إستقطاب داخلي يقوض مكانة عالمية

صحيفة البعث السورية-

عناية ناصر:

الكثير مما يحدث في عالم اليوم هو نتيجة مباشرة لانهيار النظام السياسي الأمريكي ووقوعه في الفوضى، فأمريكا مستقطبة بشدة وقد انجذب معظم الأمريكيين إلى أحد الجانبين السياسيين المتطرفين، مع القليل من التأكيد على وجهة نظر وسطية معتدلة.

لقد ظهرت الخطابات الغاضبة من قبل المسؤولين المنتخبين من أعلى سلطة الهرم ونزولاً، حيث أغرق أعضاء مجلس الشيوخ والمحافظون، وحتى المشرعون المحليون، أنفسهم في خطابات عامة ساخنة وغاضبة لا توجد فيها مناقشة حقيقية للقضية إلا التنمر فقط على وجهات نظر الآخرين. لقد كان ضعف الرئيس السابق دونالد ترامب عندما كان في منصبه يكمن في عدم قدرته على تولي زمام الأمور، وكان بدلاً من ذل يلاحق دائماً الاستفزازات الصغيرة التي كانت تنشر من قبل وسائل الإعلام الإخبارية السائدة المتحيزة، مما يحيده عن بعض برامجه وسياساته.

من ناحية أخرى، يبدو الرئيس جو بايدن يعيش حالة من الضياع، بينما كان ذات يوم يعتبر سياسياً ذكياً، لكن العمر قوض هذه الميزة بوصفه زعيماً.

إن وضع كل ذلك معاً يظهر تصوراً واضحاً للتدهور، الأمر الذي يثير مقارنات مع سقوط الإمبراطورية الرومانية، ولكن بوتيرة أسرع. تعود جذور الإمبراطورية الرومانية إلى 753 قبل الميلاد، وانهارت بعد 1000 عام في القرن الخامس الميلادي. ربما لا يزال أمام أمريكا مئات السنين الأخرى قبل إجراء مقارنة حقيقية ، لكنها لم تكن أبداً أقرب إلى فقدان موقعها كزعيم للعالم الحر أكثر مما هو عليه اليوم. لطالما كانت أمريكا زعيمة توازن القوى الجيوسياسي المحكم المعروف باسم “الغرب”، حيث كان لقوة الغرب علاقة كبيرة بفرض سلطة وسائل الإعلام الإخبارية، والتي فرضت لسنوات عديدة تصورات في جميع أنحاء العالم، أي مزيجاً من صعود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والذي أعطى كل مواطن القدرة على أن يكون صوتاً متساوياً لقادة العالم، وتوحيداً للإعلام الذي جعل الشركات العملاقة تستهلكها بأجندات أخرى قوضت أسس البرج الغربي العاجي.

لقد ماتت حرية التعبير في أمريكا واستبدلت بـ “الخطاب الصاخب”، فأمريكا لم تكن ضعيفة أبداً في تاريخها القصير نسبياً أضعف مما هي عليه اليوم، وقد تجلى ذلك من خلال النفوذ الأمريكي في أمريكا الجنوبية، وآسيا وأفريقيا الذي يتلاشى بسرعة. كما أن تحالف شمال الأطلسي الذي تقوده أمريكا لم يعد تحالفاً حقيقياً بعد الآن، حيث انفصل أعضاء الناتو عن تضامنهم في العديد من القضايا.

كانت أمريكا، فيما مضى، “زعيمة العالم الحر”، إلا أنها أصبحت اليوم ضعيفة ومثاراً للسخرية، ولا تستطيع الوفاء بوعودها والتزاماتها، ومخالفة لمبادئها، والسياسيون قلقون بشأن خلافاتهم السياسية الداخلية الأنانية أكثر من دور بلادهم سريع التدهور في العالم من حولهم.

عالم اليوم هو عالم من عدم اليقين الكبير، حيث لا يوجد ولاء حقيقي إلا للمصالح الاقتصادية فقط، حتى إن تسييس النظام القضائي الأمريكي يغذي مسار أمريكا التنازلي. وفي ظل هذا السياق، ومع اقتراب موعد خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة من يمكنه تغيير كل هذا؟. يقول البعض إنه قد يكون روبرت إف كينيدي الابن ، ابن السناتور الأمريكي السابق المقتول وابن شقيق الرئيس السابق جون كينيدي، لكن هل يتوقع حقاً الفوز على بايدن في الترشيح الديمقراطي لعام 2024؟.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.