إرهاب «داعش» يتمدد.. طلباً لمرفأ في الشمال

tripoli - irhab

صحيفة السفير اللبنانية ـ
غسان ريفي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الأربعين بعد المئة على التوالي.
يوماً بعد يوم، تزداد الأسئلة عن مستقبل الوضع في شمال لبنان، وبالتحديد من وادي خالد إلى طرابلس.. وهي أسئلة تعكس تصاعد المخاوف، لبنانيا وإقليميا ودوليا من احتمال انتقال الشرارة «الداعشية» الى منطقة الشمال اللبناني، ربطا بأمور عدة:
÷ أولها: حجم المجموعات المتطرفة في بعض المناطق الشمالية، وقدرتها على التواصل مع مجموعات جرد عرسال والقلمون السوري، التي تحلم بإيجاد ممر آمن لها الى البحر، لا يمكن أن يكون إلا عبر بوابة الشمال، بعدما أقفلت احتمالات الشاطئ السوري في وجهها.
÷ أما ثانيها، فمدى قدرة الجيش اللبناني وجهوزيته للتصدي لأي انفلات أمني قد تلجأ إليه هذه الخلايا «الداعشية» النائمة، على امتداد الرقعة الشمالية، في ظل ما يعانيه من ضعف في إمكانياته، والأخطر افتقاده الإجماع الشعبي على دوره، خصوصا في مواجهة مجموعات كهذه.
÷ أما الثالث، والأخطر، فهو أن تجد الحكومة اللبنانية نفسها مرغمة على الاستنجاد بخيار بين أمرين لمنع انهيار الموقف في الشمال: إما «التحالف الدولي» أو النظام السوري، ما دام «حزب الله» ليس في وارد ترشيح نفسه لمهمة قد تجعل الشمال كله في حالة مواجهة معه!
لا تأتي هذه المخاوف من الفراغ. المعطيات كثيرة، وأبرزها الامتداد الأمني الواضح لـ«داعش» و«النصرة» شمالا، وترجمته بالاعتداءات المتواصلة على الجيش اللبناني، سواء بإطلاق النار على مواقعه، كما يحصل في طرابلس وآخرها فجر أمس، أو بمحاولات اغتيال جنوده من باص الملولة مرورا بدير عمار وصولا إلى الريحانية، ما أسفر عن سقوط شهيدين وعدد من الجرحى، من دون إغفال دور بعض الشخصيات المتطرفة التي تحرّض على الانشقاق عن الجيش.
وتدل هذه المعطيات على أن هناك خلايا متضررة من الإجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني في المناطق الشمالية، وبالتالي تريد إرباكه بداية، ومن ثم استفراده، وصولا إلى إضعافه وربما الانقضاض عليه في التوقيت والظرف المناسبين.
ولعل ما أدلى به الداعية عمر بكري فستق من اعترافات أمام القضاء العسكري حول تعبئة الشباب ضد الدولة ومؤسسة الجيش، وإقامة معسكرات تدريب في الشمال، والحلم بإنشاء إمارة إسلامية يرفرف علمها فوق القصر الجمهوري، فضلا عن قيام الأجهزة الأمنية خلال معركة عرسال الأولى برصد مروحة من الاتصالات الهاتفية بين عرسال وعين الحلوة ومناطق شمالية عدة، يجعل وضع الشمال اللبناني تحت المجهر الدولي مشروعاً.
ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن اجتماعات أمنية غربية ـ عربية عقدت في الآونة الأخيرة في عواصم إقليمية، منها العاصمة الأردنية، ناقشت احتمالات قيام «داعش» بمحاولة للتمدد نحو بحر الشمال اللبناني، وهذه النقطة تحديداً ركز عليها قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بإعلانه أن «داعش» يعتمد على خلايا نائمة في طرابلس وعكار وأن هذا التنظيم «يريد إقامة ممر آمن الى البحر».
وتقول المصادر نفسها لـ«السفير» إن مسؤولا غربيا أبلغ مسؤولين لبنانيين أن هذا الاحتمال هو خط أحمر بكل ما للكلمة من معنى «ولا يمكن أن يحصل بأي شكل من الأشكال»!
