“إسرائيل”.. لا بديل من الانهيار

موقع قناة الميادين-

عماد الحطبة:

التعديلات القضائية المقترحة تمنح الكنيست الإسرائيلي الحقّ في إعادة سن القوانين التي نقضتها المحكمة العليا، وتمنع المحكمة من مناقشة ما يسمى القوانين الأساسية.

تشدنا القنوات الإخبارية كل يوم إلى تغطيتها للتظاهرات التي يقوم بها الإسرائيليون في مدن فلسطين المحتلة، احتجاجاً على التعديلات القضائية. نشاهد مظاهر لم نألفها في تعامل كيان الاحتلال مع مستوطنيه، ونشهد اعتقالات وخراطيم مياه وتعنتاً حكومياً، وتتوالى الإعلانات عن الانسحاب من التطوع والاحتياط في أركان “جيش” الكيان المختلفة.

التعديلات القضائية المقترحة تمنح الكنيست الحقّ في إعادة سن القوانين التي نقضتها المحكمة العليا، وتمنع المحكمة من مناقشة ما يسمى القوانين الأساسية، وتحدّ من إمكانات اعتبار رئيس الحكومة فاقداً للأهلية.

يرى التيار العلماني أن هذه التعديلات تعطي حصانة للفاسدين من أقطاب اليمين الديني والمتطرف، من أمثال أرييه درعي وإيهود أولمرت ونتنياهو نفسه، وأنه سيعيد قوانين منحت مزايا للمتدينين المتعصبين. يبدو الأمر منطقياً، وديمقراطياً أيضاً، بحسب أحد المحللين على قناة صهيونية التوجه، رغم نطقها باللغة العربية.

يرى البعض المتشائم، ويشاركه الليبراليون من أنصار “السلام العادل والشامل”، أن ما يحدث ليس سوى زوبعة في فنجان، وأنه يعبر عن أزمة داخلية، لكنها ليست أزمة بنيوية، وأن الأمور ستعود إلى نصابها بسقوط حكومة نتنياهو بفعل الضغوط الأوروبية والأميركية على بعض أطراف الائتلاف، أو أن الأمور ستتطور إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين وأنصار اليمين المتعصب. عندها، ستجد الشرطة مبرراً لفض الاحتجاجات بالقوة، واتخاذ بعض الإجراءات التي تسمح بنوع محدود ومحصور من الاحتجاجات، كما يحدث في الكثير من الدول الرأسمالية.

المتفائلون يرون في الاحتجاجات أزمة بنيوية عميقة في بنية كيان الاحتلال، وأن استمرارها وتطورها هو المسمار ما قبل الأخير في نعش هذا الكيان، ويبقى السؤال: من يدق المسمار الأخير في هذا النعش؟

منذ قيام “دولة” الاحتلال عام 1948، لم يمر يوم من دون أن نسمع أو نقرأ عن تفسخ مجتمع الاحتلال وذهابه نحو الانهيار. ما حدث أن تلك “الدولة” تمكنت من صهر الآتين من كل أصقاع الأرض في هوية جديدة: الإسرائيلية، وتفتيتنا نحن إثنياً وطائفياً وسياسياً.

بدا الأمر كأن العصر الإسرائيلي آتٍ ليسيطر على منطقتنا. ترسخ هذا الاعتقاد بعد زيارة السادات لـ”تل أبيب”، والاجتياح الصهيوني للبنان، وقمة فاس، واتفاقيات أوسلو. كانت “إسرائيل” في كل مكان، وتعالت الأصوات الجانحة إلى “السلام”، وأصبح خطاب المقاومة لغة خشبية.

جاء العقد الأول من الألفية الثالثة بما لم تتمنَّه “إسرائيل” وحلفاؤها: تحرير الجنوب في أيار/مايو 2000، وانطلاق الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000، والصمود الأسطوري لمخيم جنين في نيسان/أبريل 2002، وصولاً إلى الهزيمة الإسرائيلية المدوية في تموز/يوليو 2006. من دون مقدمات، ورغم التهافت العربي الرسمي على “السلام” المزعوم، تهاوى العصر الإسرائيلي، وبدا الوحش الذي لا يهزم عجوزاً فاقد الأسنان.

اعتقدت “إسرائيل” وحلفاؤها أن ما حدث لم يكن سوى كبوة، وأن الربيع الصهيوني (2010) سيعيد الأمور إلى نصابها، فانخرطوا في هذا الربيع بأسلحتهم ومؤامراتهم وملياراتهم، وفُتحت أبواب العواصم العربية للعدو واتفاقياته الإبراهيمية.

لكن حساب الحقل المساوم لم يناسب حساب البيدر المقاوم؛ فقد هُزم المشروع الإمبريالي الصهيوني في سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين، وانتصرت المقاومة مراراً وتكراراً حتى أصبح الانتصار عادة، وتراجعت الولايات المتحدة من المنطقة تجرّ أذيال الخيبة، وبررت تراجعها بالاهتمام بمصالحها في بقع أخرى من العالم: بحر الصين الجنوبي، والحرب في أوكرانيا، وسدد الاتفاق الإيراني – السعودي رصاصة الرحمة إلى قلب المشروع الإبراهيمي الذي كان يستعد ليكون البديل في المنطقة، مُشكلاً مركزاً اقتصادياً عسكرياً تديره “إسرائيل”.

ما يجري اليوم في “إسرائيل” لا يشبه الأفكار الرغائبية التي عشناها على مدى أكثر من 70 عاماً. اليوم، تعاني “إسرائيل” تعاني أزمة حقيقية في الهوية. “إسرائيل” الحلم وواحة الديمقراطية في المنطقة، كما صورها آباء الصهيونية الأوائل، تتلاشى وتصعد مكانها “دولة” أصبحت بعيون مستوطنيها “دولة” دينية فاشية متعصبة.

هؤلاء المحتجون في الشارع سيخرجون مرة أخرى في مواجهة اليمين الديني المتطرف، وهذا اليمين الذي يشعر بأنه شكَّل حكومة أحلامه وأصبح يشكل الأغلبية لن يتنازل عن مكتسباته، سواء من خلال التعديلات القضائية أو غيرها.

ليس أمام الطرفين سوى المواجهة على الأرض أو رحيل أحد الطرفين من أرض ميعاده، لتبقى أرض ميعاد للطرف الآخر. “لن نحارب من أجل هؤلاء”. هذا ما قاله أحد جنود الاحتياط الذين كانوا بين المحتجين. تتمثل أزمة اليمين في الضعف الذي ينتاب “الدولة”، والذي قد يجعلها غير قادرة على مقاومة مشاريع “السلام”، وخصوصاً “حل الدولتين”. لذلك، يلجأ إلى تصعيد العنف والاستيطان.

فَشِل الربيع الصهيوني، وفشل الحل الاقتصادي الإبراهيمي، وفشلت حكومتا يمين الوسط واليمين المتطرف، ونجحت المقاومة في الصمود في جميع الساحات. أزمة “إسرائيل” عميقة ومترسخة وغير قابلة للحل في المدى المنظور، ولا بديل أمامها سوى الانهيار.

القوى الوحيدة القادرة على تعبئة الفراغ هي قوى المقاومة التي ترفع شعار التحرير غير المشروط بالزمان أو المساحة، فكل بقعة يسيطر عليها مقاومون ببندقياتهم هي أرض محررة، حتى لو كان “جيش” الاحتلال يحاصرها.

إنه زمن التحرير، وما علينا إلا الإيمان بأنفسنا وقدراتنا وقدرنا!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.