المئة. والسبب هو إعداد الطرق والأوتوسترادات للسيارات فقط، من دون وجود ممرات للمشاة، كأنه يترتب على الناس أن يسيروا على الطرق بسياراتهم. وفي بعض الأماكن توجد ممرات جسور للمشاة، لكن لا ينتقل عبرها جميع الناس.

ويوضح سلامة أن الجسور هي الحل المتاح، لكنها ليست الحل الأمثل لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار كبار السن والحوامل والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وراكبي الدراجات الهوائية. مع ذلك لا إمكانية فنية لإقامة جميع الجسور المخطط لها. ويقول سلامة إن لدى وزارة الأشغال دراسات لبناء أربعة عشر جسراً، لكن عندما قدمت تلك الدراسات إلى المكاتب الهندسية، اكتشفت عدم توافر الشروط الفنية لإقامة العديد منها، ومن أصل أربعة عشر جسراً، تبين أن هناك أربعة فقط يمكن بناؤها في المساحات المخصصة لها. أما بالنسبة إلى القاصرين عن صعود الجسور، فقد وجدت الدول المتقدمة الحل عبر إقامة مصاعد عند جانبيها، ويمكن إقامتها في لبنان، لأن ارتفاع الجسر يعادل طابقين.

اختصاص السلامة المرورية

لم يكن يوجد في العالم اختصاص إدارة السلامة المرورية. وكانت المعرفة بمشاكل السير في الدول المتقدمة تتم عبر الخبرة. لكن نظراً لتزايد أعداد الضحايا في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، قررت الأمم المتحدة بالتعاون مع “البنك الدولي” و”منظمة الصحة العالمية” وشركة “رينو” الفرنسية، إقامة اختصاص جامعي بالسلامة المرورية، وجرى اختيار “جامعة القديس يوسف” في لبنان لتعليمها، بسبب وجود لبنان في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، ولارتفاع ضحايا حوادث السير فيه.

يدرس ضمن الاختصاص حالياً ثلاثون طالباً من سوريا ومصر ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وتركيا والهند. وقد تخرج منهم تسعة. وبينهم خمسة ضباط من قوى الأمن الداخلي، هم رئيس سرية سير بيروت العقيد محمد الأيوبي، رئيس العلاقات الإعلامية النقيب ميشال مطران، المتخصص في الإحصاءات المقدم جوزيف حويلا، مسؤول العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدم جوزي مسلم الذي شارك في إعداد قانون السير، والملحق في معهد قوى الأمن الداخلي النقيب شادي البستاني، وسيتولى بعد تخرجه تدريب العناصر والرتباء على شؤون السير.

وبموجب عقد العمل الموقع مع الأمم المتحدة يجب تخفيض الوفيات الناتجة من حوادث السير بين العامين 2011 و2020 بنسبة خمسين في المئة، فهل يحصل ذلك في لبنان؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.