وما يضاعف المخاوف هي المعطيات التي تتحدث عن انتهاء وظيفة جرود عرسال العسكرية نتيجة وقوع المجموعات المسلحة بين فكي كماشة الجيشين السوري واللبناني ومعهما «حزب الله»، وبالتالي ازدياد الاحتمالات بأن تقدم على خيار البحث عن جبهات بديلة قد يكون الشمال اللبناني أبرزها، وطبعا، فإن ذلك يتطلب إعطاء الضوء الأخضر للخلايا النائمة بالتحرك في آن واحد، وهي نقطة كان قد حذر منها أيضا العماد قهوجي قبل نحو أسبوع.
وما يزيد الطين بلة، أن أياً من الجهات السياسية أو العسكرية أو الأمنية اللبنانية لا تستطيع أن تقدر بدقة حجم هذه المجموعات المسلحة، أو أن تتعرف الى هويتها وإمكاناتها، لا سيما في ظل وجود مئات المخيمات العشوائية للنازحين السوريين في عكار.
وقد كشفت المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني مرارا لبعض مخيمات النازحين بأنها لا تخلو من السلاح والمسلحين، حيث أوقف 16 سورياً وصادر كمية من الأسلحة والعتاد في أحد المخيمات في الدريب الأوسط، أمس الأول، على خلفية استهداف العسكري الشهيد ميلاد عيسى في الريحانية.
ويشير ذلك الى إمكان وجود كتلة بشرية متدربة على حمل السلاح يمكن استخدامها في أي مخطط أمني قد تلجأ إليه «داعش» أو «النصرة» في الشمال، إضافة الى المجموعات اللبنانية التي بدأت تكشف عن نفسها تباعاً، وتتخذ من المواقف التحريضية، بشعارات مذهبية، ضد المؤسسة العسكرية، غطاءً لارتكاباتها.
كما أن عدم تحمل القيادات الشمالية مسؤولياتها، سياسيا وإنمائيا، يساعد أكثر فأكثر على خلق مناخات تساعد على تسلل المجموعات المتطرفة الى بعض البيئات الشعبية الفقيرة.
يدفع هذا الواقع، الى رفع الصوت من احتمال تكرار ما شهدته عرسال وبريتال من غزوات، لكن هذه المرة في مناطق شمالية متعددة. وتحذر مصادر مطلعة من أن الاستهدافات الفردية اليومية للجيش «وما يقابلها من ردات فعل سياسية خجولة، برغم المشاركة الشعبية في تشييع الشهداء من العسكريين، كل ذلك يزيد من حجم المخاطر والتحديات».
ويطرح هذا الواقع تساؤلات عدة:
ماذا لو قررت التنظيمات الإرهابية التحرك باتجاه شمال لبنان، وحركت معها كل الخلايا النائمة؟ كيف يمكن للجيش أن يتصدى لها أو أن يصمد في مواقعه ومراكزه في ظل شعوره بعدم وجود بيئة جدية حاضنة له؟ وإذا كان «حزب الله» يقوم بدور مواكب للجيش في البقاع، فمن يواكب الجيش في الشمال؟ وكيف يمكن للحكومة اللبنانية أن تتصرف إذا ما نجحت التنظيمات الإرهابية في السيطرة على بعض القرى والمناطق كما حصل في بداية معركة عرسال الأولى؟
كيف سيتعامل «التحالف الدولي» مع تطور أمني بارز من هذا النوع؟ وهل يمكن أن يعطي لنفسه الحق بالتمدد الى لبنان وشن غارات على الأماكن التي يحتلها المسلحون؟ أم أن الحكومة ستجد نفسها مجبرة على التواصل مع الحكومة السورية للتدخل ومساعدة الجيش اللبناني على حماية مناطق الشمال؟ وما هي التداعيات العسكرية والسياسية لكلا الخيارين؟
هذه السيناريوهات «قد تكون مطروحة، لكنها مستبعدة في الوقت الحالي، لا سيما في ظل أعمال الرصد الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة العسكرية» كما تقول مصادر عسكرية لبنانية.
وتوضح هذه المصادر أن الجيش «يتمتع بجهوزية تامة للتصدي لأية هجمات يمكن أن تنفذها المجموعات الإرهابية»، وتشدد على أن الجيش لن يكون وحيداً في معركة من هذا النوع، لا بل ان أبناء الشمال سيقفون الى جانب مؤسستهم العسكرية كما فعلوا من قبل في مناسبات عدة، أبرزها معركة مخيم نهر البارد حيث سقط عشرات الشهداء من كل أقضية محافظة الشمال في مواجهة مجموعات «فتح الإسلام» الإرهابية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.