إردوغان في جولته الخليجية.. هل من مسرحية جديدة!

موقع قناة الميادين-

حسني محلي:

لم يكن مفاجئاً لأحد أن يعود الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الخليج، وهذه المرة من بوابة جديدة لا تختلف عن تلك التي دخل منها الجميع، سوريا، عام 2011، بدعم أميركي – غربي شامل.

بعد 6 سنوات من قراره بإرسال الجيش التركي إلى الدوحة لحماية صديقه وحليفه الاستراتيجي تميم آل ثاني من أي عدوان إماراتي – سعودي – مصري، وبعد أن قطع آل سعود وآل نهيان وآل خليفة المدعومون من السيسي علاقاتهم بقطر في حزيران/ يونيو 2017، لم يكن مفاجئاً لأحد أن يعود الرئيس إردوغان إلى الخليج، وهذه المرة من بوابة جديدة لا تختلف عن تلك التي دخل منها الجميع، سوريا، عام 2011، بدعم أميركي – غربي شامل، وهو ما تحدث عنه رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 عندما قال إن “كل ما قاموا به في سوريا كان بتفويض من الملك السعودي عبد الله، وأن كل ما تم إدخاله إلى سوريا من المال والسلاح والإرهابيين كان عبر الحدود التركية مع سوريا”.

فبعد الزيارة التي قام بها محمد بن زايد إلى أنقرة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، جاء صديقه رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة في 9 آذار/مارس 2022 ليساعد الرئيس إردوغان في الانفتاح الجديد على المنطقة.

ومن دون أن يتذكر أحد أن إردوغان هو الذي هدّد وتوعّد “إسرائيل” والإمارات بسبب “الاتفاقية الإبراهيمية”، كما اتهم وزير داخليته سليمان صويلو بن زايد وأميركا بتمويل محاولة الانقلاب الفاشل في 15 تموز/ يوليو 2016. فبعد أن نسي الجميع اتهام إردوغان هذا لابن زايد وقادة الكيان الصهيوني، لم يتأخر محمد بن سلمان في زيارة أنقرة في 22 حزيران/ يونيو العام الماضي، بعد أن أغلق إردوغان ملف جريمة جمال خاشقجي، وأرسل هذا الملف كاملاً إلى الرياض.

وجاءت المصالحة الخليجية في قمة العلا في 5 كانون الثاني/ يناير 2021 لتساعد تميم آل ثاني للاستمرار في دوره التقليدي بين الانحياز والتوازن في القضايا العربية والإقليمية، خاصة بعد أن صالح الرئيس السيسي وأقنعه بضرورة المصالحة مع حليفه الاستراتيجي إردوغان. وهو ما تحقق له على هامش مباريات كأس العالم في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث تصافح الرئيسان السيسي وإردوغان وهو الآن يستعد لاستضافة السيسي في أنقرة 27 الشهر الجاري، ناسياً أنه هو الذي اتهمه بـ”الديكتاتورية والإرهاب والاستبداد والقتل والإجرام” لأنه أطاح الرئيس الإخواني محمد مرسي.

الرئيس إردوغان الذي سبق له أن أرسل نائبه جودت يلماز ومعه وزير المالية محمد شيمشاك إلى الإمارات وقطر والسعودية تمنى لزيارته إلى هذه الدول الثلاث (الإثنين 17 تموز/ يوليو) أن تساهم في إقناع حكامها للاستثمار بما لا يقل عن خمسين مليار دولار في تركيا. وتتوقع المعارضة لإردوغان أن يقترح على زعماء الدول الثلاث شراء العديد من مؤسسات القطاع العام والتي ستتم خصخصتها خلال الفترة المقبلة، وأهمها شركة الطيران ومؤسسة النفط والموانئ الاستراتيجية.

ويتمنى إردوغان لعملية الخصخصة أن تساعده في تجاوز الأزمة المالية الخطيرة التي تعاني منها تركيا، خاصة بعد أن تراجع احتياطي المصرف المركزي إلى ناقص 57 مليار دولار، ووصلت الخزانة العامة إلى حافة الإفلاس. ومن دون أن يعني ذلك أن الدولارات هي الهدف الرئيسي في جولة إردوغان الخليجية، التي جاءت بعد المصالحة التركية -الأميركية في قمة الأطلسي الأخيرة. وهي المصالحة التي يتوقع لها البعض أن تنعكس بشكلٍ سلبي على العلاقات الروسية – التركية، وقد ترفع من سقف المساومات التركية مع دول الخليج ومصر في ما يتعلق بالدور التركي في سوريا وليبيا والعراق، بعد أن بات واضحاً أن هذه الدول العربية غير مبالية بذلك، كما هي غير مبالية بالقواعد التركية في قطر التي تحوّلت إلى محمية تركية جنباً إلى جنب مع قاعدتَي السيلية والعديد الأميركيتين، وتدير واشنطن عبرهما كل مخططاتها ومشاريعها العسكرية في المنطقة، بما فيها احتلال العراق وأفغانستان وشمال شرق سوريا، كما تخدم المشاريع والمخططات الإسرائيلية في المنطقة، وفي مقدمتها مواجهة ما يسمّى بـ”الخطر الإيراني”.

وعلى الرغم من المصالحة الإيرانية -السعودية والإيرانية مع كل من السودان ومصر والجزائر، فإن ذلك لم ينعكس حتى الآن إيجاباً على الملف السوري بسبب الاعتراض الأميركي والأوروبي على أي انفتاح عربي وإقليمي على دمشق. وبات واضحاً أن إردوغان لن يستعجل المصالحة معها، وسينتظر نتائج جولته الخليجية، التي يرى فيها البعض محاولة لتشكيل تحالف إقليمي سني جديد بصيغة جديدة لا تختلف في الجوهر عن التحالفات السنية السابقة في المنطقة، منذ بداية ما يسمّى بـ”الربيع العربي” ومجيء الأميركيين وحلفائهم إلى سوريا بذريعة محاربة “داعش”.

ويعرف الجميع أنها (داعش) صنيعة أميركا ومن معها دولياً وإقليمياً حالها حال “النصرة” التي تحتمي بالجيش التركي في إدلب وجوارها، كما هي على اتصال مع واشنطن التي ترى فيها قوة احتياطية تساعدها في ترتيب أمور سوريا والمنطقة. وبات واضحاً أن إردوغان بجولته الخليجية واستقباله الرئيس السيسي 27 الشهر الجاري إنما هو يسعى لضمان مكانته في مسرحية المضحك المبكي التي تعودنا عليها منذ ما يسمى بـ”الربيع العربي”، حتى ولو اختلفت الأدوار والأزياء والموسيقى فكاتب السيناريو لم يتغير، ما دام الممثلون سعيدين بأدوارهم من البطولة إلى الكومبارس!

وإلا ما هو التفسير المنطقي للمصالحة بين قطر وكل من السعودية والإمارات ومصر. وما هو التفسير المنطقي لتجاهل زعماء مصر والإمارات والسعودية كل ما قاله عنهم إردوغان خلال السنوات الأخيرة حالهم حال رئيس الكيان الصهيوني هرتسوغ الذي أوصى رئيس وزرائه نتنياهو لزيارة أنقرة الشهر القادم. وهو ما تؤيده واشنطن التي تستمر في مساعيها لإقناع الرياض للمصالحة مع “تل أبيب”.

ومن دون أن يقول لنا أحد لماذا لم ترقَ الدول الخليجية إلى مستوى الجارة العراق الذي قام رئيس وزرائه محمد شياع السوداني بزيارة مفاجئة إلى دمشق ليعلن تأييد بلاده للرئيس الأسد والدولة السورية في مكافحة الإرهاب. ويعرف الجميع أن مصدره هو الدول والأطراف نفسها التي تتحدث الآن عن الأمن والسلام والاستقرار، وبعد أن قدّمت، وما يزال البعض منها يقدم كل أنواع الدعم للجماعات الإرهابية التي أوصلت سوريا والعراق ثم المنطقة برمّتها إلى ما وصلت إليه من دمار ومآسٍ في المجالات كافة.

ومن دون أن يكون واضحاً هل وكيف ستساهم جولة الرئيس إردوغان الخليجية في مساعدة سوريا والعراق وليبيا والمنطقة عموماً لوضع حد نهائي لهذه المآسي، وهم جميعاً ومن معهم إقليمياً ودولياً سببها الرئيسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.